بقلم/ الحاج رفعت شناعة

امين سر اقليم حركة "فتح" لبنان

 

إنتصر الأسرى في معركة الأمعاء الخاوية ضد الاحتلالوالسجان، وفرضوا شروطهم، وركع السجّان وإدارة السجون معه لتستمع مرغمة إلى صوتالحق الفلسطيني الذي يضجُّ من داخل الزنازين، وغرف التعذيب، وعيادات ومستشفياتالتنكيل الطبية العسكرية العنصرية، نعم إنه صوت الحق الذي يقهر الباطل، فللباطلجولة وللحق جولات، وكل ما هو آتٍ سيضع النقاط على الحروف.

إنتصر الأسرى بعد أن وصل بعضهم إلىحالة الموت السريري، خاصةً المرضى منهم، والذين تعرَّضوا لضغوطات هائلة من السجانلكسر إضرابهم لكنهم أصرّوا على إضرابهم، فهم جزء من كل، والقرار القيادي يحكمالجميع، وهذا القرار عنوانه المواجهة والوفاء، وعندما يكون الموضوع له علاقة بالكلالوطني داخل السجون تذوب المصالح الفردية.

لا شك أن الانتصار تحقق لأنه كانمبنياً على أسس صلبة لا تحتمل المراوغة، ولا المرونة، ولا المساومة ولعلَّ أبرزها:

أولاً: توصل القيادات الفلسطينية داخل السجون ومن مختلفالفصائل إلى وثيقة شرف جمعتهم على موقف مبدئي واحد، وعلى تشكيل قيادة واحدة منالجميع لقيادة الاعتصام ممن لهم خبرتهم وتجربتهم في مقارعة الاحتلال ونيّاتهالخبيثة. وأثبتت هذه القيادة كفاءتها وقدرتها عندما أمسكت هي بزمام الأمور، وفرضتاحترامها على الجميع، والتزم الجميعُ بتعليماتها كبيراً وصغيراً.

ثانياًً: السؤال الجوهري هو كيف استطاع هؤلاء الأسرى أن يتفقوا،وأن يتوحَّدوا رغم أنهم مشتتون في مختلف السجون والمعتقلات، ومفرقون في الزنازين،والاتصالات صعبة وليست ميَّسرة، لكن على ما يبدو أن الألم والعذاب اليومي،والإحساس بالمسؤولية الوطنية في مواجهة الجلاد الصهيوني منحهم قوة الإرادة الثوريةفي تجسيد الوحدة الوطنية، هذا الإحساس النقي بالمسؤولية الوطنية كان واضحاً لناعلى صعيد مختلف الفصائل الفلسطينية في الخارج عندما قدموا لنا الوثيقة الوطنية أيوثيقة الأسرى، وهي وثيقة بعيدة عن المناورات والمساومات، وهي خالصة لوجه الله،ورغم أننا جميعاً وقَّعنا عليها بعد الحوار على مدى ثلاثة أشهر، لكننا لم ننجحْ فيتوحيد صفوفنا ومواقفنا حتى الآن رغم أننا نتحاور في مختلف العواصم وليس في السجونولا في الزنازين، والسبب بتقديري هو أننا في نيّاتنا لم نرتفع إلى مستوى نقاوةوطهارة ومصداقية هذه الوثيقة. ولذلك نحن فشلنا، وهم انتصروا، فهل نجحوا لأنهمالأكثر جرأة في مواجهة الواقع والحقيقة الوطنية؟؟!

ثالثاً: إنتصر الأسرى لأنهم أخذوا قراراً حاسماً ومصيرياً يخدمقضيتهم وحركتهم الأسيرة، ويخدم من يأتي بعدهم، ولم يفكروا بأنفسهم وبأهلهم، ولميفكروا بمصالحهم الشخصية، ولذلك نجحوا، وتغلَّبوا على الاحتلال وخبراته المعروفةفي التنكيل والإجرام.

رابعاً: إنتصر الأسرى أولاً، ففرضوا احترامهم علينا، وتوحَّدنافي موقف فلسطيني جامع حاشد رغم الخلافات القائمة وغير المبرَّرة، فشكراً لناجميعاً لأننا رفعنا صوتنا عالياً أننا إلى جانب أسرانا، سجَّلنا إلتفافاً شعبياًواسعاً في الداخل والخارج حول قضية أصبحت في سلّم أوليّات القيادة الفلسطينيةوالشعب الفلسطيني، سامحونا اخوتنا الأسرى تأخرنا عليكم في نصرتكم، لكن هذا ماعندنا، وشعبنا شعب أصيل بشهدائه وأسراه وقياداته الوفية، وانتصاركم هذا سيدفعنالاحقاً إلى مزيد من الوفاء والواقعية، وتحمّل المسؤولية في مقاومة الاحتلال، هذاالاحتلال الذي بإمكاننا أن نجعله أسداً مفترساً، وبإمكاننا نحن أنفسنا أن نجعلهنمراً من ورق.

لقد أثبت أسرانا البواسل، كما أثبتشعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج أننا إذا ما صمَّمنا، وعقدنا العزم والعزيمة،وعمَّقنا إيماننا بالله، وحسمنا أمورنا باتجاه الوحدة الوطنية، فإننا قادرون علىانتهاج كل أساليب المقاومة المنتجة والفاعلة، وقادرون على تصفية الاحتلال واستعادةالحقوق، وليس قدَرنا أن نبقى عاجزين دون فعل أو تأثير.v