هل ما يجري الآن في الساحة الفلسطينية، على الصعيد السياسي في كل الأمور ابتداء من أزمة الكهرباء في غزة، ومعبر رفح المرشح إلى الأسوأ، والأنفاق التي توشك أن تصبح أثرا بعد عين، والأموال الضخمة التي هربت من غزة إلى سيناء لشراء الأراضي، وهي الآن تحت قائمة الشك والاتهام، وصولا إلى محاولات زرع أشواك المستحيل في طريق المصالحة، وصدام اللعبة الدولية في المنطقة من حولنا، في مصر الشقيقة القريبة جدا وما جرى فيها من جريمة كبرى مروعة، وفي سوريا التي أصبحت فيها أرقام القتلى الكبيرة، لا تثير أدنى اهتمام، مرورا بالأزمة المالية للسلطة الوطنية، وخلافاتنا المثيرة للسخرية والفاقدة لأي قدر من الاحترام سواء على صعيد علاقاتنا الوطنية أو على صعيد علاقاتنا الفتحوية, هل كل ذلك هو أقصى ما لدينا من جهد أو مبادرة أو محاولة أو مجازفة! أم أنه يوجد شيء أفضل، وكيف يتبلور هذا الشيء الأفضل ونصل إليه إن اقتنعنا أنه موجود فعلا، بحيث نخترق هذه الطبقات المتراكمة من العجز والإحباط؟عندما أفقت من الاعتداء الجبان الآثم الذي نفذه بعضهم ضدي بعد منتصف ليل الثلاثاء الماضي، قبل أكثر من أسبوع، صدمت من شدة الآلام المبرحة في كل أنحاء جسمي، من رأسي إلى أخمص قدمي، ولكن صدمتي كانت أكبر بسبب فاجعتي بالمشهد الفلسطيني الذي وقع داخله ذلك الاعتداء الجبان الآثم!تخيلت – وأنا كاتب وأديب قبل أي شيء آخر – النشوة التي شعر بها المعتدون البؤساء! وهم يذهبون إلى رؤوسهم لكي يحصلوا على الاستحسان، والمباركة، والإشادة على ما قاموا به، وكيف أن رؤساؤهم أبلغوا الأمر إلى من هم أعلى منهم، بأن المهمة سارت في الطريق المرسوم لها بنجاح!أليس هذا سقوطا مدويا ,أليس هذا احتقارا للذات، بأن يعتقد أحد أن الاعتداء عليّ يحل المشكلة، أي مشكلة! هل هناك طرف فلسطيني أصبح وضعه أفضل؟ هل هناك أزمة فلسطينية ابتداء من أزمات القمامة وانتهاء بأزمات السياسة تم حلها؟ هل الاستعصاء المتجمع في علاقات الداخلية الفلسطينية وصل إلى حد الفكفكة والحل أم الوضع أكثر غرقا وتورطا؟ هل اقتربنا ولو مليمترا واحدا من حلم الدولة الفلسطينية المشروع، أو من حلم الإمارة الإسلامية غير المشروع؟ هل أصبح المعبر أفضل، والوقود أفضل، والكهرباء أفضل، والوضع الأمني أفضل، والمرور في الطرقات أفضل, ووضع الفقراء أفضل ووضع الأسرى في سجون الاحتلال أفضل؟ لا.. لم يحدث شيء من ذلك على الإطلاق! كل شيء بقي على حاله، ومشاكلنا وفواجعنا وهزائمنا تنتظرنا هي نفسها عند مفترق الطريق! بل إن العصا المدربة التي انهالت على جسمي تكسيرا، رفعت الغطاء عن مشاكل حركة فتح التي يتشدق بها أصحابها، ويتغذون عليها لكي يخدعوا أنفسهم بأنهم ما زالوا أحياء، وما زال لديهم ما يفعلونه، وأصبحت هذه المشاكل التي بقيت على حالها فاقدة لأي غطاء، وأكثر سخرية ومأساوية، وأصبح الذين ينبحون بأصواتهم المخزية على مواقع الشبكة العنكبوتية أكثر ضيقا من أنفسهم لأنهم ينبحون ولا من عابر في الطريق، فعلام ينبحون؟ هذه البانوراما الشاسعة البائسة تريد اختراقا، لا بد من احد يحاول، مجموعة سياسية انتحارية تحاول اختراق السياج الذي ندور داخله كالمجانين، سياج العجز وفقدان الإرادة وفقدان الأمل! لا بد أن يكون هناك شيء أفضل! لم لا.. علينا أن نحاول، المحاولة مجانين أو حكماء، لا بد من ملائكة أو شياطين، لا بد من رجال أو نساء، لا بد من شباب أو شيوخ، لا بد من أناس أفضل، أشجع، أبعد حلما، أكثر عمقا وإيمانا وثقة وطموحا، يفعلون غير هذا الذي يجري بكل مفرداته! ما يجري بكل مفرداته، وادعاءاته، وتسمياته، هو شيء رديء جدا، هو تجرع الموت ببطء، هو فقدان القدرة على منع التآكل، هو إعادة تدوير الزوايا نفسها، وإعادة اجترار المنظومات الكلامية نفسها، وهو استخدام المسكنات التي تجاوزها ألم الجرح منذ زمن، هو إعادة إنتاج السلعة الفاسدة، وإعادة الخضوع لقواعد اللعبة السقيمة التي رفضناها بالأمس القريب، وخداع النفس، خداع الذات الوطنية، بإدعاء انتصارات لا أصل لها ولم توجد قط.يا إلهي:هل نحن هكذا فعلا؟هل هذه صورتنا فعلا؟هل هذه نهايتنا فعلا؟أنا لا أصدق، لا أريد أن أصدق، أرفض أن أصدق، ربما يكسرون عظامي ثانية عند الفجر عليهم اللعنة، ولكني إلى أن أموت سأظل اعتقد أن هناك شيء أفضل.