تحقيق: غادة اسعد
يواجه فلسطينيو الداخل شتى أنواع التمييز العنصرية من قِبَل "الدولة الإسرائيلية، ولا تشفع الهوية الإسرائيلية التي يُمنَحونها في وجه هذه الممارسات، التي لا تقف عند المؤسسات الإسرائيلية، أو ممثلي الكنيست والأحزاب الصهيونية، بل تمتد كذلك حتى الشارع الإسرائيلي، المعبّأ بالعنصرية والكراهية، حتى باتَ الفلسطيني في الداخل يُصنَّف درجة ثالثة أو أقل، رغم كونه "مواطنًا".فلسطينيو الداخل ضحية العنصرية الصهيونية
فلسطينيو الـ48 أو فلسطينيو الداخل هي مجرد تسميات للسكان الأصلانيين الذين بقوا فوق أرضهم التي احتُلَّت العام 1948. ويشكّل فلسطينيو الداخل البالغ عددهم مليونًا و400 ألف نسمة، أقل من 20% من سكان البلاد، ويقيمون في خمس مناطق رئيسة هي الجليل، والمثلث، والقدس، وشمالي النقب، والجولان.
غير أن فلسطينيي الداخل يعيشون منذ النكبة وحتى اليوم في صراعٍ على الحياة، بعد أن شُرِّد الأهل وسُرقت الأرض ونُهِبَت الخيرات، وأصبح أكثر من ثلثيهم يعيشون في عوزٍ واحتياج، مما اضطرهم إلى طرق باب اليهودي والعمل كأُجراء. ورغم تحسُّن أمورهم المادية، إلا أن حالهم أصعَب مِن أن يوصَف. فمن جهة، تمنحهم الدولة العبرية بعض الحقوق، لتظهَرَ كما تدعي طوال الوقت أنها دولة ديمقراطية، لكنها في المقابِل تُصادر وتقتطع الأراضي، وتُحاصر البلدات العربية، وتُساهِم في إفقار الأطفال والنساء مِن خلال عدم توفير فُرص عمل مُناسِبة، وفرضِ ضرائب باهظة، وذلك كله في ظل انعدام الأمان نتيجة عدم محاربة العُنف والقتل وانتشار السلاح في البلدات العربية، والتقصير البارز للمؤسسات الإسرائيلية التي يجب أن تضمن حياةً آمنة لمواطنيها، وكل ذلك يصبُّ في خانة عُنصرية الـمُحتَل وحصارِه لكل مَن هو غير يهودي
.
تصاعد وتيرة الاعتداءات والانتهاكات
يحفل سجل العنصرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين بالذكريات المؤلمة، ومنها حادثة أكتوبر العام 2000 التي مثَّلت جريمة عنصرية بامتياز أدت لمقتل ستةٍ من فلسطينيي الداخل.
ومنذ العام 2000، بدأت وتيرة هذه الاعتداءات تتسارع، فمنها ما كان فرديًا، ومنها ما كان لليمين الإسرائيلي اليهودي المتطرِّف تدخل فيها، حيثُ كان يدخُل بلدات عربية في الداخل ويعتدي على أناس، ويهدِّد بالتخريب، كما اعتادَ رجالُ الشرطة الإسرائيلية في الداخل الإسراع في الضغط على الزناد لمواجهة أي فلسطيني يُشتبه بأنه سيقوم بعملية "انتحارية"، أو أنه "يحاول التملُص مِن أوامر الشرطة، والهروب"، وقد سُجلت أكثر من حالة قتل في هذا الشأن، كان آخرها، عندما طاردت شرطة إسرائيل شابًا فلسطينيًا (من بلدة عرعرة) في المثلث، كان يقود دراجة نارية، لاشتباهها بعدم امتلاكه رخصة قيادة، الأمر الذي أدى لحدوث تصادم بينه وبين الشرطة، لتنتهي الحادثة بوفاة الشاب.
هذه النماذج السريعة وغيرها تُشير إلى الخوف والعنصرية المستشرية في قلوب الإسرائيليين، ومن بينهم عصابات "تدفيع الثمن" (تاج محير بالعبرية)، التي تستمدُّ قوتها ودعمها من القوانين العنصرية الإسرائيلية وآخرها ما صرح به رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، من منبر البرلمان الإسرائيلي حيثُ أكَّد أنه سيعمل على سن قانون يعتبر دولة إسرائيل دولة يهودية.
