إعادة بناء بعد الدمار

هآرتس – أسرة التحرير:4/8

مدى حكمة القرار الاسرائيلي التغيب عن المحادثات الجارية مع الوفد الفلسطيني في مصر، لا يزال بحاجة الى برهان. ظاهرا، جاء هذا القرار لاظهار استقلالية اسرائيل في كل ما يتعلق بالتسويات المتوقعة مع حماس، في نفس الوقت الاعراب عن عدم الثقة التي تكنها للمنظمة بعد الانتهاكات المتكررة لحالات وقف النار من جانبها.

ولكن هذا التغيب من شأنه أن يتبين كسهم مرتد. فاسرائيل لا يمكنها أن تتجاهل التوافقات التي تتحقق بين مصر والوفد الفلسطيني (بحضور الوفد الامريكي)، بدعوى أنها لم تحضر المفاوضات وبالتالي فانها ليست ملتزمة بنتائجها.

  اذا ما نجحت المفاوضات في القاهرة، فانها سترسم خطوط الواقع، وان كان مؤقتا، والذي سيتعين على اسرائيل أن تواجهه في السنوات القريبة القادمة. وعليه فسيكون من الخطأ من جانبها الامتناع عن المشاركة في المباحثات التي تعنى بمسائل حيوية لامنها.

إن ما تنطوي عليه هذه المفاوضات من جديد هو أن حماس والجهاد الاسلامي تعترفان لاول مرة بصلاحية م.ت.ف ومسؤولي السلطة الفلسطينية لتمثيلهم في مفاوضات سياسية. اذا كانت اسرائيل تتطلع الى تعظيم قوة ومكانة الرئيس الفلسطيني محمود عباس ولترى فيه شريكا، بل ومسؤولا، في تطبيق تسويات وقف النار – فيجدر أن تظهر ذلك بواقع حضورها في المحادثات.

لا ترمي المحادثات في القاهرة الى بدء مسيرة سياسية شاملة بين اسرائيل والفلسطينيين. فهدفها تحقيق وقف نار في شروط تمنع بقدر الامكانية اندلاع مواجهة جديدة في غضون وقت قصير. على هذه الشروط ان تتضمن تطبيق تصريح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في ان ليس لاسرائيل حرب مع مواطني غزة بل فقط مع حماس وباقي الفصائل المسلحة.

بعد المعركة التي أضرت بمئات المنازل، دمرت البنى التحتية وتسببت بقتل أكثر من 1.700 شخص، لا يمكن لاسرائيل أن تقنع سكان غزة بان ليس لها حرب معهم. يمكنها، بل ويتعين عليها، ان تساعد قدر امكانها في اعادة بناء الخرائب واعادة الحياة في القطاع الى مسارها. لا كاستعراض دعائي بل لاسباب اخلاقية وقيمية.

هذه المساعدة، مع اتفاق أو بدونه، يجب أن تتضمن رفع الحصار، السماح لدخول وفود طبية ومنظمات اغاثة الى القطاع، تسويات مع السلطة الفلسطينية تتعلق بادخال مواد البناء تحت الرقابة الى اراضي القطاع والمساعدة في اعادة بناء شبكات الكهرباء، المياه والمستشفيات.

الاستراتيجية القديمة التي من خلالها سعت اسرائيل الى إثارة "حسد" سكان غزة لسكان الضفة الغربية، الذين يتمتعون بـ "الازدهار" أثبتت عدم صلتها. ينبغي استبدالها الان باستراتيجية اكثر واقعية – استراتيجية تميز على نحو ظاهر للعيان بين مكافحة الارهاب وبين سلامة السكان الفلسطينيين.

 

 

انسحاب الى لا مكان

يديعوت – شمعون شيفر:4/8

 (المضمون: يعد نتنياهو بأن يجد حلا لقضية الانفاق دون أن تصدر عنه كلمة واحدة عن حل آخر وتسوية تضمن حياة الشعبين عن جانبي الحدود).

في واحدة من جلسات الحكومة النادرة عقدها نتنياهو في ايام الحرب، في يوم الخميس الاخير، انتقد انتقادا قاتلا الوزراء الذين تجرأوا على انتقاد سير الحرب. ولتعزيز دعواه اقتبس من كلام كتبه أخوه المرحوم يوني وانتقل بعد ذلك، ولم يكن ذلك لاول مرة، الى مدح زوجته سارة وابنيه اللذين جُندا من اجل المجموع حينما زاروا جرحى وجمعوا طعاما للمستشفيات. إنها عائلة يُقتدى بها.

وتحرك الوزراء في مقاعدهم، وثبت فريق منهم رؤوسهم في ارض الدهشة. وقال أحدهم بعد ذلك في اشمئزاز: "أصبحت هذه الحرب أمرا عائليا".

اختار نتنياهو في نهاية الاسبوع الانسحاب من قطاع غزة دون تسوية ودون حسم. واختار الاستمرار على استنزاف الاسرائيليين بحرب استنزاف ليس لها أجل مسمى. بصورة قاطعة. إن "البالغ السن المسؤول"، و"الملك بيبي" والذي كتب لنفسه شهادات تقدير في ايام المعركة في غزة بصفته "يعمل في تقدير للامور وحكمة" – يتبين لمزيد الأسى والخوف، أنه شخص ضعيف يختار الأهداف للجيش الاسرائيلي بحسب تصورات يصعب حتى على من يريد الخير له أن يفهمها من "الهدوء سيُرد عليه بالهدوء" الى "اسقاط الأنفاق". فماذا عن القذائف الصاروخية؟.

تسعى حماس والجهاد الاسلامي، وهما منظمتا ارهاب قاتلتان دون وهم الى الغاية التي نصبتاها لأنفسهما وهي رفع الحصار عن غزة وفتح المعابر الحدودية للغزيين. وهما لا تنويان ألبتة وقف اطلاق القذائف الصاروخية الى أن يتم احراز هذه الغاية. أما نتنياهو في مقابلهما فبنى برجا ورقيا لأهداف تنتقض أمام أعيننا حتى دون مساعدة وسائل سلاح الهندسة الثقيلة.

يقوى في الجهاز السياسي انتقاد قادة الجيش – ونؤكد قادة الجيش لا مقاتليه الشجعان في كل الرتب حتى العقداء. وسيُطلب الى نتنياهو ويعلون وغانتس والجماعة التي أورثتنا في بداية العملية التصور القتالي التدريجي – استعمال القوة على مراحل بالتدريج – سيُطلب إليهم أن يعطونا تفسيرات في ضوء الحقيقة المؤسفة وهي أن طريقة التدريج لم تؤثر في حماس.

أُسمع في الخطاب العام في ايام الحرب غير قليل من التوجيهات الكاذبة واليكم ثلاثة منها:

"ماذا تريدون، أَحتلال غزة؟" والجواب لا. فلا يقترح أي أحد ذي عقل احتلال غزة. ويرى الاقتراح الذي يعتمد على منطق عسكري أن تُقهر حماس ولا سيما إرادتها القتالية.

"نزع سلاح القطاع وتعميره". هذا الشيء ممكن فقط اذا هُزمت حماس. فلا نزع للسلاح اذا بقيت حماس تحكم القطاع.

"في الوقت الذي تقف فيه قيادة حماس على مقادير الدمار الذي أحدثه الجيش الاسرائيلي في المعركة الحالية ستتجه مستجدية الى تهدئة طويلة". هُراء. ففي اللحظة التي يتلقى فيها المجتمع الدولي الصور سيوجه كل النقد والتحريض علينا، وسنقف أمام لجان تحقيق دولية، ولن يستطيع العسكريون بعد ذلك أن يهبطوا في أي مكان خشية أن يُعتقلوا.

وعد نتنياهو أمس بأن يجد حلا لقضية الانفاق. وقد نسب الى نفسه وحده السياج الحدودي على طول حدود مصر وسياجا آخر مخططا له على طول نهر الاردن.

تخيلوا دولة مُسورة من فوق الارض وتحتها تحميها منظومات صواريخ. ولا توجد أية كلمة من نتنياهو عن حل آخر – أعني تسوية تضمن الحياة عن جانبي الحدود.

أورثنا نتنياهو الآن خيبة أمل يصاحبها غضب بسبب الثمن الذي دفعناه من حياة الانسان والجرحى. إن 28 يوما دون حسم ليست شيئا يستحق الفخر به. قد يستطيع نتنياهو أن يعزي نفسه بجملة تُنسب الى هنري كيسنجر الذي قال إن الحكومات تفعل الشيء الصحيح فقط بعد أن تستنفد كل الامكانات الاخرى. وإننا ننتظر.