تعلو في هذه الأثناء، وتيرة الهجوم على الرئيس محمود عباس، وبدا لافتاً ومريباً ومعيباً، أن المسهمين في الهجوم يشكلون، رهطاً غير متجانس من "كلمنجية" الليكود وآخرون من "كلمنجية" حماس، ومن أطراف البغضاء العرب وتابعيهم. فربما اختلف هؤلاء على كل شيء، لكنهم اتفقوا على توقيت وتعبيرات هجاء عباس وذمه بكلام جزافي. لكن الهجاء السفيه، من الجانب الفلسطيني والعربي، يختلف عن شبيهه الذي من الليكود، وإن تطابقت العبارات. فالأول يتعرض لمفردات السياسية وليس للسياسة نفسها، لكنه من الجانب الليكودي ومن هم على يمينه المهووس، يتعلق بفحوى السياسة، ويتغاضى عن بعض مفردات عباسية، لتهدئة اللعب في سياق بناء الموقف، وهذا من طبيعة لغة الرئيس الفلسطيني. وكأن المتطرفين، حيال هذه اللغة، يقولون إن أحداً لن يستغفلنا.
في هذه اللجة، تُلح على الخاطر، المطالبة بمؤتمر لتنظيم عملية الهجوم على الرئيس عباس، يجمع كافة أطراف الضغينة، ويطلع فيه كل طرف، على خلفيات الطرف الآخر، لكي يتاح له أن يختار بين إخماد النار التي تتلظى في نفسه، أو تأجيجها!
ربما تكون لازمة، في هذا المؤتمر، الاستعانة بالأمم المتحدة وبمحاضر الجلسات مع الأطراف الدولية، وبتسجيلات المكالمات الهاتفية بين الرئيس عباس والأميركيين وبينه وبين القادة العرب، لكي تتبدى واضحة لأطراف المؤتمر، الوجهة السياسية الحقيقية للرجل. ونحسب أن الطرف الليكودي ويمينه المعتوه، هو وحده الذي يعرف الحقيقة، وهو الذي يتأسس هجاؤه وهجومه وذمه، على حيثيات سياسية، ذلك علماً بأنه مأزوم، شأنه في ذلك شأن أعدائه من الطرف الفلسطيني والعربي الذي يماثله في التعبير. ويصح القول إن ثمة وجوه شبه، بين عناصر أزمة الليكود وعناصر أزمات أبناء جلدتنا!
لعل من أهم وجوه الشَبَه، أن طرفين رئيسين في مؤتمر "الكلمنجية" الهَجّائين الذمامين، يتعلق بالقتل الإجرامي ورواسبه من الذعر والقلق العميق في نفوسهم، مثلما يتعلق بكساد البضاعة السياسية إقليمياً ودولياً. هما من طائفة القتلة والمحرضين على القتل، وفي الوقت نفسه من أهل الفساد والاستبداد، ومن صُنّاع التجلط والانسداد. تراهم، في مأزقهم هذا، يحاولون الهرب الى أمام، في اللحظة التي لم يعد فيها أمام ولا خلف. ونندهش فعلاً، عندما يقع التطابق التلقائي بين تعبيرات كلا الطرفين حتى تظنهما طرفاً واحداً. فهما يريدان لعباس أن يغيب، وإن غاب، سيرضى الطرفان. وكيف يرضى طرفان عدوان، بصيغة واحدة تحدد وصفة التغيير الموهوم الذي يلائم الاحتلال والفرقان الجهادي معاً وفي الوقت نفسه؟ وما هي طبيعة تمنيات الطرفين، لأن تكون عليه البدائل؟
عند الإجابة، لا بد من حضور السياسة التي ستطرح بدورها أسئلة جديدة. هل يظن المعتوهون الليكوديون ومن هم على يمينهم، أن شعب فلسطين، سيقبل زعيماً أراغوزاً موصولاً بخيوط تحركها أيديهم؟! وهل يتوهم المأزومون الذين انقلبوا على النظام السياسي الفلسطيني، وقتلوا، وأطلقوا الرصاص من النقطة صفر على مفاصل مواطنيهم ثم أغلظوا في حكم الناس التي عافتهم، أن معطيات الحال الفلسطيني والعربي، ورزاياهم هم أنفسهم، جديرة بحمل خالد بن الوليد أو صلاح الدين الأيوبي، الى سدة الحكم في السلطة أو في الكيانية الفلسطينية؟! 
معلوم في السياسة، إن اللغة حين تنفصل عن الإحساس بالمسؤولية تصبح هذياناً يؤذي صاحبه وأهله. لكن العمل السياسي المسؤول، هو الذي يحافظ على خطوط الاتصال مع الأطراف الدولية، وفي الوقت نفسه يحافظ على ثوابت الموقف الوطني. هنا، يعلم المطلعون أن الرئيس "أبو مازن" في مكالماته الهاتفية الأخيرة مع وزير الخارجية الأميركي، ظل يشدد بقوة على كل موقف شعبي فلسطيني بخصوص القدس والاستيطان، ولا نبالغ إن قلنا إنه في أدائه هذا، اتسم بالثبات على الموقف، وبات يمثل ورقة الضغط الوحيدة المتوافرة، على المشروع الليكودي في القدس والضفة، وقد بدأت قيادة الأردن في مساندته في هذا الشأن حصراً . لا وجود - للأسف - لأطراف أخرى، ولا أوراق أخرى ضاغطة. أما "الكلمنجية" فإنهم - طبعاً - خارج المعادلة ولا يقوون على ضغط أو تنفيس. هم يعكرون المياه الفلسطينية فيستظرف المحتلون دمهم وينتجون منه أسباباً لصلفهم وذرائع لتسويق فكرة ذعرهم الكاذب. إنهم يساعدون على إضعاف الورقة الوحيدة الضاغطة، ولا يملكون بديلها، ويأثمون في توافقهم مع العدو.