يمكن القول:إن القضية الفلسطينية تعتبر أكبر الخاسرين من الأوضاع غير المستقرة التي تمر بهاالمنطقة العربية والتي بدأت مع انطلاقة الثورة الشعبية في تونس وانتقال عدواها إلىدول عربية أخرى أدت إلى إسقاط أنظمة الحكم فيها مثل مصر، وإزاحة علي عبدالله صالحمن رئاسة الجمهورية اليمنية، فيما تتجه الأوضاع في سوريا إلى منحى غير معلومةنتائجه النهائية، كل هذه الخضات العنيفة التي تجتاح المنطقة العربية تسببت فيالرمي بالقضية الفلسطينية خارج اهتمام المجتمعين العربي والدولي، وفي الوقت نفسهوفرت مناخا ملائما للكيان الصهيوني للسير بهدوء نحو تنفيذ برنامج القضم التدريجيللحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، وتهويد ما تبقى من الأراضي المحتلة وخاصة مدينةالقدس التي تشكل لب الحقوق الوطنية غير القابلة للمساومة.
فالعدوالصهيوني استغل المناخ السائد حاليا في المنطقة العربية وانشغال العالم بما يجريفي العديد من الدول العربية مثل ليبيا ومصر وسوريا للإسراع في تنفيذ الأجندات التيرسمها قادة العدو، فالمناخ السائد في المنطقة لن يدوم طويلا ولن يتكرر خلال عدةعقود من الزمن، وهذه الحقيقة يعرفها قادة العدو جيدا وبالتالي فإنهم دخلوا في سباقحقيقي مع الزمن لاستغلال الظرف الحالي بما يخدم تلك الأجندات، فعمليات الاستيطانالتي كانت تشكل احدى أهم القضايا اهتماما لدى المجتمع الدولي، تسارعت وتيرتها أكثربعد تفجر الثورات الشعبية في العديد من الدول العربية.

لا أحد يتحدثالآن عن القضية الفلسطينية وعن الانتهاكات الخطرة التي تتعرض لها الحقوق الوطنيةالمشروعة للشعب الفلسطيني، وهو ما يخدم مشاريع الكيان الصهيوني، فالقضيةالفلسطينية ليست خارج اهتمام دول العالم بحسب بل خارج اهتمام الدول والشعوبالعربية، رغم أن سياسة العدو لم تتغير وأعمال التنكيل بالمواطنين الفلسطينيين تسيرعلى قدم وساق، بل تصاعدت في الآونة الأخيرة أكثر مما كانت عليه من قبل، في الوقتنفسه فإن الكيان الصهيوني أدخل العملية "السلمية" في ثلاجة النسيان معصمت دولي غير معقول.

ولا تلوح فيالأفق أي مؤشرات على تغيير المناخ الحالي في المحيط العربي، فالأوضاع فيما تسمىدول الربيع العربي لم تستقر بعد ولم تتضح صورها الكاملة، باستثناء تونس التي لاتمثل أي ثقل بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، أما مصر فإن سفينتها لاتزال في بحرمتلاطم وهي معرضة في أي وقت للانتكاسة، الأمر الذي يجعل من دورها في الوقت الحاليشبه مشلول، فيما سوريا تعيش وضعا أمنيا وسياسيا خطرا يهدد الدولة السورية برمتها،وبالتالي فإن المستفيد الأكبر من المناخ السائد في المنطقة العربية هو الكيانالصهيوني.

كان الأمليحدو الشعب الفلسطيني بعد الثورة المصرية، وخاصة سكان قطاع غزة الذين يعانون حصاراجائرا مستمر لأكثر من أربع سنوات مصحوبا بحروب همجية متكررة من جانب قوات العدو،لكن هذه الآمال سرعان ما تبددت بعد إعلان مصر الإخوانية التزامها بجميع المعاهداتالدولية، وأهمها بالطبع اتفاقية كامب ديفيد التي أخرجت مصر نهائيا من ساحة الصراعمع العدو، فمصر الإخوانية ليس مطلوبا منها أن تلغي هذه الاتفاقية في مثل هذهالظروف التي تمر بها، وإنما كان مطلوبا منها أن تغير العلاقة مع سكان القطاع وتكسرالحصار المفروض عليه من جانب العدو الصهيوني، وخاصة أن هذا الحصار يلقى إدانةواسعة من المنظمات الإنسانية والعديد من دول العالم كونه حصارا غير مشروع.

كانت جماعةالإخوان المسلمين المصرية، قبل وصولها إلى السلطة في مصر تعتبر القضية الفلسطينيةقضيتها المركزية غير القابلة للمساومة، ولكنها الآن وصلت إلى السلطة فإنها لم تتخذأي خطوة تشير إلى مصداقية هذين القول والموقف، فالموقف المصري من الحصار الصهيونيعلى قطاع غزة بقي على حاله ولم يتغير عما كان عليه أيام الرئيس المصري السابق حسنيمبارك والعدو الصهيوني لم يغير من سياسته تجاه سكان القطاع وتجاه القضيةالفلسطينية برمتها، وبالتالي فإن مصر الجديدة مطالبة بتغيير سياستها تجاه قضيةالشعب الفلسطيني باعتبار مصر تمثل الثقل العربي وتملك من الأوراق ما يكفي للضغطعلى العدو.

لا أحد يريدمن مصر الآن أن تنقض على معاهدة كامب ديفيد أو تدخل في صدام سياسي كبير مع الكيانالصهيوني، فمصر بعد الثورة غير مؤهلة وغير قادرة على الإقدام على مثل هذه الخطوات،ولكن ذلك لا يعني أن تغل الأيادي المصرية تجاه القضية الفلسطينية، فبإمكان مصر بماتتمتع به من ثقل دولي أن تباشر تحريك المياه الراكدة في البحيرة الفلسطينية منخلال حث المجتمع الدولي على عدم نسيان وإهمال القضية الفلسطينية التي ستبقى آجلاأم عاجلا مفتاح الاستقرار وعدمه في المنطقة.