الحملة العسكرية الأمنية الأسرائيلية في الضفة بشكل رئيسي وفي قطاع غزة بشكلها الثانوي أنهت اسبوعها الثاني، بإيقاع مختلف من منطقة إلى أخرى، مع بقاء التركيز على محافظة الخليل حيث أعلنت مدينة حلحول وما حولها منطقة عسكرية مغلقة، بينما كانت مدينة دورا وما حولها هي البداية الأكثر عنفاً في الحملة حتى الآن، ورغم مرور أربعة عشر يوماً فإن قلة المعلومات تظل هي العامل الرئيسي، إسرائيل توجه اتهامات دون إثباتات، والجانب الفلسطيني ليس لديه معلومات مضادة، بل إن حماس المتهم الرئيسي من قبل إسرائيل تمارس لعبة الكلمات المتقاطعة، حيث صرح بعض قادة حماس بأنهم لا يستطيعون التأكيد أو النفي! هل هذه لغة طمأنينة بأن العملية العسكرية الإسرائيلية تفيدهم، وتشكل لهم غطاء للانسحاب من المصالحة؟ أم أنهم يعتبرون الحملة فرصة لهم لممارسة الابتزاز الداخلي؟ يحتاج الأمر إلى دقة متناهية وخاصة بعد أن كرر الأخ أبو الوليد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس نفس أسلوب الكلمات المتقاطعة حين كرر نفس المقولة «عدم القدرة على النفي أو الإثبات» مع أن العملية مكلفة جداً، وأن استمرار الأرض الفلسطينية في الضفة وغزة تحت سقف النار قد يعقد الأمور، لأن صوت المجتمع الدولي خافت جداً، والصوت العربي الاسلامي غائب تماماً، والفلسطينيون مهيأون دائماً لأن يسقطوا في المهاترات بينهم، حتى أن تصريحات خالد مشعل نفسه لم تكن بعيدة عن هذا الاتجاه، وهو الرجل الذي يوصف بأنه الأوسع أفقاً في حماس، فما بالكم بأعداء المصالحة المعروفين في حماس الذين تعتبر المصالحة بالنسبة لهم استسلاماً دون قيد أو شرط.
لنفرض أن إسرائيل في ظل هذه الحكومة الحالية خففت الإيقاع قليلاً لكي تضمن استمرار الصوت الخافت للمجتمع الدولي، واستمرار الغياب الكامل للصوت العربي، مع استمرار السقف الناري على حاله، فكيف ستكون الأمور عند ذلك؟
من المؤكد أن المصالحة ستلفظ أنفاسها سواء برد فعل مباشر أو عن طريق عدم قدرة السلطة الوطنية على تحمل أعباء الابتزاز الواضح الذي تمارسه حماس، خاصة أن أطرافاً في المنطقة عربية وإسلامية لا تريد هذه المصالحة، ويمكن أن تدعم عملية تمويتها، برغم أن الأولويات تزداد ضغطاً في المنطقة، وكل الأطراف غارقة حتى أذنيها في التداعيات الباهظة.
لا نستطيع أن نبقى تحت سقف هذه الحملة طويلاً، فلدينا برامج وكلها تتعطل، خاصة وأن كافة برامجنا منطلقة من هجوم السلام الفلسطيني، ومن تأكيد سلمية نهجنا مع أن المنطقة تتوسع كثيراً في مساحة العنف، وفي وضوح انتمائنا للشرعية الدولية والحصول على المزيد من عضوية المنظمات الدولية، وتفعيل هذه العضوية أكثر وأكثر، ولكن من الواضح أن إسرائيل في ظل الحكومة الراهنة، وفي ظل اندياح المجتمع الإسرائيلي نحو التطرف تريد وقف وتدمير هجوم السلام الفلسطيني، وتدمير كل ركائزه، وهو البرنامج الذي أوشكت إسرائيل على الإطاحة به عندما وقع الانقسام لولا أن الرئيس أبو مازن نجح بشكل كبير في فتح حوار مع العالم، وأثبت مصداقية عالية، ولكن من الواضح أن إسرائيل ضاقت بذلك ذرعاً، وهي تشن هجمات الواحدة تلو الأخرى، فقد واصلت الاستيطان، وهششت من صلاحيات السلطة الوطنية، وأوقفت التنسيق بمعناه الكامل منذ أكثر من عشر سنوات، والآن جاءت هذه الحملة التي قد تستمر فترة أطول لجعل الانجازات الدبلوماسية بعيدة عن الترجمة على أرض الواقع، مع تأكيد إسرائيل من خلال التطورات في المنطقة أنه لا غنى عنها لحلفائها، وأن المنطقة ستظل بعيدة عن الاستقرار لفترة طويلة.
يجب أن نخرج من تحت سقف هذه الحملة، ليس من خلال استغلال مصائب شعبنا كما تفعل حركة حماس الآن وليس من خلال الاستمرار في اكتشاف العدو وهو الاحتلال الإسرائيلي، وإنما من خلال إبداع رؤية جديدة، وربما خيارات جديدة في معركتنا الصعبة.