الخليل 6-9-2017 - فضل عطاونة
عادت مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، لتتصدر هذه الأيام عناوين الصحف، بعد قرار وزير الجيش الاسرائيلي افيغدور ليبرمان، بأنشاء "مجلس بلدي" لإدارة شؤون المستوطنين فيها، والذين يقيمون في أربع بؤر استيطانية في البلدة القديمة، الى جانب المستوطنة الأم "كريات أربع" شرقي المدينة.
هناك.. حيث عبق التاريخ وقداسة الأنبياء وقبور إبراهيم وزوجته سارة، ويعقوب وزوجته عليهم السلام، وهناك أيضا حيث سحر الماضي السحيق لأحياء وأسواق عتيقة تتربع على أرض المكان منذ خمسة آلاف عام، تحاصر مئات العائلات الفلسطينية وقائع مليئة بالوجع والحرمان من الأمان.
في المدينة العتيقة الممتدة من شارعي الشلالة والشهداء المغلق منذ المجزرة الرهيبة في الحرم الشريف فجر يوم الجمعة 25/2/1994، وفي تل الرميدة، ووادي النصارى، والحصين، والرأس، والبقعة، والسلايمة، وغيرها من الأحياء المحاصرة بالمشاريع الاستيطانية التوسعية، يجد المواطنون البسطاء، أطفالا ونساء، أنفسهم على الدوام في الهامش الضيق الذي تنحشر فيه مناطقهم بين وطأة الإجراءات التعسفية الإسرائيلية التي يزاولها جنود متأهبون على الدوام للقتل، ومستوطنون مسلحون بأنياب العنصرية.
'إن حقيقة كل نشاط عسكري ميداني يزاوله جيش الاحتلال في المدينة إنما يتم بذريعة أمنية تتعلق بتواجد نحو 500 مستوطن، وبتطوير المشروع الاستيطاني' يقول خبراء في شؤون الاستيطان.
ويؤكد مواطنو المدينة 'أن حملة المستوطنين المستمرة من أجل توسيع المستوطنات القائمة، على حساب اراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، تسير جنبا إلى جنب مع قرارات المصادرة العسكرية الإسرائيلية، وأوامر قادة الاحتلال وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو، وليبرمان، لتحقيق حلم اقامة ما يسمى "الخليل اليهودية!!".
وتكشف عملية استيلاء المستوطنين مؤخرا على منزل عائلة ابو رجب، وحادثة تهديد مستوطني "كريات أربع" لسيدة من سكان المدينة بالاغتصاب، في الرابع والعشرين من آب الماضي، وتوجيههم عبر مكبرات الصوت، الاهانات والشتائم الى سكان آخرين في حي "الحرايق"، المستوى الهابط للحياة الآمنة، حيث يعيش مئات المواطنين وكأنهم في سجن.
ويقول نشطاء في تدوين الانتهاكات الإسرائيلية في الخليل، يتسلحون بكاميرات منحتهم إياها منظمة 'بتسيلم' الحقوقية الإسرائيلية، لرصد الهجمات 'الدموية' للجيش والمستوطنين، إن قصة السيدة التي هُددت بالاغتصاب، هي في الواقع المليء بالوجع قصة ليست استثنائية، فالحياة في "وادي النصارى والحصين والحرايق والرأس" ومحيطها، تحتاج إلى ما هو أكثر من الانتباه، وإلى برنامج عملي يخرج المواطنين من محنتهم ويعزز صمودهم في منازلهم وأراضيهم.
هناك في هذه الأحياء، وفي البلدة القديمة يبتهل الآباء والأمهات إلى الله كل صباح بأن ينجي أبناءهم الذاهبين إلى مدارسهم من شرور المستوطنين.
ويجد أكثر من 20 ألف طالب وطالبة من طلبة الخليل ممن تقع مدارسهم على خطوط التماس، أو أولئك المقيمين في البلدة القديمة أنفسهم، في دائرة المواجهة، وقبضة الخوف، والنيران الإسرائيلية.
في مدارس: قرطبة، واليعقوبية، واليقظة، والفيحاء، والإبراهيمية الواقعة جميعها على مقربة أمتار قليلة فقط من البؤر الاستيطانية الأربع في المدينة القديمة، ومدارس أخرى في محيطها، تتضاعف المرارة لدى التلاميذ المتوجسين على الدوام من هجمات المستوطنين الذين يطلقون الكلاب المتوحشة والمدربة تجاههم، أو يهاجموهم بالحجارة والزجاجات.
ويشير الباحث في مؤسسة 'بتسيلم' موسى أبو هشهش إلى أنه لا يمكن لأحد أن يخضع ما يجري في الخليل لإحصائيات دقيقة لفعاليات القتل والتنكيل والإغلاق التي يزاولها جيش الاحتلال والمستوطنون.
ويضيف: 'في الخليل كل مواطن هدفا محتملا لعنف وإرهاب مليشيات المستوطنين المسلحين بالبارود والعنصرية.. إنها مدينة في القبضة المنفلتة لإرهاب الاحتلال'.
