واضح ان الحوار الإيراني الأميركي والأوروبي حول المشروع النووي معقد، وليس سهلاً وطريقه ملأى بالمطبات والأشواك لا بالورود فقط، وهو حوار يجري الآن علناً ومتواصلاً وان اضطرب احياناً، بعدما جرى لسنوات سرا أو بشكل شبه علني، ومتقطعاً باملاء من ضرورات ايرانية وأميركية عميقة وغير عابرة، انضجتها مراجعات وتطورات في وعي واحتياجات الشعب الايراني والأميركي وانتظارات لديهما، لم يعد من الممكن ادارة الظهر لها، هنا يرى البعض ان ايران ربما كانت اشد اضطرارا من أميركا، لأن متاعب شعبها ومطالبه بالاستقرار والعناية بالداخل والرفاه، اشد الحاحاً أو تعقيداً من نزوع متعاظم لدى الشعب الأميركي الى الكف عن عبور الحدود القومية الى الخارج والبحث عن نظام مصالح أميركية جديد يمكن تطبيقه بالحد الادنى من الخسائر الاقتصادية ودون خسائر بشرية أميركية، ويعني هذا ان التنازل من الطرف الايراني قد يكون أكبر من التنازل الاميركي، ما يمكن ان يلزم الولايات المتحدة بعدم وضع علاقاتها العربية مع المملكة العربية السعودية خاصة، في سلة التنازلات، ويمكنها بدلا من ذلك، ان تضع في سلة شروطها على ايران، تحسين علاقاتها وتفاهماتها العربية والحد من تدخلاتها وضبط مسارها في سوريا وغيرها؟ وهنا يحلو لي ان اقول بتركيز معقباً على هذا الحوار فأرى انه يترافق مع قلق على مصير علاقات تاريخية بين الغرب وأميركا من جهة وبين البلدان العربية من جهة اخرى، وتراوحت العلامات على ذلك بين التوتر الشديد والتوتر الخفيف والخفي احيانا، وبين القلق النسبي، بنسب متفاوتة بين خصم عربي أو خصم آخر، والطمأنينة النسبية وبنسب متفاوتة أيضاً بين صديق عربي وصديق آخر.
ان الفاعل الاول والاخير في العلاقات السياسية بين اي بلد وبلد آخر، مهما يكن مقدار التباين الثقافي أو المجتمعي، أو مقدار التقارب أو التشارك، هو المصالح التي تتبدل فتبدل السياسات، وعليه فليس هناك علاقات نهائية، ونقع في خطأ اذا اعتقدنا أو صدقنا بأن علاقة ايران المتوقعة مع الولايات المتحدة سوف تكون نهائية، تماماً كما أن القطيعة بينهما بعد الثورة لم تكن نهائية ولا مرة، وإن كانت قد اقتربت احياناً من خط النهاية، فإن الضرورات المصلحية كانت تردها الى الخلف، وتماماً كما لم تكن العلاقة بين أميركا وعدد من البلدان أو الدول العربية، نهائية أو مطلقة في السلب أو في الايجاب، وفي بعض الحالات كان الإيجاب يلتبس بالسلب، كما في حالة واشنطن مع النظام السوري مع ترجيح إيجابية أميركية لصالح النظام السوري في وجوده ودوامه، في عهديه الحافظي والبشاري، والمعنيون يتذكرون ان هذا النظام قد وصل واستقر اربعين سنة بفضل الرافعة الأميركية، بداية مع الضوء الاخضر السوفياتي لواشنطن في سوريا، وبفضل العناية الأميركية به، دائماً بحجة يمكن ان يكون مفعولها مستمرا في العقل الأميركي، بناء على المشهد السوري وهي ان القوى الديمقراطية المدنية في سوريا ضعيفة ولا تشكل بديلاً محتملاً وقوياً للنظام، وان البديل ربما كان هو الاسلام المتطرف الذي يهدد كل شيء. وهذا الاسلام الكامن كان بحاجة الى تنشيط أميركي متقاطع مع النظام السوري حتى تستوي ذريعة اللعب بالوضع في سورية.
على هذا، فهل تتبدل العلاقة بين بعض الاطراف العربية وبين واشنطن من غلبة الايجاب الى غلبة السلب؟ بناء على مظاهر المشهد الأميركي الايراني الذي لا يخلو من اسباب وموجبات اعادة انتاج القلق والتوتر والصراع والقطيعة، من دون استبعاد قطعي لاحتمالات الحرب؟ أرى أن الأفضل أن يعود العرب الى هندسة علاقاتهم مع أميركا والغرب وحتى موسكو التي فتحت ابوابها السوفياتية القديمة الروسية في الحقيقة، على جميع الاتجاهات طمعاً بالمكاسب على قلق يسببه لها دخولها وكأنها شريك لطرف مقابل طرف في أحد أنفاق أزمة المنطقة، اي النفق الطائفي أو نفق الفتنة الطائفية مع وجود أسباب جوهرية وتاريخية لتجدد الصراع الخطير بينها وبين مسلمي الاتحاد الروسي ومن تبقى من مسلمي القوقاز وآسيا الوسطى في هذا الاتحاد، وهم سنة عموما مع جيوب شيعية الا في اذربيجان الميالة الى السياق القومي مع تركية اكثر من السياق المذهبي مع ايران.. هذا مع أنه لم يعد خافياً أن الروس أخذوا يقتنعون وبسرعة محدودة بأن ايران لن تسمح لهم أن يكونوا أكثر من رقم مساعد للرقم أو النفوذ الإيراني في سوريا، ريثما تتدبر إيران صفقتها السورية بالتخلي مقابل ثمن قد يكون غالياً ويكون زهيداً، بناء على مقدار الوعي العربي لضرورات وتعقيدات الوضع السوري.
اذن فالامل هو استخدام قواعد هندسية عصرية لبناء علاقة عربية أميركية أو علاقات، بواقعية، أي من دون أحلام مضخمة، أو مراهنات مبالغ فيها، ومن دون يأس ومن دون وضع خيار القطيعة نصب العين، ولا بأس من مقاطعة ما مبرمجة ومن دون تسويغ ايديولوجي محرج، عندما تتعقد الامور وعلى اساس ان النسبية هي الحقيقة السياسية والمعرفية، ولا مطلقات في حركة التاريخ والشعوب والدول والمصالح والافراد والجماعات الذين استقطبوا عصبياتهم على أساس المطلقات والتعميمات الايديولوجية التي اضطروا لكسرها جزئياً، وروسيا في زمن السوفيات خير مثال على ذلك.
أرجو أن يعجل القادرون على الفعل، إلى تشكيل ورشة عملية، علمية عليمة بالعلم الاكاديمي والتجريبي والتجارب الخاصة، لتشكيل الشرط الموضوعي لشراكة العرب والمسلمين في أطروحة حضارية ثقافية منقذة للجميع، وخاصة للعرب الذين يتقدم التنجيم في فضاء توقعاتهم على علم الاستقبال والاستشراف، وربما سادت فيهم قارئات الفناجين. إن السؤال الاول سؤال ثقافي أو تنموي والتنمية ثقافة كما ان الثقافة تنمية وهل الدين غير هذين الامرين أو الامر الواحد مربوطا بالبعد القيمي أو الروحي أو الآخروي؟
« يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم».