مجلة القدس/ تحقيق:مصطفى ابو حرب
سبع سنوات عجاف مرَّت على تدمير مخيم نهر البارد، ولم يُبنَ من المخيم سوى ثُلث المنازل المقرر بناؤها. سبع سنوات تكتمل في الـ20 من الشهر الجاري، ومعاناة أهله ما زالت على حالها، لا بل تفاقمت في ظل الإجراءات الأمنية المشددة من قِبَل الجيش اللبناني على المخيم، وتقليص الأونروا لخدماتها وانتقائية الإغاثة، وفي ظل ما يعصف بالوطن العربي باتت الأمور أكثر تعقيداً لجهة الحصول على تمويل لاستكمال البناء والتعويضات، والمعنيون أداروا الظهر لمعاناة الأهالي الذين يعيشون حالة صعبة من الانتظار وفقدان الأمل بعودة قريبة إلى دفء البيت، ونسيان مرارة التهجير والتشرد.
الحي الجديد ضحية الاستنسابية والعشوائية
لا شكَّ أن الظلم الواقع على أهالي الحي الجديد وتحديدًا أصحاب الأبنية والبيوت المهدمة كليًا هو أمر لا يمكن إغفاله، لا سيما أن "الحي تعرَّض للاستهداف والتدمير الكامل بسبب تمركز عصابات العبسي فيه وصولا إلى التعاونية" على حد وصف رئيس لجنة قطاع (E) أبو الرائد عبد وهبة، الذي يوضح "كان من المقرر أن يتم التعويض عبر الهبة الايطالية على البرايمات المحاذية للمخيم، ولكن للأسف تفاجأنا بأن التعويضات التي أُعطيت للأهالي كانت انتقائية وترضيات ومزاجية. فهل يُعقَل أن يتم البدء بإعطاء التعويضات من العبدة، فيما أصحاب البيوت التي تشكِّل خطوط تماسٍ لا يتم التعويض عليهم؟!".
ويضيف "نحن قد أعلينا الصوت بحضور السفير أشرف دبور يوم تسليم "حي المهجرين"، وطالبنا بتعويضات، لأننا خسرنا جنى العمر بلمح البصر. ومنذ سبع سنوات ولا أحد يرأف بحالنا، ولا يتطوَّع للحديث باسمنا، ونحن أصحاب حقوق، لذا فعلى الجميع تحمُّل مسؤولياته تجاه هذا الملف".
ويتساءل وهبة "هل كان يجب أن يبقى أبناء المخيم في المخيم، ولا يحق لهم التمدد والسكن في جوار المخيم؟! لقد دُمّرت البيوت والمحال التجارية، وأُحرِقت سياراتنا التي أُجبِرنا على إسقاطها (شطبها) في النافعة، ودفعنا عليها الرسوم المستحقة، ولغاية اليوم لم نحصل على فلس واحد كتعويض من أي كان لا للترميم أو كبدل عفش أو عن السيارات. لذا رفعنا رسالة للسيد الرئيس محمود عباس "أبو مازن" نطلب إليه النظر في وضعنا، خصوصًا أن 350 عائلة لم تتم مساعدتها بشيء ولم تشملهم الهبة الكريمة من سيادته".
من جهته أشار عضو اللجنة الشعبية لمخيم نهر البارد مسؤول قطاع (A) أبو غسان عارف إلى أن "التعويضات على أهالي الحي الجديد لم تجرِ وفقًا لمسح خطيب وعلمي، الأمر الذي طرَح علامات استفهام كبيرة حول حجم التعويضات التي أُعطِيت للناس، وبدأ الأهالي يتساءلون عن مصير حقوقهم ومن يتحفّظ عليها في ظل تخلي الأونروا عنا بشكل كامل".
ويكمل أبو غسان "خسارتنا كانت كبيرة جدًا بالبيوت، والأثاث، وبمزارع الأبقار، ومعامل الخفان، والسيارات، ولكن للأسف لم يتم التعويض على أحد منا، علمًا انه تم التعويض على جيراننا اللبنانيين. لذلك نأمل من سيادة الرئيس أبو مازن أن يولي ملف نهر البارد اهتمامه، وأن يسعى للضغط على الدول العربية لتأمين الأموال اللازمة لاستكمال الإعمار". ويضيف "لقد حاول الأهالي إعمار بيوتهم بما تيسّر كي يسكنوها، ولكنها ليست كما يجب وفيها الكثير من التصدُّع والنش وبحاجة للإصلاح والترميم من جديد".
أمَّا مسؤول لجنة قطاع (C) ومندوبه في اللجنة الشعبية حاتم الأسدي، فعلّق على الأزمة بالقول: "في العام 2008، كنت ضمن وفد التقى السيد عباس زكي، والشهيد كمال مدحت، وطُلِب إلينا آنذاك تأجيل الحديث عن إعمار المخيم الجديد، لحين البدء بإعمار المخيم القديم. فرممنا بيوتنا، وجمعنا شتات أهالي المخيم. وعلى الرغم من التزام الدولة اللبنانية بإعمار الحي الجديد الذي أخلت الأونروا مسؤوليتها منه، إلا أن التعويض تمَّ على الجوار اللبناني ولم ننل نحن شيئًا، فخاطبنا لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني في العام 2011، وطالبناها بحث المؤسسات الدولية على التبرع بالمال لصالح هذا الأمر. وفي الوقت ذاته طلبنا من القيادة الفلسطينية أن تسعى لإجبار الأونروا على تحمُّل مسؤولياتها تجاه التعويض علينا، علمًا أن التعويض لا يحتاج سوى لتقرير خطيب وعلمي وورقة ملكية وهوية"، ويستدرك "ولكن للأسف لم تثمر الجهود شيئًا يُذكَر، ولم نتلقَ سوى الوعود التي لم تتحقّق حتى الآن".
وتابع الأسدي "كذلك الأمر بالنسبة للجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، حيثُ قال لنا السيد خلدون الشريف، الذي كان رئيس اللجنة آنذاك، أن أزمة النزوح السوري استحوذَت على الاهتمام الدولي على حساب أزمة البارد. لذلك نأمل من سيادة الرئيس أبو مازن العمل على تأمين الأموال اللازمة لإعادة الإعمار للمخيم من الإخوة في دول الخليج العربي لإنهاء ملف مخيم نهر البارد. ونحن نطالب رئيس لجنة الحوار الحالي حسن منيمنة بإنهاء ملف 396 سيارة كانت في وزارة الدفاع ليتم شطبها، علمًا أننا قدّمنا كل المستندات المطلوبة كإثباتات الملكية والإسقاط في النافعة".
في حين يشير مسؤول حركة "فتح" في الهيئة العُليا لمتابعة ملف إعمار مخيم نهر البارد عاطف عبد العال إلى أن "عدم استكمال عملية الإعمار يعود إلى وجود هدر وتبذير في الأموال من طرف الأونروا والمتعهدين إلى جانب التباطؤ الذي من شأنه مراكمة المزيد من الأعباء المالية. وفي الوقت ذاته فنحن كهيئة عُليا كان يُسمَح لنا فقط بالاطلاع على حجم المبالغ المرصودة دون الإشراف على عملية تقسيمها وتصنيفها". وفي هذا السياق أشار عبد العال إلى أن المبالغ المرصودة للتعويض على التجار ولدى وصولها إلى الدولة اللبنانية، تمَّ توزيعها على الجوار اللبناني ولم يعوَّض على الفلسطيني بشيء، ويضيف "تابعنا هذه الأمور وغيرها نحن والسفارة الفلسطينية مع الدولة اللبنانية، ولكن للأسف لم نحصل سوى على الوعود. لذلك نحن مستمرون بالتحرُّكات المطلبية السلمية، وبقرار سياسي موحَّد، حتى ينال أهلنا ما هو من حقهم. وبالطبع فالسلطة الفلسطينية تبذل جهدها لحل الأزمة، وقد أرسلنا رسالة لسيادة الرئيس محمود عباس نطلب فيها عقد مؤتمر جديد على غرار مؤتمر فيينا، لحث الدول المانحة على دفع أموال كافية لاستكمال عملية الإعمار، خاصةً أن ما رُصِد حتى الآن لا يكفي سوى لإعمار 51% من المخيم".
بين تشتُّت الجهود وتشتت الهبات
يشير الأستاذ محمود سويدان إلى أن مسؤولية الإعمار والتعويضات تقع على عاتق ثلاث جهات وهي: الدولة اللبنانية، ومنظمة التحرير والتحالف، والأونروا، ويلفت إلى أن الأموال المرصودة من الدول المانحة كان يُفترّض أن تتُصرَف بناءً على مشاريع تنفّذها جهات ايطالية أو نرويجية أو يونانية أو غيرها، منوّهًا إلى أن المبلغ المرصود للبنى التحتية، الذي تعهّد به اليونانيون، تمَّ تقليصه من مليون دولار إلى 600 ألف دولار.
ويضيف سويدان "منذ سنتَين قدّمت ايطاليا مبالغ للأبنية المهدَّمة جزئيًا على دفعات، واقتُطِع منها 30% للإداريين، رغم عدم مصداقية كشف خطيب وعلمي، ما أدى للإجحاف، لأنهم أعطوا فقط للبرايمات، وهذا الكلام قلناه في اللجنة الشعبية وأشرنا إلى أن تحويل أموال الهبة الايطالية إلى تعويضات في البرايمات لـ5221 بيتاً لا تتجاوز حصة الواحد منها 2000دولار لا يجوز، وهناك موضوعات أهم وهي بدل الأثاث والسيارات. وعلاوة على ذلك كان هناك تشتت للجهود، حيثُ أن الأونروا قسَّمت المخيم وأعلنت مسؤوليتها فقط عن إعمار المخيم القديم تاركة المخيم الجديد للبلديات، لذا فللأسف حصل اللبنانيون على تعويضات، في حين لم نحصل نحن على شيء. وكذلك فإن أصحاب الأبنية المدمرة جزئيًا اخذوا تعويضات، بعكس أصحاب البيوت المهدمة كلياً، ما استدعى رفع رسائل إلى كل المؤسسات، وبكل اللغات، وإلى كل المرجعيات ومنها الفصائل"، ولكن "الخطوة لم تثمر أي تعاطٍ إيجابي" على حد قوله.
ويضيف سويدان "لقد وُزّعَت الهبة الايطالية بصورة عشوائية دون معيار محدَّد، واستفاد منها 306 بيت، وحُرِم منها مئتان تقريبًا، وكان الأجدر بنا أن نجمع جهودنا ونحصّل حقوقنا، علماً أن أموال الهبة الايطالية هي للأبنية المحيطة بالمخيم، ولكن تم التلاعب والالتفاف على قانونية الأبنية المهدمة كلياً. والآن تتم متابعة موضوع الأبنية المهدمة كليًا خارج البرايمات مع المؤسّسة النرويجية، ولقد انتهينا من بنائها حيثُ تمَّ إعطاء أصحابها مواد بناء، أما أجرة اليد العاملة فكانت على أصحاب الأملاك".
ويختم سويدان بالقول: "تعتزم لجنة أصحاب البيوت المهدمة كلياً القيام بجولة على كل المرجعيات الفلسطينية، ونحن نعدُّ اللجنة الشعبية سقفَ أي عمل في المخيم، وقد طلبنا لقاءً مع إدارة المؤسسة النرويجية، ولدينا كشف من قِبَل خطيب وعلمي بالأبنية المهدمة كلياً التي لم تُبنَ بعدما طلبته النرويجية، ولكن ليس هناك شيء جدي حتى الآن لأن المؤسسة النرويجية تأمل أن تأخذ هذه المناقصة من الايطالية".
وعن البلبة الـمُثارة حول عشوائية الهبات والتعويضات، قال عبد العال: "سيكون هناك مسح جديد يطال الأبنية التي لم تُشمَل بالمشروع الايطالي، لأن شركة خطيب وعلمي لم تتمكَّن من مسحها بسبب تطويق الجيش اللبناني للمخيم.كذلك فإن الرئيس أبو مازن سيرسل مبلغ مليون دولار أمريكي لاستكمال الـ200 منزل المتبقية من المشروع الايطالي"، خاتمًا بالقول: "من الجلي أن الحرب على مخيم نهر البارد وعرقلة إعماره تدخل ضمن مشروع سياسي يهدف لتشتيت اللاجئين الفلسطينيين، وإنهاء قضيتنا وحق العودة، ولكننا كفصائل فلسطينية اتخذنا قرارنا بألا نسمح لهذه المخططات أن تنال من وحدتنا وقرارانا المستقل وتمسكنا بثوابتنا".
أهالي المخيم هم أكبر الخاسرين
يقيم كمال سعدو يوسف، وهو أب لسبعة أفراد، في مخيم البداوي لأن منزله في مخيم نهر البارد يقع في الرزمة الخامسة، والعمل لم ينتهِ بعد في الرزمة الرابعة، وهو لا يتوقّع أن يعود لمنزله في السنوات القليلة القادمة لأن "أموال الإعمار قد تبخرت والعمل بطيء جداً "، على حد تعبيره، وهو الذي يعيش تحت وطأة ظروف مادية صعبة كما باقي أهالي مخيم نهر البارد، في الوقت الذي يبلغ إيجار الشقة التي يسكنها 300دولار، وفي هذا السياق يقول: "الأونروا تعطيني 150دولار بدل إيواء، وأنا أشقى لتأمين الـ150دولار المتبقية إضافة لتأمين قوت عائلتي، حتى أنني لا أجد في منزلي من الأثاث ما يلبي احتياجاتي، وذلك لأنني لا املك المال لشرائه، ولأنني أيضًا آمل أن أعود قريباً إلى بيتي في مخيم نهر البارد، فهذه السنوات السبع مرَّت علينا كأنها دهر لا يريد أن ينقضي كي نرتاح".
أما الحاج زياد شتيوي، رب الأسرة المؤلَّفة من 11 فردًا، فيقطن، مجبرًا، في "بركسات الحديد" جهة العبدة منذُ سبع سنوات، لعجزه عن مجاراة أجور البيوت الآخذة بالارتفاع بسبب أزمة النزوح السوري، على الرغم من أن هذه "البركسات" غير صالحة للسكن، حيثُ أن مياه الأمطار تغمرها شتاءً، في حين تغزوها القوارض والحشرات والرائحة الكريهة صيفاً. ولكنه يقول: "سيف البرد والحر في البركس أهون علي من سيف أن أقف عاجزًا عن تسديدي إيجار بيتي".
وإن كانت عائلة شتيوي قد تجاوزت برد الشتاء، فإنها ما زالت ترقب لهيب حر الصيف والقوارض التي يعج بها المكان، في ظل تقاعس الأونروا عن واجبها برش المبيدات، حيثُ يشير شتيوي إلى أن أعراض الأمراض الجلدية باشرت بالظهور على الأطفال، في ظل غياب دور الأونروا "التي تتذرع دائمًا بتخصيص المساعدات للأخوة النازحين من سوريا".
هذا ويؤكّد المسؤول الدوري للجنة الشعبية في مخيم نهر البارد أبو النمر أن "الحكومة اللبنانية لم تنفّذ أي شيء مما تعهّدت به في مؤتمر فيينا حتى اليوم، مثل التسوية القانونية لمباني المخيم الجديد حتى تسهيل الإعمار، ودفع بدل الأضرار لأهالي المخيم الجديد والالتزام بإعماره"، ويكمل "وعلاوة على ذلك، فقد ألزمتنا بدفع ضرائب عن السيارات التي احترقت، ولم تنفّذ شيئًا فيما يتعلَّق بتسويات الإعمار والتعويض على التجار"، مشيرًا إلى أن الأطراف المعنية، وهي الحكومة اللبنانية والأونروا تلقي اللوم على بعضها فيما يدفع الأهالي الثمن. ويضيف "لكن صبر الناس بدأ ينفذ، وهناك تخوُّف من تقليصات خدمات الأونروا الإغاثية الاستشفائية وبدلات الإيجار، وهذا ما قد يُنذِر بغضب شعبي وجماهيري عارم، ليس في مخيم نهر البارد فحسب، وإنما في باقي مخيمات لبنان تعاطفاً وتضامناً مع أهالي مخيم نهر البارد".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها