مجلة القدس- تحقيق: ولاء رشيد
يعيش الفلسطينيون المهجَّرون من سوريا إلى لبنان وضعًا قانونيًا أقلُ ما يمكن وصفُهُ به هو "المأساوي"، وذلك نتيجة سلسلة من الإجراءات القانونية التي اتُخِذت بحقِهِم من قِبَل السُلطات اللبنانية، الأمر الذي أضاف إلى فصول نائبتهم فصلاً جديدًا.
وما بين منعِهِم من الاستحصال على الإقامة وتأشيرة الدخول وحرمانِ أبنائهم من التقدُّم للشهادات الرسمية، يكادُ يبدو الأُفق أمام المهجَّرين مسدودًا بانتظار بصيصٍ من الأمل يُعيد لهم جزءًا من الحياة المفقودة.
لا تجديد للإقامات
تُعدُّ مشكلة منع تجديد الإقامات المشكلة الأبرز بالنسبة للمهجَّرين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان وذلك لكونها المتحكِّمة بجوانب حياتهم كافةً.
وفي هذا السياق يوضح أمين سر لجنة متابعة المهجَّرين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان أبو جهاد عباسي أنه "بعد سلسلة من الاجتماعات والقرارات التي تمَّ التوافق عليها ما بين لجنة متابعة المهجَّرين والسفارة الفلسطينية ووكالة "الأونروا" والأمن العام اللبناني، تمَّ التوصُّل في مطلع العام 2013 لتمديد الإقامات 3 أشهر قابلة للتجديد مجانًا لمدة عام، وفي حال مرور سنة على التجديد التلقائي، يصبح على المهجَّر دفع مبلغ قيمته 350,000 ل.ل للفرد الواحد ما فوق الـ15 عامًا، يُسمح له من خلالها البقاء لسنة أخرى".
ويردف عباسي "لكنَّ المفاجأة الكبرى تجلَّت بالقرار الذي صدر في 3/5/2014، متضمّنًا في ثنايا بنوده قرارًا بعدم تجديد الإقامات لكل فلسطيني سوري انتهت فعالية إقامته!".
وهو ما تؤكّده السيدة "أم أحمد خ." التي فوجِئت لدى محاولتها تجديد إقامتها لدى الأمن العام في صيدا برفض الضابط المسؤول التجديد بذريعة عدم وجود تعليمات جديدة بهذا الشأن الأمر الذي يقف عقبة حاليًا في وجه حصول ابنها أيهم على عمل كان قد تقدَّم له في شركة هندسية في صيدا فَرُفِض لعدم امتلاكه إقامة سارية المفعول. أما ابن السيدة "أم فادي ن."، الذي انتهت إقامته، فقد تلقى اتصالاً منذ بضعة أيام يطلب إليه المثول العاجل في سراي صيدا الحكومي، ليُفاجَأ بأن الضباط المسؤولين يطالبونه بتهيئة نفسه للترحيل خلال أسبوعين، وحتى اللحظة لا يزال يحاول تسوية الأمر مع المعنيين، لأن أفراد أسرته جميعًا في لبنان.
وتعقيبًا على هذا القرار قالت الباحثة في "الدائرة القانونية في المرصد الأورومتوسطي" ميرة بشارة في تصريح لها: "إن السلطات اللبنانية تمتنع منذ مدة عن تجديد الإقامة لأي لاجئ فلسطيني من سوريا، ما أدى إلى أن ثلثي هؤلاء باتوا يعيشون حالياً في لبنان بدون إقامات"، مشيرةً إلى أن السلطات اللبنانية أصبحت تقوم بتوقيف كل فلسطيني لاجئ من سوريا انتهت إقامته، الأمر الذي قد يؤدي لأن تقوم بترحيل المنتهية إقاماتهم.
ودعا المرصد الأورومتوسطي، الحكومة اللبنانية إلى الكف الفوري عن "انتهاكاتها" بحق اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا، ومعاملتهم كلاجئين، ومنحهم حق الإقامة في لبنان بشكل طبيعي إلى أن تنتهي حالة النزاع الدائر حاليًا في الأراضي السورية.
يُذكر أن أكثر من حالة توقيف كانت قد سُجِّلت في عدة مناطق من لبنان ولا سيما في الشمال حيثُ أوقفت السلطات اللبنانية 8 فلسطينيين سوريين بحوزتهم إقامات منتهية الصلاحية، ولولا التواصل مع قيادة منطقة الشمال، بحسب عباسي، لانتهى الأمر بهؤلاء مرحلين لسوريا على أغلب التقديرات.
