يتصدى الشعب الفلسطيني اليوم بكافة أطيافه للعدوان الصهيوني المتصاعد على شعبنا في الضفة وغزة وفي مناطق فلسطين الداخل، هذا العدوان الذي بدأ باستغلال النظام الإسرائيلي لحادثة اختفاء ثم مقتل المستوطنين الثلاثة فقامت الحكومة الإسرائيلية بشن حملة استعداء وتحريض عنصري وتصعيد وشحن فكراني-ديني داخلي وخارجي لمصالح انتخابية من جهة، ولهدف تحقيق سراطية (=استراتيجية) نتنياهو في إحكام السيطرة على الضفة للأبد، والمشاركة مع العرب في صنع مصير المنطقة العربية المضطربة، وليحقق حلمه بتدمير حل الدولتين ودق إسفين في المصالحة الوطنية الفلسطينية .
هذه الحملة الإعلامية والتعبوية التحريضية الاسرائيلية التي رافقت العدوان العسكري في مختلف أرجاء الضفة (التي يسمونها كذبا على التاريخ يهودا والسامرة فلم تكن قط هنا لا هذه ولا تلك) قد أعطت ثمارها لدى اليمين الاسرائيلي المتطرف الذي عمد لأخذ القانون بيده بحراسة الجندي الاسرائيلي وفق ما يسميه بالثأر لمقتل المستوطنين الثلاثة عبر عشرات الاعتداءات ومحاولات الخطف والقتل.
ولكن ثمار التحريض الصهيوني لربما تجاوزت ما أراده نتياهو بدقه، إثر قتل وحرق الشهيد محمد أبو خضير بطريقة همجية ونازية، الذي غطت قضيته على مرامي نتياهو، الذي اقتنص الفرصة-فرصة اختفاء ثم مقتل مستوطنيه الثلاثة- ليشن هجومه على السلطة والشعب والعالم المتضامن مع فلسطين، في محاولة فاشلة لفك عزلته العالمية.
لقد فجر استشهاد محمد حسين أبو خضير الفتى اليافع وبطريقة وحشية معاني مظلومية ارتبطت (بالحرق) الذي يتغنى به الاسرائيليون سنويا فيما يسمونه المحرقة أو "الهولوكوست" التي طالت يهود أوربا-وهم غالبية سكان (إسرائيل) اليوم مع الروس- بيد النازي الأكبر، وهاهم يمارسون ذات الفعلة كما مارسوا وارتكبوا عشرات المذابح والمحارق بحق شعبنا في فلسطين منذ النكبة وحتى الآن ، لترتد الحملة التحريضية إلى نحر نتياهو ويتكشف مجددا مظلومية الشعب الفلسطيني، لا بكائية نتياهو وما يعتقد أنه (شعبه) اليهودي الذي تم اختراعه منذ قرن من الزمن فقط.
لقد مثل استشهاد الفتى الجميل، عملية إحراق لصورة "البريء" واللطيف والإنساني التي حاول نتياهو أن يبدو بها ، فأشعل ثوار الضفة الغربية انتفاضة واشتباكا سلميا ضد العدوان الصهيوني وضد القتل وضد استمرار الاحتلال وضد تغول المستوطنين ورجسهم.
نتنياهو "البريء" هو الذي يرسل طائراته "البريئة" لقتل الوحوش الفلسطينية من النساء والأطفال مصداقا لما قاله شارون ونفذه شخصيا (.إننى اقسم بان احرق كل طفل فلسطينى سوف يولد فى هذه المنطقة . المرأة الفلسطينية والطفل الفلسطينى أكثر خطورة من الرجل لأن وجود الطفل الفلسطينى يدل على أن هناك أجيال ستستمر)، ومصداقا لما كان هرتزل قد أشار له بكلمات (لاسامية) إذ نطق (اننا نريد أن نطهّر بلدا من الوحوش الضارية)، وإن "شعب" "إسرائيل" الذي لم يراه بن غوريون الا تجمعا للمحاربين يتفق مع تنظيرات أبو الصهيونية المنشقة جابوتنسكي الذي قال بملء شدقيه ما نفذ بالطبع عبر عشرات المجازر. (تستطيع أن تلغى كل شئ ، القبعات ، والأحزمة والألوان ، والإفراط فى الشرب ، والأغانى . أما السيف فلا يمكن إلغاؤه . عليكم أن تحتفظوا بالسيف لأن الاقتتال بالسيف ليس أفكارا ألمانية بل إنه ملك لأجدادنا الأوائل . إن التوراة والسيف أنزلا علينا من السماء . )
وما التصعيد اللاحق باتجاه قطاع غزة على خلفية تهمة قتل المستوطنين أو إطلاق الصواريخ البدائية الصنع أو غير بدائية الصنع، إلا استكمالا لإستراتيجية نتياهو التي لم تكن لتحتاج أي مبرر لتطبيقها بالأصل .
لقد وضع نتياهو استراتيجية في مؤتمر (الخيارات الاسرائيلية في ظل انسداد الطريق للتسوية النهائية) منذ أيام في خطوط يجابه بها تحديات أربعة: عبر بناء جدار أمني طويل على أراضينا بالطبع مع الأردن ، والسيطرة على مناطق الغور الفلسطيني الغنية زراعيا كليا وبالتالي تثبيت المستوطنات والقواعد العسكرية في الضفة إلى الأبد، وتأمين حرية الحركة الأمنية الإسرائيلية بلا أي عائق، ومنع تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، وثالثا العبث في المنطقة العربية تحت دعاوى التصدي "للإسلام الجهادي" مع الدول العربية، ورابعا منع ايران ان تتحول لدولة نووية.
ولا نشك للحظة أن العدوان على غزة يخرج عن هذه الاستراتيجية، خاصة في شقها الذي انزعج فيه الاسرائييون من تحقيق المصالحة الفلسطينية، ومن اقتراب الرئيس أبو مازن من "حماس"، إذ يقول (د.رون برايمن) في صحيفة (إسرائيل اليوم) المقربة من (نتياهو) قبل يوم أو يومين من العدوان على غزة: (إذا ما بقيت "إسرائيل" تعامل محمود عباس وأتباعه على أنهم شركاء أخيار، وأنه يمكن أن يسلموا قلب (ارض إسرائيل) فإنها قد تدفع الى حرب غير أخلاقية ، وهي المخاطرة بحياة جنود الجيش الاسرائيلي في حرب لا هوادة فيها ضد حماس).
إذن هو يبشر، أو يهدد مسبقا بحرب ضد غزة مساويا بين النضال المقاوم ميدانيا وبين النضال السياسي، ومعتبرا -كما هو حال نتنياهو واليمين- أن السياسي الفلسطيني في خدمة البندقية (ما يسميه الإرهاب) لذا وجب تفتيت الصف وكسر حلقة التعاضد الفلسطيني.
إن الشعب الفلسطيني الذي يثور وينتفض على الظلم والعدوان وتواصل الاحتلال وضيق الأمل واستمرار الهيمنة الصهيونية فكرانيا (أيديولوجيا) وسياسيا وامنيا واقتصاديا، وفي احتلال الجيش الإسرائيلي المتواصل لأرضنا، هذا الشعب في الضفة الثائرة وغزة الصامدة هو الشعب الذي بنى مجد فلسطين بالدم والدموع وزُمَر الشهداء والأسرى والمعتقلين والفدائيين، لا يتخلى مطلقا عن أهدافه بالتحرر والعودة لوطنه، كما لن يتخلى عن هدف طرد المحتل من أراضيه.
الشعب الفلسطيني هو الشعب الذي فجّر الثورات المتتابعة والانتفاضات بلا كلل أو انتكاس أو فرار، ومارس كافة أشكال المقاومة العنفية العسكرية المشروعة، والسلمية ليقول أنا هنا وهذه أرضي، وفيها ولدت وسأموت، ولك أيها الغريب أن تسمع أم في أذنيك وقرا وعلى قلبك الأكنّة؟! ولك أن تعتبر وترتدع، أو تنصت لهرتزل وشارون وجابوتنسكي ونتنياهو، أو ترحل.
إن المقاومة الفلسطينية بشكلها المدني الميداني الجماهيري، حيث الأيدي المفتوحة والصدور العارية تواجه المدافع والبنادق والحقد أثبتت أن بإمكانها كشف زيف الوجوه وإزالة الأقنعة عن عقلية "المحارق" وأدوات القتل والحرق التي ارتبطت بفكر هرتزل وشارون وصولا الى نتنياهو الذي يدعي البراءة ويحرق الأطفال، فأحرقت هبة شعبنا مخططاته وسعيه للتمدد في المنطقة.
مهما طال الزمن نحن والعودة مقترنان، فيا رياح الثورة نسّمي، ويا ملائكة بدر أقبلي، ويا شآبيب السلام رفرفي على أرض وسماء فلسطين و فوق رؤوس هذا الشعب العظيم برجاله ونسائه وأطفاله في الوطن والخارج، وانزلي بردا وسلاما على قلب شعبنا الذي كل بغيته أن يعيش في وطنه الأزلي حرا كريما سعيدا كباقي شعوب العالم، ولا محالة فإن هدفه هذا محقق، والله ناصرنا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها