يوم الأرض .. الذاكرة والمعنى والرسالة/ بقلم يحي رباح
30-03-2012
مشاهدة:
807
الذكرى الثالثة والثلاثون ليوم الأرض، تتجدد فينا هذه الأيام،بأحداثها ووقائعها، بدمائها وشهدائها، بقرارها الخارق و أبطالها الشجعان، تتجددفينا بطزاجة كأنها حدثت البارحة وليس قبل قرابة أربعة عقود، وتضيء فينا حالتهاالعقلية والشعورية والوطنية والكفاحية بكل ما فيها من ذاكرة قوية، ومعان عميقة،ورسالة تحمل في طياتها أصل القضية في جيناتها الأولى، في أسئلتها الأولى، هنا فيالوطن، في الجليل والمثلث والنقب، في عكا وحيفا ويافا واللد والرملة، في القدسوالضفة وقطاع غزة، في أقرب منفى فلسطيني، وفي أبعد شتات فلسطيني. في عام 1976،أي بعد مرور ثمانية وعشرين عاما على النكبة الفلسطينية – التي هي واحدة من أفدحالتراجيديات الانسانية – وبعد مرور تسع سنوات على الهزيمة المدوية المفجعة فيحزيران عام 1967، وبعد ثلاث سنوات على حرب أكتوبر تشرين رمضان العظيمة عام 1973 – لاحظوا أن هذه الأحداث الثلاثة الكبرى ليست سوى جزء يسير من يوميات التراجيدياالفلسطينية – بعد هذا كله، فوجئت القيادة الإسرائيلية أن الأسئلة الرئيسية للقضيةالفلسطينية ما تزال هي نفسها لم تغب أبدا، ولم تتراجع أبدا، فهؤلاء القوم الذينتشبثوا بأرضهم، وتحملوا قسوة العنصرية الصهيونية في أبشع صورها، هؤلاء القوم ليسواالإسرائيليين العرب كما تسميهم الوثائق الرسمية الإسرائيلية، وليسوا أقليات منالبدو أو الدروز أو المسيحيين أو المسلمين، إنهم كل هذه الخصائص وأكثر منها ألف ألفمرة، إنهم الشعب الفلسطيني، وسؤالهم الرئيسي هو سؤال الهوية، وصراعهم الرئيسي هوالأرض، فهم ليسوا مجرد سكان كما تعاهد على ذلك قادة إسرائيل، وأرضهم ليست مجردجغرافيا، بل هم شعب بكل معاني الكلمة، وأرضهم هي الوطن الذي اسمه فلسطين. ذلكالاشتباك الذي جرى في الثلاثين من آذار مارس عام 1976 في قرى سهل البطوف الثلاث،كان تجسيدا لهذا المعنى، وكان رسالة واضحة لا تحتاج إلى تأويل لأنها قطعية الدلالة،بأن الاعتقاد الصهيوني الإسرائيلي بأن كل شيءانتهى، وأن الملفات أغلقت، وأن الأسئلةصمتت، هذا الاعتقاد الإسرائيلي هو مجرد وهم بائس ليس إلا. وأعتقد أن وحشيةالجنود الإسرائيليين ورجال الأجهزة الأمنية، في اطلاق رصاصهم مباشرة على صدورالرجال والنساء في ذلك اليوم، كان بفعل الصدمة، والشعور الطاغي بالخيبة والفشل، وأنأوهامهم تذهب هباء، بينما الحقائق الأولى، والأسئلة الأولى، ومفردات الصراع الأولى،ما تزال حاضرة في قمة الحضور، وأن الانبعاث الفلسطيني أقوى ألف مرة من عبثيةالترتيبات التآمرية رغم قوة القائمين عليها، وأن هذا الانبعاث الفلسطيني له منبعواحد ووحيد وهو وجود الشعب الفلسطيني نفسه محتفظا بذاكرته الوطنية، متمسكا بوعيهبذاته كشعب، مدافعا عنيدا عن خصائص الهوية الوطنية، وأن هذا الشعب لا يمكن استيعابهفي أي بديل، فهو الشعب الفلسطيني وهذا هو وطنه فلسطين، وهذه هي الحقيقة الأولى،الحقيقة الخارقة الفاعلة الأساسية، أما دون ذلك أو غير ذلك، فليس سوى تفاصيل متغيرةفي الزمان والمكان على طريق الحقيقة الأولى المستمرة الخالدة. التراجيدياالفلسطينية مذهلة، متعمقة الأبعاد والأعماق والفاعلية، ولكن حين نغوص فيها بوعيشامل، فسوف نرى أن اختباراتها القاسية كانت دائما لصالح هذا الشعب الصغير العظيمالخارق الذي هو الشعب الفلسطيني!!! وأن انبعاث يوم الأرض هو استمرار لانبعاثاتخارقة على امتداد الأربع وستين سنة الأخيرة. أولم يصنع سكان الخيام الذينداهمتهم السيول والأوبئة وهم واقفون في طوابير أمام مراكز وكالة الغوث في انتظارلقمة تسد الرمق، ألم يستلموا راية الثورة العالمية، ويصنعوا أعظم ثورات التاريخالانساني، ثورة بساط الريح، ثورة المستحيل، وثورة الحجارة، وثورة الأجيال التي عبرتكل بحور وصحارى النسيان لتحضر بذاكرة ملهمة؟ الفلسطينيون الذين ظلوا بأرضهم داخلفلسطين بعد النكبة وحيدين أمام سياسات الأسرلة والذوبان وفقدان الملامح اعادواالحياة عبر مبدعيهم الكبار أمثال توفيق زياد وإميل حبيبي وسميح القاسم ومحمود درويشوغيرهم المئات، وأعادوا الألق إلى اللغة العربية ؟ ألم يتحول الشتات الفلسطينيالذي بلا حدود، إلى حضور مذهل للسؤال الفلسطيني في هذا الكون ؟ يوم الأرض هو هذاالمعنى، يوم الأرض هو هذه الرسالة، وبالتالي فإن أعظم عمق نضالي وكفاحي في خط سيرالقضية هو وجود الشعب الفلسطيني نفسه، وتعزيز عناصر صموده وإدانة أي طرف يضعف بوعيأو بدون وعي نسيج هذا الوجود والصمود، بحيث تبقى هذه القضية فوق الاستخدام، وفوقالمقايضة الرخيصة، وفوق كل الأوهام، هذه هي ذاكرة يوم الأرض وهذا هو المعنى وتلكمهي الرسالة.
يحيى رباح
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها