منذ شهور، بل منذ أكثر من سنة تقريباً، وإسرائيل في ظل حكومة نتنياهو تقترب خطوة وراء الأخرى لتنفيذ هذه الحملة العسكرية الأمنية المتواصلة في أسبوعها الرابع، فكيف نقرأ هذه الحملة، وكيف نتمكن من تفكيك دوافعها وحوافزها.
حكومة نتنياهو استغلت أبشع استغلال الوضع القائم في المنطقة منذ مطلع العام 2011، وهي أحداث تتوسع رقعتها، وتتضاعف خسائرها، ويتراكم حجم الارتباك العربي إلى حد أن الفعل العربي على المستوى الاستراتيجي أصبح غائباً تقريباً باستثناء تماسك الدولة المصرية وخاصة بعد ثورة الثلاثين من يونيو 2013 الذي أدى إلى عبور ناجح في خارطة الطريق المصرية التي يتمحور حولها الوضع العربي كله، ولكن هذا لا يعني أن مصر قد وصلت إلى بر الأمان النهائي، فمازالت جماعة الأخوان في مصر وتحالفها الضعيف المهزوم يقدم غطاء ملائماً لمخططات التنظيم الدولي بتجلياته المتعددة، وخاصة لجهة التمويل الكبير لاستمرار الإرهاب داخل مصر، وضد مؤسسة الجيش ومؤسسات الأمن المصري، سواء بتجنيد أعداد لا بأس بها من الشباب المصريين أو تغذية أذرع الإرهاب بتسمياتها المتنوعة مثل أنصار بيت المقدس، وأجناد مصر وبقية المجموعات الإرهابية التي آتخذت من سيناء عنواناً رئيسياً ولكنها استطاعت أن تنشئ خلاياها داخل مصر نفسها.
وهذا التنظيم الدولي للإخوان المسلمين له حلقات واسعة يتحرك من خلالها في دول عديدة في المنطقة وفي العالم، وفي فضاء إعلامي واسع، وقد عمل هذا الإعلام بنجاح كبير حتى الآن على ارباك الوضع العربي ليس فقط من خلال العمليات الإرهابية فقط وإنما على صعيد المفاهيم المتداولة حيث يجري الحديث بسطحية متناهية عن معارضة معتدلة وأخرى غير معتدلة، فمن هو المعتدل وغير المعتدل في أولئك الذين يحملون السلاح ويذبحون شعوبهم ويهددون وحدة بلادهم، ويجعلون القرار العربي والثقل العربي مؤجلاً إلى أجل غير مسمى.
ويتوازى مع هذا الوضع العربي موقف دولي شديد التعقيد، وشديد الالتباس أيضاً، تسوده حالة غير مسبوقة من ازدواجية المعايير، وينطوي على قدر هائل من الخلافات حول إرادة الصراع القائم في المنطقة وفي بؤر أخرى في العالم، فهناك خلافات الإتحاد الأوروبي، والمفاوضات مع إيران، والوضع في أوكرانيا، والوضع في العراق......إلخ
وبالنسبة لإسرائيل، فهذا هو الوضع الأمثل، ولذلك فإن حكومة نتنياهو عملت بكل ما في وسعها لاستغلال حالة الغياب العربي واستغلال حالة الخلاف الدولي، للإطباق على الحالة الفلسطينية، وتجريدها من المكاسب التي تحصل عليها، ولإبقائها في نقطة الصفر، وقد مارست إسرائيل هذه اللعبة من خلال تصعيد التطرف لدى شعبها ونخبها السياسية، ومن خلال اعطاء الاستيطان الإسرائيلي مساحة فعل أوسع في الحياة السياسية اليومية في إسرائيل، ليس فقط بمزيد من تكريس الاستيطان في مواقع القرار العليا مثل الوزراء من المستوطنين في حكومة نتنياهو، بل من خلال إدارة الوضع الداخلي الإسرائيلي ضد الفلسطينيين كما لو أن هناك دولتان إسرائيليتان واحدة هي إسرائيل التي يعرفها الجميع والأخرى هي دولة المستوطنين الذين لا تنطبق عليهم القوانين التي تتظاهر بها إسرائيل أمام العالم.