ولا تأشيرات للدخول
كانت حدة الأزمة قد ارتفعَت مؤخّرًا بعد القرار الأخير الذي صدر عن مديرية الأمن العام اللبناني في الشهر المنصرم، والذي ألزم بموجبه جميع وسائل النقل بعدم نقل أي فلسطيني سوري تحت طائلة المسؤولية، ورفضَ منح تأشيرات دخول للمهجَّرين من سوريا على خلفية إيقاف المديرية العامة للأمن العام اللبناني، فجر السبت الواقع في 3 أيار، تسعة وأربعين شخصاً من اللاجئين السوريين والفلسطينيين في مطار رفيق الحريري الدولي، أثناء محاولتهم مغادرة لبنان بسمة (تأشيرة) سفر مزورة إلى إحدى الدول العربية بحسب ما صرحت به السلطات اللبنانية. وكإجراء اقتضائي إزاء الحادثة قامت السلطات اللبنانية بترحيل المتهمين بحيازة وثائق مزورة، وبينهم عدد من الفلسطينيين، الأمر الذي وصفته منظمة حقوق الإنسان (Human Rights Watch) بـ"الترحيل التعسفي" متهمةً الحكومة اللبنانية بانتهاك القانون الدولي عن طريق إرسال المدنيين إلى منطقة حرب نشطة، دون النظر بشكل كافٍ للمخاطر التي تواجههم".
وعلى خلفية موجة ردات الفعل التي أُثيرت حول القرار أوضح وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق في بيان عُمِّمَ على الإعلام أنه "ليس هناك أي قرار يمنع دخول الفلسطينيين اللاجئين من سوريا إلى لبنان أو العبور منه"، لافتًا إلى أن الدولة اللبنانية اتخذت فقط إجراءات لتنظيم آليات الدخول والخروج عبر منافذها الحدودية.
وأوضح الوزير المشنوق المعايير الجديدة التي تنظّم عملية دخول الفلسطينيين اللاجئين في سوريا إلى لبنان في بيان نشره على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، جاء فيه "يُسمَح بالدخول لمن يستوفي الشروط الآتية:
1. سمة دخول (تأشيرة) مُسبَقة مبنية على موافقة المديرية العامة للأمن العام أو على بطاقة إقامة (سنة واحدة، 3 سنوات، مجاملة أي "زوجة لبنانية أو أم لبنانية")
2. سمة خروج وعودة عدة سفرات ولحين انتهاء صلاحيتها، يتم من خلالها تمديد الإقامة 3 أشهر لإكمال مدة السنة بالنسبة للذين استوفي منهم رسم 300 ألف ليرة عن سنة كاملة
إلى جانب السماح لمغادرين والمسافرين بالعبور عبر لبنان أو منحهم سمة مرور لمدة 24 ساعة.
وأشار الوزير المشنوق إلى «وقف منح التأشيرة التلقائية للفلسطينيين اللاجئين على الحدود، حتى لو كان بحوزتهم إذن عودة، وعدم تمديد التأشيرة التلقائية الممنوحة والممدّدة سابقاً»، مشدّدًا على أن المعايير قابلة للمراجعة والتعديل وفقاً لتطور الأوضاع الأمنية والإنسانية في أماكن إقامة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، وأن أي قرار رسمي بإقفال الحدود أو منع دخول النازحين السوريين أو اللاجئين الفلسطينيين في سوريا إلى لبنان يُتخَذ من قِبَل مجلس الوزراء بناء على مداولات اللجنة الوزارية المعنية بالنازحين السوريين".
غير أن الموضوع يحمل في رأي عباسي بُعدًَا وغايةً أخرى، حيث يقول: "إذا كان هذا القرار قد صدر على خلفية الحادثة، فلمَ صدرت القرارات بحقنا دون إخواننا السوريين؟! طبعًا نحن لا نقصد القول أننا نريد أن تُتَخذ إجراءات بحقهم، ولكن هكذا خطوة تنم عن عنصرية بحتة خاصةً أن عددنا في لبنان بحسب إحصاءات الأونروا لا يتجاوز 50,000 شخصٍ في حين يتجاوز عدد الأخوة السوريين المليون، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فعلى خلاف القوانين الدولية، لم يُحقّق مع الموقوفين في هذه الحادثة لمعرفة المزورين الفعليين لسمات السفر، وإنما تم ترحيلهم إلى سوريا بعد بضع ساعات من التوقيف دون أي اعتبار لحجم الأخطار التي قد تواجههم، على الرغم من أننا كفلسطينيين مهجَّرين من سوريا وطيلة مدة إقامتنا لم تُسجَّل ضدنا أي مخالفات أمنية أو جنائية، وكنا وما زلنا نؤكّد موقفنا الحيادي من كافة الشؤون الداخلية للدولتين اللبنانية والسورية ولسائر الدول العربية، وهم إن كانوا قد اتخذوا القرارات خشية من التوطين، فنحن أكدنا وما زلنا نؤكّد أن قصرًا في أي عاصمة أوروبية لا يغنينا عن خيمة في صحراء النقب".
ويوضح عباسي "لا يسعنا إلا أن نلاحظ السرعة التي اتُخِذ بها التعميم على وسائل النقل عَقِبَ إيقاف هؤلاء الأشخاص، وكأن الدولة اللبنانية كانت تنتظر ذريعة لاتخاذ هذه القرار. وبعد سلسلة من الانتقادات عادت لتُصدر بنودًا تُنظِّم عملية الدخول، ولكننا إذا ما أمعنا النظر في بنود القرار لوجدناها "تعجيزية" وغير منطقية بل وغير "مهنية". فبدايةً أدى افتقار هذه القرارات إلى الآليات التنفيذية لتفسير القائمين على المنافذ الحدودية أو مراكز الأمن العام في لبنان القرارات حسب فهمهم لها، لجهة تجديد الإقامات والترحيل وغيرها، وبالنسبة لشرط الحصول على سمة دخول مُسبَقة من الأمن العام في لبنان، فإن هذا الأمر يتطلَّب وقتًا ليس بمتناول اللاجئ الهارب من خطر يتهدده، إلا في حال كان هناك طلب عاجل بقدومه من جهة دبلوماسية مثلاً! إضافةً إلى أن بعض الشروط لن يستفيد منها سوى قلة قليلة. وبالتالي فهي عملية التفافية للتخفيف من حدة القرار دون أية تغييرات فيه. ومن هنا فإننا نطالب الدولة اللبنانية بإعادة النظر بهذه القرارات".
ولعلَّ أبز تداعيات هذا الأمر التشتيت في صفوف الأسرة الواحدة التي ذهب بعض أفرادها لزيارات عائلية أو تفقدية للمنازل أو حتى لجلب بعض الأوراق من سوريا ولم يسمح لهم بالعودة. فشادية م.، الحامل في شهرها السابع، أصبحت وحيدة هي وابنتها التي لم تتجاوز الأعوام الثلاثة بعد أن ذهب زوجها خالد إلى سوريا لاستكمال بعض الأوراق الضرورية لتجديد الإقامة، فعلِق عند الحدود لأنه "لا يمتلك إقامة"، وهو ما تصفه شادية "أم بسمة" بـ"الغريب العجيب" حيثُ تقول: "راح خالد قبل القرار يخلص الأوراق ليجدد الإقامة، تاني يوم من طلوع القرار وقّفوا لأنو مخالف ولازم يكون معو إقامة جديدة، ولهلأ مو قادر يدخل. طب هني بدن إقامة مجددة وهني نفسن ما عم يجددوا، شو متاهة القصة؟!".
بدورها أعربت الأونروا في بيان منسوب إلى الناطق باسمها كريس جانيس عن أنها "تشعر بالقلق حيال القيود المتزايدة المفروضة على حركة لاجئي فلسطين الذين يفرون من النزاع في سورية ويحاولون الدخول إلى لبنان"، وأشارت إلى أنها كذلك "تشعر بالقلق حيال ترحيل 41 لاجئًا فلسطينيًا من لبنان إلى سورية"، وشدّدت على موقف مجلس الأمن الدولي الذي "أكد أهمية مبدأ عدم الإعادة القسرية"، وأفادت عن منع عدد من اللاجئين الفلسطينيين السوريين من دخول لبنان، داعيةً الدولة اللبنانية إلى التخفيف من الإجراءات بحقهم.
يُذكر أن الأونروا خصّصت مكتبًا للاستشارات القانونية للفلسطينيين السوريين، يتلّخص دوره في تقديم المشورة القانونية لهم دون التكفُّل بالإجراءات أو تغطية أية تكاليف.