وفي الخليل حيث يجهد المستوطنون دون كلل لإقامة 'دويلة' لهم، تجد الحواجز العسكرية، والبوابات الكترونية والحديدية، وإغلاق أحواش، واستيلاء على منازل، ومصادرة ممتلكات، واحتلال أماكن مقدسة، ونقاط تفتيش ومراقبة، وجنود يضعون أصابعهم دوما على الزناد، وعربدة، وترويع، وإحراق حقول ومتاجر وسيارات، وتهجير، وعنصرية، ورغبة جامحة للقتل.
ويؤكد الناشط في لجنة الدفاع عن الخليل والباحث في مؤسسة الحق هشم الشرباتي، أنه في البلدة القديمة ومختلف الأحياء القريبة من المستوطنات وسط وشمال شرق المدينة، يظل أكبر الوجع اعتداءات المستعمرين الإسرائيليين وسياسات الحصار والإغلاق التي تفرضها قوات الاحتلال.
ويقول: هناك نحو 520 متجرا في المينة القديمة مغلقة بموجب أوامر عسكرية اسرائيلية منذ العام 2000، الى جانب اغلاق شوارع حيوية كشارع الشهداء، وميدان السهلة، فيما تحاصر عشرات الحواجز ونقاط المراقبة العسكرية (اكثر من 100 حاجز ونقطة مراقبة) حياة المواطنين.
ولفت الباحث الشرباتي، الى ان ما يحدث في الخليل هو ' تطهير عرقي' ضد الوجود الفلسطيني في البلدة القديمة ومحيطها.. في سياق تأمين ربط جغرافي بين البؤر الاستيطانية ومستوطنة "كريات أربع"، وأن قرار وزير الجيش الاسرائيلي الأخير بإنشاء مجلس بلدي للتجمعات الاستيطانية في المدينة، انما يندر في سياق عملية التطهير التي تمارس رويدا رويدا.
وتؤكد تقارير لجنة إعمار الخليل أن الانتهاكات التي يقوم بها جيش الاحتلال والمستوطنون في الخليل ومحيطها، تسببت في تهجير العائلات الفلسطينية من مئات المنازل.
وقالت اللجنة في بيان صادر عنها أمس، إنها تنظر إلى قرار وزارة جيش الاحتلال افيغدور ليبرمان، الخاص بتخويل المستوطنين اليهود في البؤر الاستيطانية الموجودة في البلدة القديمة بمدينة الخليل صلاحية إنشاء مجلس مستوطنين ذات صلاحيات واسعة شبيهة بصلاحيات المجالس والبلديات الموجودة داخل دولة الاحتلال "باطل وغير قانوني وهو مخالف لكافة القوانين والمعاهدات الدولية".
وأوضحت ان قرار وزارة جيش الاحتلال جاء رضوخا لطلبات المستوطنين المستمرة من اجل إعطائهم صلاحيات إدارة شؤونهم وشؤون المنطقة التي يحاولون اقتطاعها من البلدة القديمة، بما في ذلك إدارة الممتلكات الفلسطينية التي يسيطرون عليها وأي عقارات أخرى تحت حوزتهم أو يضعون اليد عليها0
وقال البيان: ان اقتطاع دولة الاحتلال لمنطقة من وسط مدينة تاريخية مسجلة على لائحة التراث العالمي وتسليم مصيرها لقطعان المستوطنين الذين استولوا بالقوة على العديد من المباني وهدموا أخرى وما فتئوا يمنعون لجنة إعمار الخليل من ترميم البقية الباقية من الموروث المعماري العريق؛ لهو تحد صارخ لمنظمة الأمم المتحدة للتربية وللثقافة والعلوم "اليونسكو" وقراراتها ومسؤولياتها .
وحذرت لجنة إعمار الخليل من المخاطر الناجمة عن تنفيذ هذا القرار على سكان البلدة القديمة وممتلكاتهم التي ستصبح رهينة بيد مجلس بلدي المستوطنين، وعلى الحرم الإبراهيمي الشريف، مطالبة المجتمع الدولي ومنظماتها الإنسانية والقانونية بضرورة التحرك الفوري العاجل لكبح تنفيذ هذا القرار الجائر.
محافظ الخليل كامل حميد، أكد في بيان صادر عن المحافظة، أن اعلان اقامة أو تشكيل سلطة محلية أو بلدية يعتبر الغاء لاتفاقية الخليل التي تؤكد أن المدينة بشقيها H1 وH2 ، تخضع لصلاحية بلدية الخليل.
وشددت المحافظة، على أن خطة اسرائيل الاستيطانية في قلب المدينة متواصلة ومستمرة، وهي تنفذها على عدة مراحل وبمخططات وطرق مختلفة.
وهكذا.. في صورة البلدة القديمة من الخليل، تفصح المعطيات كل يوم عن جرعات زائدة من المرارة في الإجراءات العسكرية الإسرائيلية المطبقة بهدف تأمين حماية للمستوطنين، إضافة إلى وقائع أخرى تكشف عن فداحة المحنة التي منيت بها مدينة تتنفس على مدار الوقت رائحة القهر، غير أنه للصمود هناك معنى مختلف تستشرفه في التجربة اليومية للناس الذين يسجلون يوميا اعمالا بطولية دون ضجيج أو انتظار لإطراء من أحد.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها