بعد أن اغرق الإسرائيليون، سفينة (ايتبريوس) الفلسطينية، التي كانت ترفع علم هندوراس، واسر خمسة من الفدائيين الفلسطينيين، الذين كانوا في طريقهم لتنفيذ العملية في مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية، اخضع هؤلاء الأسرى للتحقيق، وبعد ثلاثة أيام، وصلت الضفادع البحرية الإسرائيلية إلى شاطيء عنابة الجزائري، وأغرقت السفينة الفلسطينية الثانية (مون لايت)، بناء على التحقيق مع الأسرى، وليس نتيجة معلومات استخبارية إسرائيلية كما يقول يوسف الشرقاوي، عن تفاصيل العملية التي خطط خليل الوزير (أبو جهاد) لتنفيذها وسط تل أبيب، في مبنى وزارة الدفاع الإسرائيلي، لاخذ رهائن أسرى من كبار الضباط فيها وربما وزير الدفاع نفسه، ومبادلتهم بأسرى فلسطينيين وعربا من السجون الإسرائيلية.


بعد إغراق السفينة الفلسطينية الأولى في عرض البحر، وهي في طريقها إلى شاطيء يافا-تل أبيب، وإغراق السفينة الثانية في عنابة، فشل مخطط أبو جهاد بتنفيذ عملية غير مسبوقة، تعيد لمنظمة التحرير مكانتها، وتفرض على الإسرائيليين معادلات جديدة في الصراع.

ابو جهاد كان يريد أن يمزج بين المفاوضات والمقاومة، وكان يتحدث للمقاتلين والمقربين منه قائلا “العمليات التي ننفذها توجه رسالة إلى الإسرائيليين بأنهم إذا أرادوا استمرار القتال فنحن على أهبة الاستعداد، وإذا جنحوا للسلم، فإننا أيضا سنكون على استعداد لذلك”.

وبعد فشل العملية، بدا أبو جهاد متماسكا، وتم إجراء تقييم لما حدث طوال عامين من التدريب القاسي والتخطيط ثم البدء بالتنفيذ، ومما تم استخلاصه، التركيز على عمليات الاستطلاع قبل تنفيذ أية عملية، وتضييق دائرة من يعلمون بالعملية في عدد محدود جدا من الأشخاص، والاستعداد الجيد، وأهمية سرعة انزلاق القوارب من الباخرة في البحر، والاتجاه إلى الهدف فورا.
 
ويقول الشرقاوي عن العملية“من وجهة نظري فانه في هذه العملية كان هناك قدر من النجاح، حيث استطاع الفدائيون الاشتباك مع الإسرائيليين، رغم عدم التكافؤ بين القوتين، وبالنسبة لنا فان مجرد الاشتباك في عرض البحر يعتبر نجاحا نسبيا، ولكن في المقابل، فإننا فشلنا في تنفيذ عملية مدوية، لو نجحت بالكامل وتم اقتحام مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية، لكان بالإمكان البناء عليها، وخسرنا 24 شهيدا من صفوة المقاتلين، وبعد تدريب وانقطاع عن عائلاتهم استمر عامين.

أبو جهاد يواصل التخطيط لعمل فدائي مدوي

يظهر من التطورات التي حدثت لاحقا، بأن أبا جهاد، استمر في التخطيط لتنفيذ عملية  فدائية مدوية، وان الفشل في استهداف وزارة الدفاع الإسرائيلية لم يثنه عن التفكير هذه المرة في استهداف مفاعل ديمونا، وهي العملية التي خرجت إلى حيز التنفيذ خلال الانتفاضة الأولى، حيث تمكنت مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين من السيطرة على حافلة إسرائيلية لنقل العاملين في مفاعل ديمونا، يوم 7-3-1988، والاتجاه بما تحمله من فنيي المفاعل إليه، قبل أن تتمكن القوات الإسرائيلية من الاشتباك مع المسيطرين على الحافلة، وإحباط الوصول إلى المفاعل النووي الإسرائيلي الذي يحظى بحراسة أمنية مشددة، بعد أن اصبح الفدائيون قريبون جدا منه، ونتج عن العملية قتل 50 من الفنيين الإسرائيليين واستشهاد منفذي العملية الثلاثة.

والاعتقاد لدى المتابعين، بان وقوف أبو جهاد شخصيا خلف عملية ديمونا، هي السبب التي جعلت إسرائيل، تقرر اغتياله، ولكن صحيفة معاريف تشير بأنه بعد العملية البحرية التي كانت تستهدف وزارة الدفاع، قررت الحكومة الإسرائيلية برئاسة شمعون بيرس في عام 1985، اغتيال أبو جهاد، وانه تم تنفيذ ثلاث محاولات فاشلة قبل الوصول إليه في تونس واغتياله في شهر نيسان (أبريل1988 (

تميز أبو جهاد بإيمانه بالإبداع، واعطاء الفرص للآخرين وبالشجاعة، وكثيرا ما كان يشاهد وسط المقاتلين في أثناء القصف أو بعد عمليات إنزال إسرائيلية، وكان له دورا مهما سواء خلال عملية التوغل الإسرائيلية التي عرفت باسم عملية الليطاني عام 1978، أو خلال حصار بيروت 1982

و كان لدى أبو جهاد شخصية لها حضور وهيبة بين المقاتلين، ويحظى باحترامهم، وكان على تواصل دائم معهم، حتى بعد الخروج من بيروت.

وكان جميع المقربين من ابو جهاد على يقين  بأن فشل عملية اقتحام وزارة الدفاع الإسرائيلي، لن تثنيه عن مواصلة التخطيط، ولم نفاجأ بعملية ديمونا.

بعد فشل عملية استهداف وزارة الدفاع الإسرائيلية، خرج أبو جهاد والشرقاوي وغيرهم ممن لهم علاقة بالعملية من الجزائر، وأصبحت تونس هي مكان إقامة أبو جهاد، وفي هذه الإثناء، ومنذ عام 1985، كانت أجهزة الأمن الإسرائيلية تجمع أية معلومات عن تحركاته بعد أن اصبح على قائمة الموت الإسرائيلية.

وكشفت معاريف عن ثلاث محاولات إسرائيلية فاشلة لاغتياله، وذكرت “كل محاولة لاغتياله بعد عام 1985 كانت تتم بعد عملية جمع معلومات استخبارية طويلة. مع مرور السنين تراكمت معلومات كثيرة في ملف أبو جهاد وفيها تفاصيل نمط حياته. في إحدى الحالات سافر أبو جهاد خلال أيام طويلة في سيارة مفخخة بالقنابل ولكن هذه القنابل لم تنفجر لسبب ما وهناك شك طبعًا انه كان يعرف بالأمر حتى بعد الفشل، وفي حالة أخرى أطلق الرصاص على مكان يتواجد فيه أبو جهاد. وفي مرة أخرى انفجر صاروخ ولكن الهدف لم يتضرر مرة أخرى”.

أما الشرقاوي فيشير إلى نجاة أبو جهاد من عدة عمليات اغتيال إسرائيلية، ويكشف عن إحدى هذه العمليات، حين قصف الإسرائيليون من البحر سيارته التي يقودها في طرابلس، برشقة من صواريخ جراد، ولكنه واصل السير رغم العطب الذي أصاب إطارات السيارة ونجا.

ولكن الإسرائيليين لم يتوقفوا، وكانت لديهم مهمة لا تقبل التأجيل، فتم الوصول إلى أبي جهاد أخيرا، وبعد ثلاث سنوات من اتخاذ قرار اغتياله، إلى مكان سكناه في تونس العاصمة في عملية محكمة. وباستشهاد ابو جهاد ودع هذا القائد الذي تجرأ على تجاوز الخطوط الحمراء الدنيا يوم 16-4-1988، دون أن تكتحل عيناه مرة أخرى بمسقط رأسه مدينة الرملة التي ولد فيها عام 1936، واصبح لاجئا في غزة وعمره12 عاما.