تحقيق:وسام خليفة

في خضم ما يجري في العالم من أحداث وقضايا حسّاسة، طالعنا فجأةً، ومن حيث لا ندري، خبر اختفاء ثلاثة مستوطنين من الأراضي "ج" الواقعة قرب الخليل جنوبي الضفة الغربية، وهي منطقة تقع تحت السيطرة المباشرة لقوى الأمن الخاصة بالكيان الصهيوني. وما إن كاد الخبر ينتشر، حتى انتشرت سلسلة من التكهنات حول ماهية المسألة، الأمر الذي أعقبَه شروع قوات الاحتلال الإسرائيلي بعدوان على شعبنا الفلسطيني مستغلة ما أسمته بحادثة "الاختطاف". وفي ظل هذا الوضع الراهن كان لمجلة "القدس" استطلاع لآراء وقراءات بعض الشخصيات والمحللين السياسيين حول أبعاد هذه المسألة، وتأثيرها على المصالحة ووضع السلطة الفلسطينية.

 

قراءة في حيثيات اختفاء المستوطنين الثلاثة وأبعادها

يرى المتحدث باسم حركة "فتح" أحمد عساف أن حيثيات اختفاء المستوطنين الثلاثة لم تُعرَف بعد، ويوضح "جُلُّ ما نعرفه هو الرواية الإسرائيلية التي قالت أن هناك ثلاثة مستوطنين مختطَفين، ولا زالت الأمور غير مُتّضحة حتى الآن. ولكن الواضح والمؤكَّد هو أن اسرائيل استغلّت اختفاء المستوطنين لتنفيذ مخطط هدفه تصفية القضية الفلسطينية، والخروج من أزمة العُزلة والمقاطعة العالمية التي ألَفت نفسها فيها بسبب سياساتها الاستيطانية وطريقة تعاملها مع المفاوضات وتصفية القضية الفلسطينية بإفشال المصالحة، والاستمرار في عزل القدس، واستمرار التوسع على حساب الأراضي الدولة الفلسطينية".

من جهته، يقول الباحث والمحلّل السياسي عبد المجيد سويلم: "لا أرجّح أن تكون إسرائيل قد اخترعت هكذا موضوع من لا شيء، وأغلب الظن أن عمليه الاختطاف قد تمّت، ولكن من غير المؤكّد أنها ذات خلفية سياسية، وحتى وإن كانت ذات خلفية سياسية فلا أعتقد أن من يقف وراءها ستكون جهة رسمية. فحركة حماس على سبيل المثال لا مصلحة لها بتنفيذ عملية الاختطاف، لأنها تعي تبعات هذا الأمر، خصوصًا أنها وافقت على المصالحة لتكون جزءًا من اللعبة الإقليمية والسياسية في العباءة الوطنية الفلسطينية، وذلك بعد أن فقدت ظهيرها الإقليمي، أي مصر، وأصبحت بالتالي محاصرة على المستوى الإقليمي والدولي، مما يعني أن تنفيذ هكذا عملية يضعها في مواجهة الإسرائيليين، وربما حتى في مواجهة السُلطة والشعب الفلسطيني، وهي مسألة لا يجوز ان تتصرّف إزاءها حماس بهذه الطريقة وهذه الرعونة. ومن هنا أنا لا أعتقد أن حركة حماس من الناحية الرسمية تقف خلف هذا الموضوع، ولكن من الممكن أن تكون بعض الأجنحة في حماس هي التي قامت بهذه العملية لعدم موافقتها على المصالحة ولرغبتها في قلب الطاولة وتغيير المعادلة، أو قد تكون مدفوعة بأجندات إقليمية مختلفة. ومن المحتمل كذلك أن تكون الجهة المسؤولة مجموعات متطرّفة تعمَل لحساب الخارج، أو تسعى بهذه العملية لبيع المختطفين كما حصل مع شاليط، حيثُ أن حماس آنذاك لم تخطف شاليط، بل اشترته. وحتى وان لم تكن الجهة الخاطفة مرتبطة بحماس، فاعتقِد بأنها ستسعى للدخول لاحقًا في مساومات معينة مع حماس، لأن الأخيرة قد تكون مؤهّلة اكثر من اي تنظيم اخر لإخفاء المختَطَفين، بينما يصعب على جهات اخرى القيام بهذه العملية.

لذلك فمن الممكن أن تتداخل عشرات الخطوط هنا، لا سيما في خضم الالتباس الحاصل في موضوع الإعلان وعدم الإعلان والتبعات التي يمكن أن تترتب على أي جهة تعلن مسؤوليتها عن العملية، مع العلم أن ما يظهر من سلوك اسرائيلي ليس مرتبطا بالاختطاف، بل إن الحملة الإسرائيلية الحالية هي أبعد بكثير من حملة رد فعل".

 

تأثير اختفاء المستوطنين على المصالحة ووضع السلطة

تعليقًا على ما قد ينجم من تأثيرات وتبعات لعملية الاختطاف، استهلَّ الامين العام لجبهة التحرير العربية ركاد سالم حديثه بالإشارة إلى ردة الفعل الإسرائيلية على الحادثة، حيثُ قال: "بعد اختفاء المستوطنين الثلاثة بدأت اسرائيل حملة شعواء ضد ابناء شعبنا باعتقالات كبيرة دون أن توضح اسباب أسرِهم، الأمر الذي يؤكّد أن اسرائيل استغلّت اختفاء الشبان الثلاثة للقيام بهذه الاجراءات التعسُّفية التي من شأنها خدمة المخطط الإسرائيلي الذي يستهدف الفلسطينيين في الضفة الغربية ويستهدف وجودهم، علمًا أن هناك معلومات من الداخل الاسرائيلي تُرجّح اختفاء الشبان لأسباب جُرمية. لذلك فسوء الأوضاع يستدعي الأطراف المتصالحة الى أن تكون على قدر المسؤولية في تحقيق الوحدة الوطنية، بعدما تحقّق انجاز حكومة الوحدة، وإلى أن تعمد للاستماع الى اللجان المختلفة التي شُكّلت بناء على اتفاق القاهرة لترجمة الوحدة على الارض وليس على مستوى الحكومة فحسب، ومن المفترَض ان تكون كل الاجراءات الإسرائيلية بحق شعبنا دافعًا لإتمام المصالحة وتوحيد الصفوف، خاصةً أن بعض الاطراف تقوم باستغلال ما تقوم به اسرائيل في حملتها على الضفة من اجل ضرب السُلطة ومؤسساتها، وهذا ما يريده الاحتلال تمامًا".

أمَّا النائب عن كتلة البديل في المجلس التشريعي ونائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية قيس ابو ليلى فيعلّق على ردة الفعل الإسرائيلية بالقول: "استغرِب عدم إعلان أي جهة مسؤوليتها عن عملية الاختطاف، ولكن من الطبيعي ان تستغل إسرائيل العملية من اجل ان تُغذي جهودها المتواصلة لتقويض حكومة الوحدة الوطنية، ومحاولة تغذية الفرقة بين افراد الشعب الواحد، وتصعيد الحملة لتمرير ما يسمى باجتثاث بُنية حماس التحتية، ولكن علينا كفلسطينيين ان نكون يقظين لهذه الخطة وان نُفشِل اهداف هذه الحملة".

وبدوره يقول سويلم: "لا شكَّ أن إسرائيل لم تكن لتغفل هكذا فرصة دون أن تستغلها، لمحاولة تقويض السلطة وإضعافها، وربما أيضًا الاطاحة بحكومة الوحدة الوطنية، وهذه ما نعتبرها أهدافًا مباشرة. أما الأهداف غير المباشرة، وهي الأهم والأخطر، فتكمن في أن إسرائيل تمهِّد الأرضية لإعادة الانتشار في الضفة الغربية، ولتقتطع، وتستولي على الجزء الأكبر من الأرض، وهذه الخطوة لا تهدف لضم مستوطنة هنا او مستوطنة هناك، وإنما للسيطرة على 55% من الضفة الغربية، وإبقاء التجمُّعات السكانية الفلسطينية بإطار مسيطَر عليه ومتحكَّم به. وبالطبع فإسرائيل لا تريد التوصُّل إلى حل، لأن ذلك سيُحتّم عليها أن تعترف بالحقوق الوطنية، حتى لو كانت مجزوءة، للشعب الفلسطيني، وهي التي لم تعترف بأي وثيقة حتى يومنا هذا تُفيد بأن للشعب الفلسطيني حقوقًا بهذه الأرض، لأن جوهر التفكير الإسرائيلي مبني على أن الشعب الفلسطيني ليس له حقوق وإنما احتياجات، لا وبل ضمن إطار الاحتياجات الدُنيا. وبالتالي فإنَّ الاعتراف بالحقوق الفلسطينية على ورق سينسف الرواية الإسرائيلية برمّتها، وسيؤكّد أن الكيان الإسرائيلي ما هو إلا جزء لا يتجزّأ من مشروع استعماري لا علاقة له بحقوق تاريخية ولا غير حقوق تاريخية.

وفي ظل تفوقها العسكري وقراءتها للواقع الدولي والعربي والفلسطيني والإقليمي، رأت إسرائيل أنها تمتلك من القوة ما يكفي لفرض شروطها او لتكريس امر واقع لا يمكن تجاوزه دون ان تضطر للجلوس أو التوافق معنا في إطار اتفاقية سياسية على حقوق وطنية للشعب الفلسطيني، ولهذا استثمرَت قضية الاختطاف من اجل تكريس الأمر الواقع في الضفة الغربية، وجوهره الاستيلاء على 55% من الأرض، يعني: قليل من السكان وكثير من الأرض، وهي نفس مقولة اسرائيل الأولى أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".

 

ما بين خيارات السلطة وفوضى الشارع

يؤكّد عساف أن "السلطة الفلسطينية مكوّن من مكونات الشعب الفلسطيني، ونتيجة من نتائج النضال الوطني"، لافتًا إلى أن وظيفة السلطة هي نقل الشعب من حالة الاحتلال الى الحرية، ومضيفًا "لن تنتهي مهمة السلطة الفلسطينية إلا بالحرية، والاستقلال، وعودة اللاجئين، وبالقدس عاصمة لفلسطين، وهذا الهدف قائم إلا اذا حاولَت اسرائيل هدم السلطة وبالتالي ستتحمل تبِعات القرار. ومن هنا علينا كفلسطينيين الرد بتوحيد وتنظيم صفوفنا لإفشال المخطط الإسرائيلي، والوقوف خلف الرئيس ابو مازن الذي يقف بوجه هذا المخطط الإسرائيلي، ولكن للأسف بعض الجهات قد تناست الحملة الاسرائيلية على الضفة، وانشغَلَت بالتخوين والمزايدة على الاجهزة الأمنية، وهذا أمرٌ مستنكَر تمامًا لأنه يُسهِم في نشر بذور الفتنة الداخلية خدمةً للاحتلال الاسرائيلي ومخططات نتنياهو لتصفية القضية الفلسطينية وتحويل للمعركة مع الاحتلال الاسرائيلي لمعركة داخلية تستنزف قوانا. وعلاوةً على هذا فإنَّ أبناء الأجهزة الأمنية هم ابناء شعبنا، وهم مناضلون وأسرى محررون، قدّموا آلاف الشهداء ولا يزال المئات منهم أسرى، وهم اليوم يعملون وبمسؤولية للمحافظة على الانجازات والمكتسبات الوطنية التي حقَّقناها والتي لا يوفِّر الاحتلال فرصة أو ذريعة لينال منها. لذا أدعو جماهير الشعب الفلسطيني وقواه السياسية الوطنية لأخذ الحيطة والحذر، وعدم الانجرار وراء الاشاعات المغرِضة التي تستهدف وحدة الشعب الفلسطيني ومستقبله على أرضه"، خاتمًا بالتأكيد على أن حركة "فتح" ستبقى قائدة وحامية المشروع الوطني، ولن تسمح للعابثين وأصحاب الاجندات المشبوهة بتنفيذ مخططاتهم التي تلتقي مع مخططات الاحتلال.

من جهته يرى قيس أبو ليلى أن خيارات السلطة تجاه الرد على العنف المتصاعد على الارض محدودة من الناحية الميدانية، ولكنه ينوّه لامتلاكها الكثير من الخطوات على الصعيد السياسي، ويردف "لقد اعلنت القيادة عن عزمها للتوجُّه لمجلس الأمن للمطالبة بموقف دولي يُدين هذه الحملة الصهيونية لحماية شعبنا منها، وهناك أيضًا خيارات أخرى، ومنها استكمال الانضمام لمؤسسات الأمم المتحدة ومواثيقها في مواجهة هذا الجنون الاسرائيلي المتمثّل بالقتل، والاعتقال، وتدمير المنازل، إلى اقتحام المؤسسات الأكاديمية والعبث بها، فكل هذه الممارسات هي انتهاكات للقانون الدولي ومواثيقه، وينبغي الرد عليها بتفعيل القانون الدولي بعد ان تم الاعتراف بفلسطين كدولة مراقب بالأمم المتحدة".

أمَّا سويلم، فعلَّق بالقول: "إن خيارات السلطة مفتوحة، والشعب الفلسطيني شعبٌ قوي ومتمرّس ويستطيع أن يقلب المعادلة ويقلب الطاولة على رأس اسرائيل لأن كل الاجراءات الإسرائيلية هي اجراءات نابعة من فهمهم لميزان القوى، ولكن الحق لا تقرره موازين القوى، فموازين القوى تخفي الحقوق ولكنها لا تغيرها ولا تغير من واقعها شيئًا، هذا اولاً. وثانيًا، فالشعب الفلسطيني يجب ان يخوض معركة حراك شعبي فلسطيني سلمي ديمقراطي منظَّم على أعلى المستويات لتوفير مقومات الصمود والوحدة، ولدعم التوجه الى الامم المتحدة وقلب الوضع الإقليمي لمصلحة الشعب الفلسطيني. وبالطبع فهذه مسألة قد تطول أو تقصر من الناحية الزمنية بحسب الظروف، ولكن الشعب الفلسطيني صاحب حق وإذا امتلك الارادة والإمكانيات من وجهة نظري، سيتم قلب هذه المعادلة على رأس الإسرائيليين، خاصةً ان ما تلجأ إليه إسرائيل من خطوات لا يدل سوى على أنها أصبحت دولة مهزومة ومفلسة من الخطط ومن الخيارات في محاولة لإخراج كل معادلات الحلول برفضها النقاش والتفاوض، وفرض الوقائع التي تراها مناسبة على الأرض، ولكنها حتى لو تمكَّنت من فرض بعض الوقائع من خلال ميزان الحكم العسكري إلا أن هذا لن يقدم أو يؤخّر شيئًا.