بقلم عضو اللجنةالمركزية "فتح" محمود العالول

في ذكرى النكبة يسعى الإنسان الفلسطيني في إحيائها إلىالوقوف بكبريائه على إطلالات التاريخ الحديث ليستذكر قيمته الإنسانية الحية، فبهذاالوقت وقبل ما يزيد عن ستين عاماً، استهدف الفلسطيني بمجتمعه الحضاري ووجوده الإنسانيوأرضه السيدة في محاولة لمحو هويته واقتلاع المكان من صاحبها وساكنها ونبضها وروحهاالإنسان الفلسطيني، غير أن هذه الأرض المرتبطة بمستودع الحضارات، والتي أجاد الإنسانالفلسطيني فيها رسم صورة الشرق المنير بسماء الكون وأرضه بنور الديانات السماوية الثلاث،رفضت الانسلاخ عن روحها وأصرّت على الوقوف بوجه الاغتصاب، متجذرة بحجم ما يحملهإنسانها من قيمة ارتباط روحي معها.

وفي هذه الوقفة نطرق باب العدالة، بأنّ التهجير والقتلوالمجازر والخذلان ومحاولات سلب الأماكن أسماءها ومحاولات سلخ الأرض عن روحها الإنسانالفلسطيني لم ولن تنجح بل شواهد المجازر والإرهاب المتواصل بما يعتليه من قتل وتخريبوتقطيع للشجر وعزل للإنسان والسلب المتواصل للأرض، لهو الدلالة الطبيعية القطعية بأناهنا كنا وباقون وسنبقى رغم الألم المشرع وأنّ الأرض وإنسانها مرتبطان وباقيان في سيرهماالدائري لتبقى الصورة الناتجة احتضان الأرض لإنسانها وتجزره بعروق شجرها وينابيع وديانهاوتاريخ كل أفراد وأسماء أبنائها شهداء وأحياء لاجئين وصامدين.

وفي كل عام نحيي به هذه الذكرى نغذي ذاكرتنا ونحملهابوعينا الجمعي، بأن العودة آتية حق طبيعي، وأن تفاعل الزمن مع الذاكرة مؤكد أنه سيبقىعلى الثابت الجامع بحتمية تحقيق هذا الحق، لقد اغتصبت أماكن وحرّفت أسماء أماكن وغيّرتملامح أماكن وفرّغت أماكن أخرى من صاحبها، لكن بكل ما جرى بها وعليها وبإنسانها ساكنهاوصاحبها الأصيل، وما زالت تحمل في وعي الفلسطينيين جيلاً بعد جيل ويوماً بعد يوم حنيناللقاء الطبيعي، ما بين غارس زيتونها وصبارها ولوزها وبرتقالها اليافوي والأرض سيدةالجرح الأعلى والأكبر.

وأنّ إحياء هذه الذكرى هو تأكيد شعبي ورسمي فردي وجماعيبأنّ المقولة الأساس باقية " نحاول .. قد نفشل أو نتأخر بعض الوقت لكننا سنصلحتماً مهما طال الزمان إلى طريق اخترناه "، وأنّ العدالة المفهوم الأخلاقي الذييقوم على الحق والأخلاق والعقلانية والقانون والإنصاف لا قيمة له سوى بتحقيقه واقعاًيحق الحق لصاحبه المُشرد والمُقتلع من أرضه ومكانه.

والنكبة الحدث والواقعة لم تقف عند زمانها أو بيئة وقوعها،بل استمرت وتعدّدت أشكالها وتوسّعت دائرة ضحاياها، فلا تكاد تمرّ بعض سنوات إلا ويُصرّالاحتلال أن يعيدها واقعاً إجرامي يمتد على كل مزايا تاريخ شعبنا، فـ مجزرة نحالينوالحرم الإبراهيمي وغيرها الكثير من المجازر وآخرها معركة الانتصار والبطولة في مخيمجنين وكذلك الجرائم التي ما زالت ترتكب حتى يومنا هذا بحق الشجر والأرض والتي يمثلهايومياً الجراد الاستيطاني ونمله الأسود عدو الأرض والشجر والإنسان، لهو التعبير الصريحعن شهوة الاحتلال الدائمة بالمحو والإلغاء.

وذكرى النكبة مرتبط بوجهه الآخر، وهو حق العودة الذيلا بد من إخراجه من حدود الشعار إلى مجال النضال من أجل تحقيقه، وحق العودة هو جزءمن ثوابتنا الأساسية المترابطة معاً وهي الأرض والقدس وتحريرهما وإزالة الاستيطان وعودةاللاجئين، إضافة للأسرى وحريتهم، ولابد من رؤية واضحة في هذا المجال، لأننا ندرك أنحق العودة هنالك من يدعي استحالة تطبيقه، وهؤلاء نسألهم هل هذا العدو المُحتل جاهزلتطبيق البنود الأخرى. 

إننا ندرك أنّ حق العودة هو الأكثر تعارضاً مع إستراتيجيةالحركة الصهيونية التي تسعى إلى دولة يهودية نقية، رغم أن هذه الإستراتيجية قد ضربتأساساً من خلال وجود وصمود أهلنا خلف الخط الأخضر، نعم التمسّك بالثوابت وحق العودةلا بد أن يكون بصلابة ودون أي هامش للمرونة، لكن لذلك متطلبات أساسية لا بد من تحقيقهاأولها السعي الحثيث للوحدة الوطنية، التي غيابها يمثل الخطر الأساس على مجمل القضيةالفلسطينية، ومسيرتها مع أهمية إعادة الاعتبار لوحدة الشعب الفلسطيني في كل مكان فيالوطن والشتات، وكذلك من المهم إيقاف كل أشكال الصراع والتناحر الداخلي بإعادة الاعتباروالتمسك بأن التناقض الأساس هو مع الاحتلال وأي تناقض آخر هو ثانوي ومن الضروري هناإعادة الاعتبار للعمق والوضع العربي والإنساني الذي لابد أن يُعاد بموقف أكثر وضوحاًودعماً للشعب الفلسطيني ربما يرى البعض استحالة تحقيق ذلك، لكن على الجميع والأمة أنيُجيب على سؤال الهوية والانتماء وأن التغيير وتحقيق حقوق الشعب الفلسطيني لا يمكنأن يتم إلا بتغيير ميزان القوى وليس بالنصح والإرشاد والتمنيات، لكن أن نبقى دائماًمتفائلين مؤمنين بحتمية النصر والانتصار ومُدركين أن وجودنا واستمراره على هذه الأرضوتمسكنا بها يشكل قلقاً دائماً لهذا العدو المُحتل في إطار صراعنا الدائم والطويل.

وسنبقى نغني الواقع وغداً بأنّ لنا الشمس والقدسوالنصر وساحات فلسطين والعودة والنصر لموعدهما المؤكد فجرٌ آت.