نستطيع القول للمرة الأولى منذ سنوات إن طريق إنهاء الانقسام سالكة ولكن بصعوبة.
بصعوبة لأن حجم المشكلات التي تراكمت على مدى يزيد على عشر سنوات هائل، وانعدام الثقة ظل على طول هذه السنوات الطويلة هو سيد الموقف.
ومع ذلك فإنها باتت سالكة وهذا بحد ذاته هو أمر هام وكبير ويمكن أن يدشن مرحلة جديدة في العلاقات الوطنية.
حدثت في الواقع اندفاعة مصرية غير مسبوقة من حيث الرغبة والإرادة والتصميم لإنهاء هذا الانقسام.
يتمثل الاندفاع المصري في الحقائق التالية:
للمرة الأولى تستطيع القاهرة الاعتماد على درجة مقبولة ومعقولة من التفاهمات مع حركة حماس على الكثير من الإجراءات التي اتخذتها الحركة لمنع التواصل ما بين السلفية الجهادية التي تعيش في قطاع غزة تحت أعين ورقابة ومتابعة بل وتتبع حركة حماس لهذه السلفية.
ويعتبر تعهد حركة حماس لمنع هذا التواصل والتسلل إلى سيناء ومنها إلى القطاع بمثابة إنجاز مصري كبير لإغلاق كافة المنافذ أمام داعش وأخواتها في سيناء وفي منطقة القناة، بل وحتى في كل الداخل المصري.
وللمرة الأولى فإن القاهرة ترى أن استعادة ورقة إنهاء الانقسام إلى العاصمة المصرية بعد أن باتت حركة حماس على قناعة تامة بأهمية هذا الأمر بالذات، وبعد أن تخلت كل من قطر وتركيا عن هذا الدور إما بسبب الأزمة القائمة بين هاتين الدولتين والكثير من البلدان العربية والخليجية تحديداً، أو بسبب فشلهما الانفرادي والمشترك في "إنجاز" هذه المهمة، وذلك في ضوء انحيازهما التام لنظرة الإخوان المسلمين واستراتيجياتهم بل وحتى الانحياز الكامل للاعتبارات العامة واليومية لتكتيكات الإخوان وسياساتهم.
وفي ضوء ذلك وتأسيساً عليه فقد فهمت القاهرة أن الأمور باتت أكثر "نضجاً" من أي وقت مضى لإنهاء الانقسام وحث كل أطرافه على طيّ هذه الصفحة.
مصر باتت على قناعة أن داعش وأعوانهم في سيناء وفي بعض المدن والتجمعات المصرية ستختنق إذا ما تم إغلاق منفذ القطاع، وإذا ما تم إنهاء الوجود الداعشي في ليبيا وتأمين الحدود الغربية، وهي بوحي من هذه القناعة بالذات أصبحت قادرة على إبرام تفاهمات من السلطة المركزية في ليبيا، والتي ستعزز شيئاً فشيئاً وصولاً إلى إنهاء التواجد العسكري لداعش وأنصارهم في الأرض الليبية، وهي بحاجة إلى سلطة فلسطينية شرعية لإنجاز تفاهمات كاملة وتامة وثابتة على جهة القطاع.
إذن، مصر التي تعطي للأمن القومي المصري أهمية بالغة، والتي ترى في هذا الأمن مفتاح نجاحها في خططها التنموية الطموحة، ومن توفير الاستقرار الداخلي أصبحت اليوم وبعد عدة سنوات من المخاضات الداخلية قادرة على استعادة دورها الإقليمي والريادي، وهي لذلك بالضبط تربط كما نرى ما بين إنهاء هذا الانقسام وما بين دورها الإقليمي الشامل.
إذن، المواقف والاندفاعة المصرية هي مؤشر تعافٍ مصري بقدر ما هو احتياج حيوي.
هذا كله يبعث على الأمل ويؤدي في النهاية للنظر إلى إنهاء الانقسام هذه المرة باعتباره ضرورة وإمكانية واقعية.
لا يقف التفاؤل بإنهاء الانقسام عند هذه الحدود فقط. فالأمر، أيضاً، يتعلق بحركة حماس نفسها.
فقد أدركت حركة حماس كل المتغيرات التي حدثت في الإقليم، وقرأت جيداً الأبعاد التي تنطوي عليها هذه التغيرات وتأثيرها وانعكاسها المباشر على الحركة.
فلا قطر عادت قطر ولا تركيا بوارد القتال حتى الرمق الأخير لاستمرار سيطرة حماس على القطاع.
وأدركت الحركة ما الذي يعنيه البقاء في قائمة الإرهاب في ظل ما أفرزه مؤتمر الرياض من حقائق وتوجهات، وفي ظل وجود رئيس كالرئيس ترامب على سدة الحكم في الولايات المتحدة.
وأدركت حركة حماس أن توجهات الرئيس الفلسطيني حتى وإن كانت (غير شعبية) إلاّ أنها في نهاية المطاف ستضع المواطنين في غزة في مواجهة حركة حماس، وقد فهمت حركة حماس جيداً مدى إصرار الرئيس عباس على أن تكون هذه الإجراءات ضغطاً حقيقياً وليس شكلياً لوضع حركة حماس أمام المسؤوليات وأمام الوقائع.
ومما لا شك فيه أبداً أن حركة حماس نفسها قد أجرت شيئاً من المراجعة من خلال المناقشات والحوارات الداخلية التي سبقت والتي أعقبت صدور الوثيقة الأخيرة.
ومما لا شك فيه، أيضاً، أن "التعاون" مع مجموعة محمد دحلان قد أثار داخل الحركة "شوشرة" لم تكن كل الأوساط الحمساوية تتوقعها، وربما لم تكن جاهزة للتعامل مع نتائجها سواءً بسبب الضغوط القطرية والتركية على هذا الصعيد، والتي كانت وما زالت ترى في هذا التعاون ضرورة شديدة للحركة، أو بسبب أن السيد محمد دحلان نفسه قد رفع من شروطه لهذا التعاون وبما لا يمكن للحركة من التعايش معها حتى وإن قبلت بها من حيث الشكل.
أما تعثر العملية السياسية وانسداد الإمكانيات في ظل ما هو معلن وما هو مستتر من السياسات الإسرائيلية، وفي ظل الغموض و"الغمغمة" التي ينطوي عليها الموقف الأميركي، فمن المفترض أنه يضغط على الجميع لتقدير حجم المسؤولية في مواجهة التحديات الإسرائيلية لهذا كله بأن الطريق إلى إنهاء الانقسام بات سالكاً وإن كان بصعوبة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها