رغم أن النتائج النهائية لانتخابات حركة حماس الداخليةلم تعلن بعد، إلا أن ما تم حتى الآن يشير ليس فقط إلى إعادة انتخاب السيد خالد مشعل،رئيس المكتب السياسي لدورتين متتاليتين سابقتين وحسب، ولكن إلى تعزيز قوته بفوز أنصارهفي الانتخابات التمهيدية، أي انتخابات مجالس شورى الحركة، خاصة في غزة، المركز الميدانيللحركة، ومعقل الرؤوس التي بدت كأنداد لمشعل في أكثر من مناسبة، أو حتى كقوة إسنادلبديل محتمل للسيد مشعل.برأينا كان إعلان الدوحة مفصلاً، بدأ بعده مباشرة خالد مشعلمعركته الداخلية، حيث ظهر أولاً وعلى الصعيد الوطني كقائد مسؤول، ثم ظهر على الصعيدالإقليمي كقائد قادر على إحداث التغيير في الوجهة السياسية للحركة، على قاعدة التوافقمع الإطار الإخواني والحليف الإقليمي للحركة، في الوقت الذي أظهر فيه خصومه 'تمنعاً'داخلياً، وضعفاً في التقاط المتغير بعد الربيع العربي، ثم اظهر الرجل رباطة جأش، بعدأن أحرجه رفاقه، بقطع الطريق على الإعلان الذي وقعه شخصياً مع الرئيس محمود عباس.ومجردأن لوح بعدم رغبته في الترشح لرئاسة المكتب السياسي، نزولاً عند الالتزام بتقاليد العملالداخلي، واحتراماً لكون السيد موسى أبو مرزوق هو من كان أول رئيس للمكتب السياسي،حيث اضطرت الحركة في التسعينيات لاستبداله بمشعل بعد أن تعرض 'للاعتقال' في الولاياتالمتحدة، حتى تعالت الأصوات الداخلية مطالبة إياه بالترشح، لكنه أصر على الحصول علىموافقة أبو مرزوق شخصياً، حتى لا يقال لاحقاً إنه قد جاء بالصدفة، أو انه لم يحترمحق الرجل الذي ظل نائباً له طوال أكثر من خمسة عشر عاماً، بصلاحيات ومكانة تقترب منمكانته.وقصة مشعل مع الأضواء بدأت منذ أن تم إبعاده عن الأردن مع جمع من أعضاء المكتبالسياسي للحركة إلى قطر، حيث ظن كثيرون بأن دوره قد تراجع أو انه حتى في طريقه إلىالتلاشي، خاصة مع نجاح الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال في إخراج مؤسس الحركة الراحلالشيخ احمد ياسين من السجن الإسرائيلي، بعد قيام إسرائيل بمحاولة اغتيال لمشعل بالذات،لكن استشهاد الشيخ ومن بعده عبد العزيز الرنتيسي، ومن ثم انتقال مشعل ورفاقه إلى دمشق،عزز من مكانة المكتب السياسي ومن مكانته شخصياً.وعلى مدار نحو عقد ونصف العقد، ارتبطتقوة مشعل بدور المكتب السياسي في الخارج، ومن خلال قيامه بتعزيز تحالفات الحركة معما كان يسمى بمحور الممانعة إيران وسورية قاد الحركة إلى الحضور السياسي، بفرضبرنامجها 'المقاوم' على برنامج السلطة السياسي، ومحوره التفاوض، ومن ثم إلى الفوز بالانتخاباتالعامة العام 2006.وعلى الرغم من أن الانتخابات العامة الفلسطينية كرست قيادات سياسية،محلية في غزة والضفة الغربية، إلا أن حرص المكتب السياسي وقائده مشعل على توجيه سياسةالحركة بما يتوافق ومجمل مصالحها الجماعية، عزز من دوره ومكانته، ولا شك أن اعتمادالحركة على الدعم المالي والسياسي من محور الممانعة الذي كان يمر من خلاله قد أكد هذهالمكانة.لكن قدرة مشعل القيادية، وحسه السياسي، قد دفعا به لإظهار قدر عالٍ من المرونة،حين نجح في توجيه البوصلة باتجاه قطر و'الإخوان' في اللحظة المناسبة، وفي تخفيف حدةالشعارات السياسية، التي ما زال المستوى الميداني والكادر الحمساوي يطرب لها، نقصدشعارات المقاومة والمعارضة المتواصلة للسلطة، وكانت آخر محاولات خصومه في غزة تذهبفي طريقها إلى مواصلة سذاجتها السياسية بإطلاق الاتهامات لمصر ومن ثم السلطة بالمسؤوليةعن معاناة غزة مع الكهرباء.بعد أن اطمأن مشعل وأنصاره إلى بقائه سيداً للحركة كرئيسللمكتب السياسي، ذهبوا إلى انتخابات مجالس الشورى أكثر ثقة وهكذا فإنه مع الأخذ بعينالاعتبار أن لا مشكلة لهم مع الخارج ولا مع الضفة الغربية، فإن أهم مفصل كان هو انتخاباتمجلس الشورى في غزة، للاعتبارات التي سبق أن أشرنا إليها أعلاه، وفي مقدمتها، أن غزةتمثل قوة 'حماس' الميدانية، بوجود سلطتها التي تبقي عليها نداً ومنافساً وحتى قابضاًعلى عنق السلطة الفلسطينية، ولوجود الطامحين بالزعامة فيها للموقع الأول في الحركة،حتى من كان يقيم في الخارج، ويعتمد على دعم غزة له في أن يجلس على المقعد الذي احتلهمشعل على مدار السنين الماضية.بعد المؤتمرات الداخلية للحركة، وبعد تتويج مشعل رسمياًكرئيس للمكتب السياسي، وبعد فوزه بالدورة الثالثة على التوالي بالمنصب، فإن مشعل سيكونقائداً مطلقاً للحركة، يذكر بقادة العالم الثالث وقادة حركات التحرر، مطلقي الصلاحياتوالنفوذ، وإذا كان هذا الأمر يبدو أنه يسير في عكس الوجهة التي تسير عليها المنطقةالعربية، بل على غير تقاليد 'الإخوان' أنفسهم، الذين يغلبون القيادة الجماعية في كلمن مصر والأردن، اللتين توالى على قيادة جماعاتها خلال السنوات القليلة الماضية أكثرمن مرشد عام، إلا انه يمكن التعليل بأن الحالة الفلسطينية مختلفة، كونها ما زالت حركةتحرر، وحيث إن 'حماس' هي فصيل وطني سياسي/ عسكري، أكثر منها حركة سياسية، كذلك يمكنأن تشكل حالة مشعل كقائد مطلق 'نموذجاً' للإخوان أنفسهم، الذين وعلى أبواب السلطة فيمصر، أصروا لإظهار تباينات قد تؤدي إلى انقسامات، بين الجماعة وحزب العدالة والحرية،وخير دليل على ذلك ترشح خيرت الشاطر ومحمد مرسي، إضافة إلى من خرجوا من صفوف الجماعة،مثل عبد المنعم أبو الفتوح وغيره، صحيح أن ترشيح الشاطر ومرسي كان تكتيكاً من شأنهأن يمرر مرشح الحزب، مقابل سحب ترشيح الشاطر، وهذا ما حدث، إلا أن إصرار الشاطر نفسهعلى مطالبة أنصاره التصويت لمرسي، فيه إشارة إلى أن الأمر لم يكن تكتيكاً فقط.مثل هذالم يحدث في الحالة الفلسطينية، ربما لأن أهم موقع رسمي احتله حمساوي كان رئيس حكومةالسلطة وليس رئيسها ولا رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وربما حين تذهب 'حماس' إلىانتخابات رئاسة السلطة أو رئاسة المنظمة تظهر مثل هذه التحديات، لكن يبدو أن مشعل بالذاتسيكون حينها غير الشاطر، بل ربما أشطر من الشاطر، فبالنظر إلى أن 'ثمن' المصالحة وإجراءالانتخابات الفلسطينية سيكون عدم ترشح أبو مازن، فإن فرص فوز مشعل برئاسة السلطة والمنظمةربما تكون كبيرة، وبالتوافق مع الند الوطني 'فتح' ورئيسها أبو مازن ـ. هذا قد يكونبعد أن يتم ترتيب الوضع الداخلي لـ'حماس'، وتأكيد قوة مشعل وبالتالي قدرته على 'تمرير'اتفاق مع أبو مازن، قد يكون 'الدوحة' أو اتفاقاً شبيهاً يتضمن رئاسته للسلطة أو المنظمة،كلاهما معاً أو احدهما على الأقل.