بين وقت وآخر, تقوم الوحدات العسكرية الإسرائيلية المتمركزةحول قطاع غزة من جهة الجنوب والشرق والشمال, او الوحدات العسكرية البحرية المتواجدةقبالة شاطئ القطاع غرباً, بتنفيذ هجمات بالنيران الحية, سواء من الرشاشات الخفيفة والمتوسطةوالثقيلة, او قذائف المدافع و الدبابات، او صواريخ الزنانات ? طائرات بدون طيار- اوطائرات الهيلوكبتر من طراز أباتشي وغيرها, بشن هذه الهجمات, وفي العادة يسقط ضحايامن أهلنا أبناء القطاع, سواء شهداء او جرحى, وتحدث خسائر مادية متعددة, وهذه الخسائربالنسبة لمن يتجرعونها تعتبر خسائر فادحة.

وكالعادة أيضا, فإن الإعلام الفلسطيني, والإعلام العربيوالدولي الموجود في الأراضي الفلسطينية, يسأل الأسئلة التقليدية عن هذا التصعيد الإسرائيلي،لماذا هذا التصعيد, لماذا هذا التوقيت, هل لذلك علاقة بالتحضير لعدوان كبير, هل لذلكعلاقة بالمصالحة, هل له علاقة بالإحداث الجارية في المنطقة.

مع الأسف الشديد: فإن بعض أنماط السلوك العدواني الإسرائيلي,وخصوصا هذه الاعتداءات الجزئية المتقطعة والمتكررة, التي ينتج عنها فلسطينياً خسائرفي الأرواح والممتلكات, تصدر عن وقائع موجودة أمامنا على الأرض, ولكننا نحاول تجاهلها,بل نحاول ان ننساها بتعمد في بعض الأحيان.

وأريد ان اضرب بعض الأمثلة على ذلك، ودعوني ابدأ أولابهذا الائتلاف الجديد الذي نتج عن صفقة بين نتنياهو وموفاز, وابرز نتيجة لهذه الصفقة,انه لا توجد معارضة الآن في إسرائيل!! والكتلة الوحيدة التي كانت مؤهلة لتلعب دور المعارضةوهي حزب (كاديما), وان يدور حولها كيانات حزبية اصغر منها في إسرائيل, غادرت موقعهابحكم هذه الصفقة وأصبحت داخل بيت الائتلاف والحكومة التي يقودها نتنياهو, وأصبحت جزءاًمن اللعبة ومن الائتلاف، فهل هذا موضوع عادي.

إسرائيل التي تعيش على التعدد الإجباري لأنه تعبير عننسيجها العرقي والديني والثقافي, تصبح بلا معارضة من أي نوع!! انه مشهد غير مألوف,ويحتاج الى تعمق شديد لمعرفة كيف يحدث ذلك.

وفي اعتقادي المتواضع فإن إسرائيل التي لا تدفع أي ثمنالآن لاحتلالها البشع, ولا تدفع أي ثمن لجنونها الاستيطاني, وهستيريا العدوان النابعمن استسلامها بالكامل لعربدة القوة, يشعر مواطنوها وأحزابها وقواها السياسية, أنهملا يدفعون أي ثمن, وبالتالي ينتفي مبرر المعارضة !! وهذا يحدث الآن, في هذه المرحلة,التي توحش فيها الانقسام الفلسطيني واستقل بذاته عن عناوينه الأولى وعن صانعيه، وأصبحشديد الخطورة في حياتنا الفلسطينية.

وبدل ان ترد الإرادة السياسية الفلسطينية على كل ذلكمن خلال التحصن بالمصالحة, والتحصن بالوحدة الوطنية, فإننا نرى العكس تماما, نرى استمرارالرهانات على الاوهام, والتشبث بالمصالح الصغيرة التافهة الناتجة عن المتاجرة بالانقسام,بل ونرى محاولة لصياغة حكومة الوحدة الوطنية والتي جرى الاتفاق عليها في الدوحة لتكونفقط عنوانا لشرعنة الانقسام، والاعتراف به رسمياً, وتنسيق العلاقات الداخلية تحت سقفه,وليس التخلص منه نهائياً !!

والمثال الآخر, ان إسرائيل بعد حربها الأخيرة على غزة,والتي كان من نتائجها شرعنة الحصار الظالم الهمجي وإشراك الأطراف العالمية بأدوار مختلفةفي هذا الحصار, فإن إسرائيل أوكلت الملف الأمني لقطاع غزة كله, للقادة المحليين الإسرائيليينعلى رأس وحداتهم العسكرية المحيطة بالقطاع, دون ضرورة الرجوع الى هيئة الأركان او المستوىالسياسي, وفي هذا السياق تجيء هذه الهجمات العسكرية الجزئية المتكررة ضد قطاع غزة,قصف هنا بقذائف الدبابات او مدفعية الميدان، او إطلاق رصاص رشاشات الزوارق العسكريةعلى الصيادين, الى اخر هذه الاعتداءات المتكررة.

قادة الوحدات العسكرية من المستوى الأدنى هم الذين يأخذونالقرار وينفذونه, وتحت هذا المعنى, فإن قتل الفلسطينيين وتخريب ممتلكاتهم وتصعيب حياتهم,والحفاظ على الحزام الأمني دون ادنى اختراق, يصبح مجرد عمل روتيني, مجرد روتين يومي,فهذا الضابط او ذاك الرقيب او حتى ذلك المجند هو الذي يقرر مصير هذا الإنسان الفلسطيني,ان كان طفلاً يلعب على بعد أمتار من بيته, او مزارعا يعمل في حقله, او صيادا يبحث عنرزقه في مياه البحر, فإن القتل يلاحقه على يد هذه الهجمات العسكرية الجزئية, بدعوىانه كان ينوي ان يتسلل, وانه كان ينوي اختراق الحزام الأمني, او انه كان ينوي ان يصنعنفقاً تحت الأرض.

هذا المشهد الراهن, وهذه الدائرة الشيطانية, بحاجة الىاختراق وبحاجة الى كسر, لان بقاء الوضع على ما هو عليه يخلق المزيد من التأثيرات السلبيةضدنا سواءً داخل إسرائيل نفسها والعلاقة بين القوى الإسرائيلية, او على مستوي حياتنااليومية او مشروعنا الوطني.

اعتقد ان استمرار هذا الوضع لفترة طويلة هو الذي أدىالى ميلاد هذا الائتلاف الغريب في إسرائيل, حيث كنا نتوقع ان تضطرب العلاقات الداخليةالإسرائيلية فيذهبون إلى انتخابات مبكرة, ولكن هشاشة وعبثية الأوضاع عندنا جعلت نتنياهووموفاز ينجحان في عقد هذه الصفقة الخبيثة, وميلاد هذا الائتلاف العنصري, الذي يوحيبإن إسرائيل لا تدفع أي ثمن الآن مقابل هذا الاحتلال البغيض, بل ان استمرار الوضع علىحاله فلسطينياً سوف يؤدي اكثر واكثر بالإسرائيليين الى مزيد من الانحدار نحو التطرفونحو الاستهانة بالحقوق الفلسطينية.

نحتاج سياسياً الى صدمة, صدمة لاستعادة الوعي الضائع,وصدمة لاستعادة الإرادة الغائبة, اما استمرار العزف على أوتار الانقسام, فهو نفسه الهدفالإسرائيلي الذي جعل إسرائيل تخطط بدقة متناهية منذ سنوات طويلة, من اجل ان نسقط بسهولةفي حفرة هذا الانقسام الأسود البغيض.