وفي إطار اعتداءات عصابة "تدفيع الثمن"، قام أفرادها بتخريب عدد من الممتلكات، وإحراق مساجد في قرية الفريديس، وأم الفحم، وباقة، والجش وأم القطف، إلى جانب تلويثهم جدران المساجد بشعارات عنصرية، موقّعة باسمهم، والاعتداء على كنيسة البصة، وتحطيم ضريح في قرية الرويس المهّجرة. كما وصلت رسالة تهديد شديدة اللهجة إلى المطران ماركوتسو في الناصرة، تمّ تسليمها باليد.
وفي حديث لـ"القدس"، أكّد المؤرِخ البروفيسور مصطفى كبها أنّ "ممارسات عصابة "تدفيع الثمن" وغيرها من الجماعات الإرهابية تهدف لترويع وحرمان العربي الفلسطيني من الشعور بالأمان، خاصةً أنّ المدن والقرى العربية ليس لها بوابات ولا جدران، بينما تُحاط القرى اليهودية، بالحواجز، التي تمنح ساكنيها الأمان عند الدخول أو الخروج. وهي خطة مُمنهجة لإشغال المواطنين العرب عن قضاياهم الأساسية وعلى رأسها المطالبة بالمساواة والعدل في توزيع الأرض والمسكن".
ويضيف ب. كبها "تقف الشرطة الإسرائيلية مكتوفة الأيدي في مواجهة هذه الظاهرة المتكرِّرة، بصورة دائمة، على الرغم من أن جهاز الأمن الإسرائيلي معروف بقوته وقدرته على السيطرة، علاوةً على أن كاميرات التصوير كانت منصوبة في بعض الأماكن التي تمّ الاعتداء عليها، ولو أنّ المعتدى عليهم كانوا يهودًا، لتمّ اعتقال المعتدين في غضون ساعاتٍ قليلة".
ولا يرى ب. كبها ضرورة للتصعيد والرد بالمثِل، طالما أنّ هذه الأعمال لم تُصِب أرواحًا بشرية، مشيرًا إلى أن هذه الأعمال تسيء لإسرائيل في العالم وتمس بعلاقتها مع دول الغرب، خاصةً أنّ بينها أعمالاً عدائية طالت أماكن مسيحية وليس فقط إسلامية.
استنكار..لا أكثر
حسب المعطيات الرسمية الإسرائيلية فإن الجماعات الإرهابية ارتكبت منذ عامين ونصف العالم أكثر من 600 عملية إرهابية دون ضبط الجناة وتقديمهم للمحاكمة.
ومن جهته استنكر البيت الأبيض تهاون الشرطة الإسرائيلية وعدم جديّتها في متابعة واعتقال عصابات تدفيع الثمن، حسبما جاء في التقرير السنوي للإدارة الأمريكية حول "الإرهاب" العالمي الذي شمل عمليات (تدفيع الثمن) ضد العرب الفلسطينيين وممتلكاتهم ومقدساتهم.
بدوره وصف رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتداءات هذه الجماعة بـ"المثيرة للاشمئزاز"، زاعمًا أن الحكومة الإسرائيلية تبذل قصارى الجهود لإلقاء القبض على من يقف وراء هذه العمليات. وأضاف نتنياهو، في تصريحٍ إذاعي أنه "تمّت زيادة الموارد المخصّصة للمواجهة، بما فيها الوسائل التي يستخدمها جهاز الأمن العام (الشاباك)، وبينها وسائل التنصُّت والمراقبة". أما تسيبي ليفني - وزيرة "العدل" الإسرائيلية - فأشارت إلى أنّ جرائم "تدفيع الثمن"، تُسبب أضرارًا داخلية وخارجية.
ويرى النائب في البرلمان الإسرائيلي عن الحزب الشيوعي محمد بركة "أنّ الجرائم التي ترتكبها عصابات "تدفيع الثمن"، هي نفسها الجرائم التي ترتكبها المؤسسة الإسرائيلية سياسيًا وتشريعيًا، بما في ذلك قوانينها العنصرية وقانون الدولة القومية، وأنّ حكومة نتنياهو هي حكومة مجرمين وعصابات وأنها لا تفعل أدنى حد من الدفاع عن المواطنين وأملاكهم ومقدساتهم، ما قد يُسفِر لاحقًا قيام المواطِن الفلسطيني تحديدًا بالدفاع عن مقدساته وأملاكه بيده".
التحذير من العنصرية المتفشية إسرائيليًا
من جهتها أدانت المؤسسة العربية لحقوق الإنسان في الناصرة، تصاعد الأعمال العنصرية والاعتداءات الإرهابية على الجماهير العربية، إضافة لرسائل التهديد التي وصلت رجال دين مسيحيين، مطالبةً إياهم بـ"ترك البلاد". وحمّلت المؤسسة الحكومة الإسرائيلية بكافة أذرعها المسؤولية الكاملة جرَّاء هذا التصعيد الخطير.
واستنكر النائب في الكنيست الإسرائيلي عن التجمع الوطني د. جمال زحالقة تقاعُسَ الشرطة الإسرائيلية عن حماية المواطنين العرب ومقدساتهم وممتلكاتهم، مؤكّدًا تواطؤها في إخفاء دلائل ومعلومات تشير إلى المستوطنين الجُناة.
وأضاف "إنّ هذه العمليات الإرهابية، التي لا تتم معالجتها ولا اعتقال منفذيها، هي مُساهَمة من الشرطة وأجهزة الأمن الإسرائيلية في إطلاق اليد ضد كل مَن هو عربي، وهو ما سيولِّد انتفاضة ستحرق الأخضر واليابس".
وأنهى زحالقة حديثه بالقول: "هذه العنصرية الإسرائيلية التي تبرز يومًا بعد يوم، لم تولد أصلاً، في مستنقعات الاستيطان واليمين الديني المتطرِّف فحسب، بل هي نتاج حتمي للكولونيالية، وهي بابٌ واسع للعنصرية، تسعى إسرائيل من خلاله إلى تهجير العرب، لكنّهم في هذه الدولة لا يعرفون أنّ الفلسطيني حفظ الدرس، ولن يُكرِّر مأساته التاريخية".
من جهته أكدّ الكاتب الفلسطيني زياد شليوط لـ"القدس" أنّ ما يجري من اعتداءات متكررة هو وليد عدة عوامل بينها: "تساهُل السلطات الإسرائيلية وتقاعسها عن معاقبة الجناة وتقديمهم للقضاء، وتحريض البعض وخاصةً الكاهن "جبرائيل نداف" على ضرورة فرض التجنيد الإجباري على الشباب المسيحي، وسلخه عن قويته وهويته العربية، الأمر الذي يعني حالة من التشرذم في صفوف الفلسطينيين أنفسهم، ويُضعِف موقفهم في مواجهة ما يجري من استهداف لكل مَن وما هو فلسطيني".
ويؤكّد الكاتب شليوط "أنّ هناك حاجة لعمل مكثّف فلسطيني محلي بحيثُ تتولّى قيادة لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية تنظيم مؤتمر وطني عام، يواجه سياسة إسرائيل، بل ويتم تدويل ما يتعرّض له الفلسطينيون في الداخل دوليًا".
من جهته ردّ المحامي قيس ناصر على رسالة التهديد بالقتل التي وصلته، بسبب دعمه وتمثيله لفلسطينيين يتعرضون للسياسة العنصرية في محاولة لانتزاع ملكيتهم على الأرض والبيوت، وجاء في معرض رده لـ"القدس": "رسالة التهديد لن ترهبني ولن تمنعني من القيام بواجبي القانوني، وخدمة شعبي ومجتمعي ضمن الأدوات القانونية والقضائية التي امتلكها".
ودعا ناصر نقابة المحامين والأطراف المعنية والسياسية المسؤولة لأخذ دورها، ومنع ما يجري من أعمال جبانة ومضايقات وهجوم أرعن وصلت إلى أبواب المحامين العرب.
أمَّا رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني الشيخ رائد صلاح، فيُعدُّ مِن أكثر الشخصيات الفلسطينية التي تعرّضت لاعتداءات معنوية من خلال ملاحقته في كل مكانٍ يحاول الوصول إليه، وآخرها حرمانه من دخول رام الله، وتحديد أوقات دخوله إلى القدس والمسجد الأقصى. ويحذّر الشيخ صلاح بشكلٍ صريح من خطورة عمليات "تدفيع الثمن" التي قد تصل إلى حد ارتكاب جرائم خطيرة واغتيال بعض القيادات الفلسطينية، خاصةً أنّ "الصمت الإسرائيلي يُساهِم في تغذية العنصرية الإسرائيلية والفاشية الصهيونية وتماديها في ممارسة الإرهاب المنظّم"، لافتًا إلى أن "الرد على هذه العصابات وممارساتها يكون من خلال تعزيز الوحدة الفلسطينية محليًا والاستمرار في خطوات المصالحة الفلسطينية، وتحريك ملفات قضائية دولية لملاحقة المجرمين العنصريين".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها