اسمحوا لي أن أسجل شهادتي عن الوضع في قطاع غزة, هذا الشريطذو المساحة الصفرية, ثلاثمائة وستون كيلو مترا مربعا فقط, يحتل الإسرائيليون خمسا وعشرينفي المائة منها تحت بند الحزام الأمني, ويختنق فيما تبقى أكثر من مليون ونصف المليون,قطاع غزة المولود أصلا من رحم النكبة, المسيج بالمخاوف والمحاذير فيضطر اللاعبون أنيرموه وراء ظهورهم كل على طريقته الخاصة, قطاع غزة التي تتجاور وتتحاور فيه المتناقضاتالحادة, الفقر المدقع والغنى الفاجر! الانسحاق تحت أقدام التهدئة المهيمنة والتفاخرالأبله بالمقاومة! انشطار كل فرد فيه إلى نصفين مصطرعين وانطلاقة جوقات التغني بالأمنوالأمان! قطاع غزة سدت في وجهه كل المنافذ, وأوصدت في وجهه كل الأبواب, ولم يعد مسموحاله إلا بالانتحار أو الانفجار.
لا يوجد لدى قطاع غزة الآن أية ضوابط, حتى ولا ضوابط الخوفمن الموت, أيها أفضل أن تموت في صمت أو تموت في صخب? لا أحد يمارس مسؤولية من أي نوعتجاه قطاع غزة, لا تصدقوا الأكاذيب والادعاءات, لا أحد يتحمل المسؤولية, لا أحد يتحملولو جزءا بسيطا من العبء, وحين يعامل قطاع غزة كرهينة, فإنه لا أحد يفكر في مصير الرهينة,يمكن أن تموت فلتمت, يمكن أن تشنق نفسها، فلتفعل، مئات من الناس يمرون في الشوارع وهميحملون في أيديهم غالونات بلاستيكية صفراء وخضراء ورمادية فارغة، يبحثون عن بنزين أوسولار، يتجولون هكذا في الشوارع على غير هدى مثلما مجانين الحكايات القديمة، علهم يصادفونرصيفا يعرض فيه أحد الباعة بعض كميات من السولار أو البنزين !!! من يدري؟ ربما... كلشيء في قطاع غزة تحت بند الاحتمالات غير المؤكدة !!! ما الذي يجري في قطاع غزة? لاأحد يجيب عن السؤال, كل طرف له قاموسه الفارغ المحفوظ عن ظهر قلب, كل طرف يطلق رشاشاتالاتهامات ضد أطراف أخرى تحملها المسؤولية دون أن يعرف إن كان يصدقه أحد, قطاع غزةمصدوم بمرارة الآن من قسوة الاكتشاف بأن الذين يتعاملون معه يستخفون به إلى حد الاحتقار,لا أحد قلق على قطاع غزة, لا بواكي له, ولقد سئم من كل ذلك, لا يريد أن يستمر في اللعبة,يريد أن يخرج من اللعبة ومن الدور الذي خصص له, ينظر إلى نفسه ويعلن أنه ليس هكذا,إنه ليس حشدا من الندابات المأجورات في وقت الموت, أو المنشدات المأجورات في وقت العرس!!!
لا... إنه ليس هكذا, له وجعه, له حلمه, ولديه ما يقوله حتىولو كره الكافرون الذين يلعبون بمصيره بكل هذه القسوة والاستهانة والاحتقار.
الإسرائيليون ينفضون أيديهم من اية مسؤولية يقولون لقد انسحبنا!!!وإذا, لماذا هذا الموت المفاجئ في كل مرة? لماذا هذه الاتهامات الصاخبة? لماذا هذاالحصار الخانق? وبقية الأطراف تكبل قطاع غزة حتى الاختناق بادعاءاتها التافهة التيلا يصدقها أحد, وغزة لن تموت وهي تنظر إلى نفسها, ولن تقبل بصمت ما يقولونه عنها, غزةأرض البدايات, لديها ما تقوله حين يحين موعدها مع الانفجار.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها