بقلم: رفعت شناعة

كَثُر النقد اللاذع على بعض ما قاله الرئيس ابو مازن في خطابه الأخير في السعودية في القمة الإسلامية حول عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة وتداعياتها على الساحة الفلسطينية، وردود الفعل الإسرائيلية المدمِّرة. فقد أكّد الرئيس ابو مازن مجموعة قضايا في هذا المجال وهي: موضوع التنسيق الأمني والحاجة اليه؛ ثم لا نريد العودة الى وضع يشبه الانتفاضة الثانية؛ وثالثًا، نحن لسنا مسؤولين عن امن المنطقة التي خُطِف منها المستوطنون الثلاثة؛ ورابعًا، نحن علمنا بعد وقوع الحادث بأن هناك عملية خطف، وذلك بعد مرور ثلاث عشرة ساعة؛ وخامسًا، إننا حريصون على أرواح كل البشر؛ وسادسًا، ان نتنياهو وجدها فرصة مناسبة ليبطش بنا ويدمِّر كل شيء وليُعيث في الارض فسادا؛ وسابعا، يؤكّد الرئيس بأننا لا نستطيع ان نواجه اسرائيل عسكريًا، وإنما سياسيًا؛ وثامنا، ان كل دول العالم بدأت تأخذ موقفًا مناصِرًا للحقوق الفلسطينية، وإسرائيل بدأت تفقد مصداقيتها وسمعتها.

 انطلاقًا من هذه القضايا مجتمعة يجب ان نفهم جوهر الموقف الفلسطيني. فالقيادة الفلسطينية، ومنذ سنوات، تخوض معركتها السياسية ضد الاحتلال الاسرائيلي، وانتصرت عليه في العديد من مواقع الصراع وخاصة لجهة اكتساب عضوية الدولة، والانضمام الى الهيئات والمنظمات الدولية، ثم التأييد الاوروبي في مقاطعة منتوجات المستوطنات الإسرائيلية، ثم انفضاح الموقف الاسرائيلي عندما اضطر ان يوقف المفاوضات في شهر نيسان الماضي، اضافة الى ان اسرائيل تلقَّت صفعة قاسية عندما أيَّد العالم بأسره المصالحة وتشكيل الحكومة، وهذه العوامل وضعت نتنياهو في عُزلة تامة دوليًا، وكان في حالة ترنّح سياسي، وجاءت العملية الاخيرة بغض النظر عن منفّذيها لتخرج نتنياهو من عزلته، وليدفع بقواته المدججة بالأسلحة وبالكلاب، عشرات الآلاف من الجنود يدخلون البيوت، ويرعبون الأهالي، ويحطّمون، ويضربون، ويقتلون، ويعتقلون الكبار والصغار، ويصادرون كافة كاميرات التصوير بكل ما فيها من معلومات. ونتنياهو الذي كان يترنّح قبل ايام اصبح اليوم يخاطب العالم من موقع الضحية، والمعتدَى عليه، وانه صاحب الحق، والعالم بدأ يستمع لصراخه وخطابه، وبدأ الضغط الكبير يتحوَّل على رئيس السلطة الوطنية والاتهامات موجّهة اليه، وان الكرة في ملعبه، ونتنياهو يريد ان يجعل السلطة وقيادتها في عزلة كاملة، مع التصعيد العسكري والسياسي اليومي، وتحويل الضفة بكاملها الى سجن كبير، وعلى هذا الأساس يجب ان نفهم حقيقة المعركة السياسة الدائرة حاليًا حتى يخرج الرئيس من دائرة الاتهام فهو في خطابه يريد ضرب الادعاءات الإسرائيلية من جهة، والتأكيد على مواقف السلطة التي لم تتغيّر أمام العالم حتى يفوّت الفرصة على الكيان الاسرائيلي، فهو يؤكد موضوع التنسيق الأمني الموجود منذ بداية اتفاق أوسلو والتنسيق الأمني يتعلَّق بحياة وتنقلات ودخول وخروج الجميع وليس فقط القضايا التي تسبب الخلل الأمني، وهذا الموضوع له سلبياته، ولكن له ايجابياته أيضاً التي لا يمكن الاستغناء عنها. ويذكر الرئيس بأننا لا نريد انتفاضة على شاكلة الانتفاضة الثانية وهي التي كانت عسكرية منذ بدايتها وحتى نهايتها، ونحن نريد المقاومة الشعبية على شاكلة الانتفاضة الاولى وهي المناسبة اكثر لوضعنا، وقد كشف الرئيس أمرا مهمًّا وهو ان اسرائيل نفسها لم تبلِّغ السلطة بهذه العملية إلا بعد اربع عشرة ساعة، وهذا دليل على ان الجانب الاسرائيلي لا يثق بالجانب الفلسطيني، ورغم كل شيء فإن الرئيس يرسل رسالة واضحة الى كل العالم لدحض مزاعم نتنياهو وقطع الطريق عليه بالقول: "ورغم ذلك فنحن ننسّق معهم للوصول اليهم، لأنهم بشر، ونحن حريصون على أرواح البشر"، انها معركة سياسية ولهذه المعركة أدواتها ومصطلحاتها ومعاييرها، وقد يكون البعض لا يريد إلا المعركة العسكرية، ولا يتقبّل أية مفردات لها علاقة بالمعركة السياسية، وهذا حقه، ولكن لا يجوز القسوة والتخوين لأن الكلام سهل ولكن من كان في موقع القرار مطلوب منه ان يفكّر جيدًا لأنه مسؤول عن شعب وعن قضية .