القى محمود الزهار، عضو المكتب السياسي لحركة حماس كلمة يوم الجمعة الماضي الموافق 12 ايلول «احتفاء بالنصر» على اسرائيل. حملت كلمة الرجل الكثير من الابعاد الخطيرة، التي تكشف اهداف ومرامي سياسات حركتهعلى الشرعية الوطنية ومصالح الشعب العليا. وتفرض على المرء تسليط الضوء عليها، وفضح مآربها وخلفياتها، ووضع النقاط على الحروف.
ورغم الحرص على الاستجابة لنداء كل الاصوات الوطنية المخلصة، الداعية لضبط ايقاع الخطاب الاعلامي، وعدم الانجرار لعملية التوتير، وتصويب الاتجاه نحو المصالحة والوحدة الوحدة لتعزيزها وتعميقها وقطع الطريق على كل اعدائها ورافضيها، غير ان الضرورة تؤكد على مكاشفة الشعب وقواه الحية بكل ما يجري، حتى لا يبقى السير نحو المصالحة كما الزوج المخدوع، الذي يعتقد ان زوجته «وفية» و«مخلصة» له، وهي تمارس الموبقات مع الآخرين.
تحدث الزهار في اكثر من نقطة، منها، اولا: محرضا على الرئيس ابو مازن، معتبرا اياه «لايمثل» الشرعية؛ ثانيا: لوّح مهددا بايجاد بدائل للشرعيات الوطنية المنظمة والرئاسة والحكومة على حد سواء؛ ثالثا: مؤكدا على مواصلة خيار الانقلاب والامارة على عموم الوطن الفلسطيني؛ رابعا: اعتبر سلاح «المقاومة» فوق اي سلاح وقانون؛ خامسا: ادعاء التنازل «الطوعي» عن حكومة الانقلاب لصالح المصالحة... الخ
كل نقطة مما ورد اعلاه تحتاج الى نقاش وتفنيد من جهة، وابراز الحقيقة من جهة أخرى. ولو بدأ المرء من آخر نقطة، فان حركة حماس لم توقع على ورقة المصالحة المصرية مايو 2011، وبروتوكول تنفيذ الاتفاق في 23 ابريل الماضي الآ لاعتبارات وحسابات خاصة، ونتاج افلاس سياسة الانقلاب، وبفعل تعاظم الازمات الخانقة بعد ثورة الـ30 من يونيو 2013 المصرية، التي اغلقت كل الابواب امام جماعة الاخوان المسلمين وفرعها في فلسطين. وبالتالي لم يكن قبول حركة حماس بالمصالحة، قبولا طوعيا، بل نتيجة انسداد الافق والابواب والنوافذ امام خيار الامارة الاخوانية.
نعم الانتخابات التشريعية أعطت حركة حماس اغلبية في المجلس التشريعي عام 2006، ومنحتها انتخابات البلدية 2005 تبوأ مركز القرار فيها، ولكن الدكتور الزهار نسي او تناسى ان الشعب في محافظات الجنوب (قطاع غزة) خرج في الـ 12 من نوفمبر 2007 بعد الانقلاب بخمسة أشهر رافضا كل ما تمثله حركة الاخوان المسلمين في فلسطين في البلديات وادارة القطاع عموما، وعادت الجماهير في الرابع من يناير 2013 في الذكرى الـ 48 للثورة الفلسطينية المعاصرة بمليونية حقيقية رافضة حماس وما تمثل، والان اذا شاء الزهار استطلاع الرأي في اوساط الشعب في محافظات الجنوب، سيجد ان رصيده ورصيد حركته لا يمثل اي شرعية لا في البلديات ولا في المجلس التشريعي ولا في المؤسسات الحكومية.
اما «شرعية سلاح المقاومة» لا يكون باستباحة قرار السلم والحرب، بل بمقدار ما يكون هذا السلاح ملتزما ومنسجما مع الاهداف والتوجهات الوطنية. واذا افترض عضو المكتب السياسي لحماس، ان الصواريخ، التي اطلقتها حركته تمنحها اخذ القانون باليد، يكون مخطئا وغائبا عن الوعي. لان قيمة اي سلاح بمدى تعبيره عن مصالح الشعب، وسلاح حركة حماس، على ما يمكن الافتراض انه ساهم مع اسلحة واذرع المقاومة بالرد على اسرائيل خلال حربها الوحشية طيلة الواحد والخمسين يوما، الآ ان شرعيته تستمد من الشعب وقرارات وتوجهات الممثل الشرعي والوحيد للشعب منظمة التحرير، ومن برنامج الاجماع الوطني. لا من سياسة الاستفراد بالقرار، وفرض خيار وحسابات الحركة على حساب الشعب وقضيته الانسانية.