و في السنة الأخيرة تضاعفت الأمثلة العملية على هذه الحالة الشاذة، فقد أصبح استفزاز المستوطنين عملاً يومياً سواء في باحة المسجد الأقصى، أو في الشوارع الغربية من المستوطنات، أو في الهجمات اليومية التي يشنها المتوطنون ولا تجد أي نوع من الردع القانوني من قبل أجهزة الدولة الإسرائيلية، وقدرة هؤلاء المستوطنين وأنصارهم على تشريع الإرهاب الذي يمارسونه بقوانين تصدر عن الكنيست، بل وصل الأمر إلى خلق أجواء من التهديد والإرهاب داخل إسرائيل نفسها ضد كل صوت يرتفع لانتقاد تجاوزات المستوطنين وغض النظر الواضح عنها.
هذا التراكم من الانفلات في السلوك الإرهابي، وتشجيع المستوطنين على فعل ما يريدون، والدفاع عنهم حين تكون أخطائهم صادمة، تماماً مثلما جرى مع جماعات تدفيع الثمن بمسلسل جرائم الإرهاب التي ارتكبوها والقول أنهم ليسوا سوى شباب يبحثون عن الشهرة ليس إلا.
ومعروف أن كل تراكم من الأفعال والسلوكيات الشائنة سيؤدي إلى انفجار واسع، ألم يكن نتنياهو وكل أجهزته يعلمون أن رحلات الذئاب التي يقوم بها المستوطنون ضد الفلسطينيين يمكن أن يؤدي إلى فعل دموي؟ لماذا لم يحدث أي نوع من التدخل لمنع ذلك؟ ألا تتوقع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن هذه الجولات الاستفزازية التي يقوم بها أشخاص مثل الحاخام "جليك" يمكن أن تؤدي ولو عن طريق الصدفة المحضة أو ردة الفعل اللحظية إلى نتائج رهيبة؟ فلماذا لا يتم أي نوع من التدخل؟ ألا يدرك أصحاب القرار في إسرائيل أن جو العدوان والإيذاء المتعمد والإذلال المقصود للفلسطينيين في قطاع غزة والضفة والقدس والنقب والخليل والمثلث، تضاعف من حجم الفرص لردود أفعال مأساوية، فأين الدولة الإسرائيلية من كل ذلك. والجواب عن كل ذلك، أن أبسط التقديرات الإسرائيلية قادرة على أن تصل إلى الاستنتاج الصحيح، وعدم القيام بأي شيء لامتصاص الاحتقان هو أمر متعمد، وهو رهان على الوضع العربي والدولي الطارئ حالياً، وهو محاولة لقفزة جديدة نحو الأخطر، وخاصة حين لا يكون هناك مفاوضات، ولا علاقاتى بالحد الأدنى، ولا تنسيق جدي، وحين يكون اللعب الإسرائيلي على المكشوف على وتر الخلافات الفلسطينية، وإرباك عناصر الحياة اليومية الفلسطينية، ومحاولة خنق الفلسطينيين إلى أقصى درجة.
الحملة الإسرائيلية المستمرة، والتي كان يجري التهيئة لها من خلال إفشال المفاوضات، وترك الحبل على الغارب لقطعان المستوطنين، والمبالغة في إصدار القوانين الشاذة، والتحريض الرسمي الإسرائيلي اليومي، أنتج لنا في بدايته عملية إرهابية شاذة، وهي اختطاف الفتى محمد أبو خضير في شعفاط في القدس واحراقه حيا ثم المماطلة في تسليمها لأهله، أليس هذا تمهيداً لما هو أخطر من ذلك بكثير.
يجب أن نبذل أقصى جهد ممكن لتفكيك هذه الحملة الإسرائيلية القائمة، نحتاج إلى قمة العقل، وذروة الاتصالات الجادة، وتوسيع رقعة الوعي، أقله انتظاراً لعودة الحالة العربية إلى الحد الأدنى من القدرة على الفعل والحضور.
نظرة أعمق إلى الحملة الإسرائيلية/ بقلم يحيى رباح
05-07-2014
مشاهدة: 692
يحيى رباح
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها