لدينا مجموعة من الملاحظات على "مؤتمر القاهرة الدولي حول فلسطين"، أولها متعلق بالاسم أوالعنوان، الذي تم اختياره بذكاء ليعبر عن فلسطين (كدولة قادمة)، ودون تقزيم المؤتمر ليعبر عن جزء من فلسطين، وليعبر عن القاهرة-مصر كمقر فعل عربي مؤثر، وليوضح أن المؤتمر دولي التوجه.
مؤتمر المانحين في النقطة الثانية التي يمكننا الإشارة اليها أنه وإن كان اقتصادي المطلب، إلا أن الرئيس أبو مازن وكثير من المتحدثين حوّلوه الى منبر سياسي، فالرئيس عباس أدان العدوان والإجرام الاسرائيلي وطالب بسقف للاحتلال والذهاب لمفاوضات جادة، مؤكدا بصريرأسنانه على كلمة "جادة" ما يعطي الانطباع الواضح لافتقاد الثقة من الطرف الآخر، هذه الثقة التي سعى لها وزير الخارجية الاميركي عندما طلب من الطرفين العودة للمفاوضات، وما اظن (كيري) إلا متشككا في جدوى دعوته.
أما ثالثا فإن مؤشرات الجدية العالمية والعربية في دعم فلسطين اقتصاديا بدت واضحة-وإن نظريا- حيث كان السعي لتجنيد 4 مليارات دولار بتوقع النصف من قبل بعض المحللين الاميركان، فإذ بالرقم يقفز الى ما يقارب 5.4 مليارات دولار، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على "حساسية" القضية الفلسطينية، وأهميتها أوربما استشعار الخطر منها، ارتداداً على كل دول المنطقة سواء العربية أو الاجنبية منها، أو قد نضيف الشعور من بعض الدول بالتقصير أوالخوف من الصمت المؤدي لمزيد من اشتعال الاقليم، لا سيما وإن فوضى المنطقة سياسيا، وفي ظل الحملة الدولية على التنظيمات الارهابية لا تحتاج لفتح جبهة جديدة مطلقا.
أما النقطة الرابعة فلقد جاءت واضحة على لسان الرئيس السيسي الذي أكد على بُعدين متلازمين لإعمار ما دمره العدوان الاسرائيلي، البُعد الأول يتمثل بتثبيت التهدئة، ما يعني حُكما السعي للجم أي تفكير بعدوان صهيوني أو خرق فلسطيني، في ظل أن الفلسطينيين ما كانوا يوما هم البادئون بأي اعتداء.
أما البُعد الثاني في كلمة الرئيس السيسي فكان تأكيده على أن العنوان للإعمار هو "السلطة الفلسطينية" ما نستفيد منه كسر المسعى الاسرائيلي – وإن تماهى معه البعض الفلسطيني – لتحقيق الفصل بين غزة والضفة جغرافيا وبشريا وسياسيا.
وفي الملاحظة الخامسة يمكننا القول أن إعادة الاعمار ،هذا إن تحولت الوعود المُجزية إلى تنفيذ، يجب أن تترافق مع استكمال متطلبات فك الحصار عن فلسطين عامة وعن غزة كأولوية تتحقق بالأميال البحرية، وما تسمى المنطقة البرية العازلة ونوع البضائع التي تدخل للقطاع والمطار والميناء انتقالا لصد الاعتداءات اليومية في القدس والضفة في سياق التوصل الى الحل الدائم للقضية الذي طالب به الرئيس أبومازن في المؤتمر، ويعمل عليه في الأمم المتحدة.
يمكننا القول أيضا أن (مؤتمر القاهر الدولي حول فلسطين) يجب ألا يعني ثلاثة من المعاني بوضوح فهو يجب ألا يعني نهاية المطاف، بأن تدير الدول الظهر لنا وتكتفي بالوعود وكفى الله المؤمنين أو غير المؤمنين شر القتال ويعودوا لترك الضحية في مواجهة الجلاد، لذا فالدرب طويل ومشروع الإعمار وفك الحصار والحل السياسي مترابط بشكل لا فكاك منه.
كما لا يجب أن يعني المؤتمر أن حالة الوجد التي صاحبت المؤتمرين وحالة الكرم هي مستوفيه الشروط وتمثّل مِنّة على الشعب الفلسطيني! بينما بالحقيقة هي تمثل دعما للأمن الوقائي للدول المتبرعة، ومصلحة لها قبل فلسطين، ما يجب أن يتبعه تنفيذ حثيث لا يجعل الإعمار يتوقف بالتأسيس لاعتداءات صهيونية أو بالتخاذل الدولي حين التنفيذ، فتصبح السنوات العشر لانجاز الإعمار كما توقع بعض خبراء الامم المتحدة وربما العشرون غير كافية.
كما لا يجب النظر للمؤتمر وكأنه نهاية المطاف سواء من هذه الدول أو من الثورة الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح والمنظمة والجهاد وحماس والشعبية والجميع الوطني، فالنضال الفلسطيني لا يتوقف عند حدود تحقيق مطالب - على أهميتها لأهلنا – لأن نضالنا السياسي والاقتصادي والميداني والثقافي ما زال في بداياته.
لقد مثلت مصر رئة فلسطين الى العالم فهي استطاعت خلال 3 شهور فقط رغم صعوبة وضعها الاقتصادي أن تُعلي من شأن القضية الفلسطينية فتؤجل مؤتمرها الاقتصادي كي لا تأخذ وهج المؤتمر الفلسطيني، وهي حققت وقفا لإطلاق النار، بإجماع فلسطيني سبق وحققته أيضا.
مالم يتعرض له المؤتمر وما خامر عقول الكثيرين فيه هو أن البوصلة الأساسية في المنطقة ليست فلسطين وإنما متوجهة بقوة نحو تقاطع المصالح المرعب حول (داعش) وأخواتها، وطريقة تقاسم حجم النفوذ الاقليمي أوالعالمي أو الاستئثار به، كما لم يتعرض بالإشارة لمعاقبة الجاني في فلسطين وهو الاحتلال، بل طالبت اميركا إشراكه في اعادة الاعمار وكأنها في الحقيقة مكافأة على عدوانه.