ممنوعون من التقدُّم للشهادة الرسمية
مما يزيد وضع المهجَّرين تعقيدًا ربط مصير أبنائهم التعليمي بالإقامة التي تُشكّل في المقام الأول محط إشكال، حيثُ رفضت السلطات اللبنانية منح الطلاب الفلسطينيين السوريين بطاقات الترشيح للتقدم للامتحانات دون استحصالهم على إقامة سارية المفعول، وفي هذا الصدد تقول عفراء، وهي تلميذة فلسطينية سورية مسجَّلة في الصف التاسع في إحدى مدارس الأونروا، "إثر طلب الإقامة توجَّهنا لسراي صيدا فرفضوا تجديد إقامتنا، مما يعني عدم السماح لنا بالتقدُّم للشهادة المتوسطة. أيوجد شيء أشد إجحافًا من أن تقول لتلميذٍ أمضى 8 إلى 9 أشهر وهو يتحدى ظروفه الصعبة، نأسف ولكنك لن تجري الامتحان؟؟!".
أجواء ايجابية تلوح في الأفق
تعليقًا على المشكلات المطروحة أشار أمين سر إقليم حركة "فتح" في لبنان الحاج رفعت شناعة إلى أن القيادة الفلسطينية في لبنان ممثّلة بأمين سر فصائل "م.ت.ف" وحركة "فتح" في الساحة اللبنانية فتحي أبو العردات، والفصائل الفلسطينية كافةً عقدت عدة اجتماعات على خلفية هذه القرارات مع الأونروا والأمن العام اللبناني بهدف العمل على إلغائها، لافتًا إلى أن القيادة الفلسطينية طالبت بمعاملة الفلسطيني السوري أسوة بالمواطن السوري، وموضحًا أنه "لا يجوز تحميل النازح الأعباء المالية المرهِقة أو منعه من دخول لبنان إذا كان موجودًا في سوريا لأن ذلك يشتت الأسر الفلسطينية".
وأشار شناعة إلى أن مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم أبدى تجاوبًا مع المطالب الفلسطينية لا سيما في الاجتماع الأخير الذي عُقد في الأسبوع المنصرم، والذي جمع اللواء إبراهيم بجميع الفصائل الفلسطينية كافة.
وأضاف شناعة "خلال الاجتماع تمَّ الاتفاق على منح المنتهية إقاماتهم مدة 3 أشهر تجديد مجانًا ليقوموا بتسوية أوضاعهم القانونية، وبالتالي فمن يغادر لن يُطلَب منه أي رسم مالي، ولكن الدولة اللبنانية تشترط على من يغادر ألا يعود مجددًا إلى لبنان، لأن الفلسطيني لا يستفيد من قانون "المعاملة بالمثل" على خلاف المواطن السوري الذي يوجد بين دولته والدولة اللبنانية اتفاق مُبرَم يسمَح بدخول اللبناني إلى سوريا والعكس، ولكن يُستثنَى من القرار الطلاب الذين ذهبوا للتقدُّم للشهادات الرسمية، فهؤلاء سُيسمَح لهم بالعودة. وهم قد علَّلوا هذه الإجراءات بوجود مناطق باتت آمنة في سوريا يمكن للمهجَّرين اللجوء إليها عوضًا عن القدوم إلى لبنان في ظل ما يعانيه من كثافة سكانية ومشكلات متعددة. وقد شددوا في هذا السياق على ضرورة حماية الوضع الأمني للمخيمات لئلا تتكرر مأساة نهر البارد"، ويستكمل "كذلك كانت هناك وعود بالنظر، لأسباب إنسانية، بالحالات التي تفرَّقت بين سوريا ولبنان لإعادة جمع شملها، ويمكن القول أننا لمسنا تجاوبًا تجاه تسهيل الأمور، خاصةً أن الدولة اللبنانية تعرف حجم المعاناة في المخيمات لا سيما أن النزوح أدى لتفاقم الكثافة السكانية وما يتبع هذا الأمر من مشكلات. وكبادرة ايجابية، سمحت الدولة للفلسطيني السوري بتقسيط الغرامة التي كانت تُدفَع دفعة واحدة على عدة دفعات، ونأمل أن تُستكمَل هذه الخطوة بغيرها من الخطوات الايجابية".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها