غزة -  على الرغم من مرور 21 عاما' على اغتيال الشهداء القادة صلاح خلف وهايل عبد الحميد وفخري العمري إلا أن هذه الحادثة لا زال الكثيرون من الكتّاب والمواقع الإعلامية تنشر الكثير من المعلومات المغلوطة حول هذه الحادثة والأغرب من ذلك هو الإصرار على نشر قصة مختلقة لا نعرف مصدرها حتى الآن !! فالأحداث التاريخية المهمة والمؤثرة في تاريخ ووجدان الشعوب تؤخذ من الأشخاص الذين عايشوا تلك الأحداث خاصة وأن الحدث الذي نتحدث عنه مازال الذين عايشوه على قيد الحياة ويسوؤهم ما يقرؤونه عن تفاصيل الحادث كل عام من روايات غير صحيحة أو من أفواه أشخاص لم يكونوا حتى بالقرب من أي من الشهداء الثلاثة !!

 
إن ما دعانا إلي محاولة تصحيح ما حدث في قرطاج ليلة 14/1/ 1991 هو أهمية هؤلاء الرجال القادة الثلاثة في التاريخ الوطني الفلسطيني، وما قدموه إلى القضية الفلسطينية لا يحتاج إلى إعادة تكرار كما يحدث كل عام فمناقبهم متعددة ويكفيهم أنهم من الرعيل الأول المؤسس للثورة الفلسطينية المعاصرة  وتكريمهم يكون بذكر الرواية الحقيقية كما حدثت لا بترويج روايات باطلة ومختلقة أو التقليل من شأنهم وإظهارهم ( كقادة للأمن الفلسطيني) أنهم كانوا مسئولين عن تأمين وحراسة موكب الرئيس أبو عمار( رحمه الله) وهو ما لم يحدث يوما' فالرئيس أبو عمار رحمه الله كان له أجهزته الخاصة المنوط بها حمايته وتأمين موكبه ولم يكن الأمن الموحد أو المركزي يتدخل في هكذا عمل ويعلم ذلك كل من يعمل في منظمة التحرير الفلسطينية !

 

تفاصيل الحادث :-


في تمام الساعة الثامنة والنصف من مساء يوم 14/1/1991 اتصل الشهيد أبو إياد بالشهيد أبو محمد العمري طالبا' منه موافاته إلى منزل الشهيد أبو الهول في اجتماع عاجل لمناقشة تداعيات حرب الخليج الأولى على القضية الفلسطينية فقال له أبو محمد أن سيارته بها عطل منذ الصباح ولا يستطيع القدوم فما كان من أبو إياد إلا أن أرسل له السائق التونسي ( صلاح) لأخذ السيارة للتصليح وأخبره أن أبو إياد سوف يمر عليه بعد قليل لاصطحابه معه. وبعد نصف ساعة تقريبا' حضر الشهيد أبو إياد إلي منزل الشهيد أبو محمد واصطحبه في سيارته إلي منزل الشهيد أبو الهول حيث وصلا إلى هناك مابين التاسعة والعشرة ليلا' حيث استقبلهما الأخ أبو الهول. واجتمع القادة الثلاثة في صالون منزل أبو الهول بينما بقيت الحراسات والمرافقين في باحة المنزل الخارجية لتأمين الحراسة كما جرت العادة.

في هذه الأثناء علم القاتل حمزة أبو زيد بوصول الشهيد أبو إياد إلى منزل أبو الهول وهو من حراسات أبو الهول وكان قد سبق تجنيده للعمل في جماعة أبو نضال ( المجلس الثوري) وهي جماعة مشبوهة قامت بتنفيذ الكثير من العمليات لصالح إسرائيل وبعض الدول العربية ولم تقم يوما' بعملية لصالح القضية الفلسطينية .. ويذكر أن أبو نضال هذا والذي قتل في العراق فيما بعد كان قد صدر ضده حكم بالإعدام في السبعينيات صادر عن المحكمة الثورية الفلسطينية عقابا' له على ما اقترفت يداه بحق أبناء الشعب الفلسطيني ..

ويذكر أيضا' حسب اعترافات القاتل حمزة أبو زيد انه كان مكلفا' بترقب وصول أبو إياد إلي منزل أبو الهول وتحين الفرصة للنيل منه وقتله. وفي تلك الليلة لم يجد القاتل حمزة فرصة أثمن من ذلك فها هو أبو إياد لا يفصل بينه غير الباب الخارجي الذي يوصل إلى داخل المنزل ولكن واجهته مشكلة أنه لم يكن في هذا اليوم ضمن طاقم الحراسة لدى الشهيد أبو الهول فقد كان للتو قد أنهى دوامه واستلم (الشفت) الثاني نوبة الحراسة منه فوقف قليلا' يتسامر مع الشباب من مرافقي أبو إياد وزملاؤه الآخرين الذين يعمل معهم طرف أبو الهول حتى أن وجوده أثار تساؤل أحمد سعيد مسئول مرافقي أبو الهول وقال له .. ماذا تفعل يا حمزة ألم ينتهي دوامك لماذا أنت هنا ؟ فقال له سيارة الأخ أبو إياد هذه هل هي مصفحة وضد الرصاص !؟ فقال له طبعا فرد عليه حمزة إنه يستطيع أن يطلق عليها النار ليثبت لهم أنها ليست مصفحة وقام بسحب أجزاء سلاحه ( كلاشنكوف ) فقام المرافقون بالتدخل لمنعه من إطلاق النار على السيارة لأن ذلك سوف يثير غضب أبو الهول إن هو فعل ذلك بسيارة أبو إياد !!

كان هدف القاتل ليس بالطبع إطلاق النار على السيارة ولكن كان يهدف لوضع سلاحه في حالة الجاهزية ولم يقم بسحب الحبة من بيت النار ثم انصرف واهما' الشباب الآخرين إنه ذاهب بوضع سلاحه في غرفة السلاح ومن ثم الذهاب لمنزله ليرتاح بعد انقضاء دوامه !!؟

بعد ذلك تسلل القاتل حمزة نحو باب المنزل الداخلي وسلاحه في يده( جاهزا' لإطلاق النار ) وقام برن الجرس ففتحت له الخادمة فقال لها أن هناك خللا' في مصباح الضوء الخارجي وطلب منها الدخول لتفحص مفاتيح الضوء من الداخل فسمحت له بذلك ( فقد كان من أهل المكان ) ولم يكن في محل شبهة لا من زملاؤه ولا من سكان المنزل فما كان منه إلا أن توجه مباشرة إلى الصالون الذي يجتمع فيه القادة الثلاثة حيث وجه سلاحه مباشرةً إلى الشهيد أبو إياد الذي كان يجلس بجوار الشهيد أبو محمد العمري بينما كان يجلس الشهيد أبو الهول على كرسي منفرد الى يمين الشهيد أبو إياد. وقبل أن يطلق النار وقف أبو محمد العمري وهم بتخليص القاتل سلاحه فعاجله حمزة بصلية من سلاحه لم يملك بعدها إلا الارتماء على أبو إياد في محاولة أخيرة لحمايته إلا أن القاتل حمزة استمر في إطلاق النار على الشهيدين بلا رحمة فاستشهدا على الفور وسط ذهول أبو الهول رحمه الله الذي ظل يصرخ عليه ليتوقف فعاجله هو الآخر بعدة طلقات ثم فر باتجاه الدرج الموصل إلى غرف النوم بالطابق الأعلى وقام باحتجاز زوجة أبو الهول وابنته طالبا' طائرة تقله إلى الجزائر!

وعلى الجانب الآخر من المشهد وبعد أن سمع الحراس والمرافقين إطلاق النار سادت الفوضى واعتقد بعضهم أن إطلاق النار من خارج المنزل فخرج بعضهم مسرعين كما فعل ( فؤاد النجار – أحد مرافقي الشهيد أبو إياد) لمواجهة أي إطلاق من الخارج إلا أن صراخ أبو الهول الذي وصل إلى باب الفيلا زاحفا' نبههم أن صوت الرصاص كان على القادة في الداخل وسمع الجميع أبو الهول يقول ( قتلنا الجاسوس .. قتلنا الجاسوس ) فقاموا بإخلائه فورا' من المكان باتجاه المشفى حيث فارق الحياة هناك. أما داخل المنزل فكان أول الداخلين أبو أحمد الكباريتي  وهو من قدامى مرافقي الشهيد أبو إياد حيث أذهله ما رآه في صالون المنزل ( كما روى في إفادته بعد الحادث) حيث ذكر إنه رأى الشهيد أبو إياد جالسا' وفوقه الشهيد أبو محمد العمري وحينما حاول إسعافهما لم يستطع حمل أبو محمد العمري وحده فالرصاص كان قد مزق جسده  ( رحمه الله) واستطاع حمله بمعاونة رفاقه حتى يحافظ على الجسد سليما' أما أبو إياد فقد كان يجلس وقد فارق الحياة هو الآخر وتبين فيما بعد أنه أصيب بثلاث طلقات بينما أصيب أبو محمد العمري بأكثر من عشرين رصاصة مزقته تماما' أما الشهيد أبو الهول فقد أصيب بطلقة واحدة وهو الوحيد الذي فارق الحياة بعد وصوله للمشفى أما أبو إياد وأبو محمد فقد فارقا الحياة فورا'.

هذه هي تفاصيل الحادث الحقيقية كما حدثت ومن أفواه الذين شاهدوا الحدث وعايشوه وغير ذلك هو محض كذب وافتراء. فهكذا جرى الاغتيال، وهكذا تمكن القاتل حمزة أبو زيد من الظفر بغنيمته، حيث أفاد أثناء التحقيق معه بعد أن تمكن الأمن التونسي من القبض عليه إنه أراد فقط قتل أبو إياد ولكن وقوف أبو محمد حائلا' أمامه وصراخ أبو الهول هو الذي دفعه لقتل الجميع في هذه الليلة.

بقي كلمة أخيرة يجب الإشارة إليها وهي أن الوحيد الذي ظلم إعلاميا' هو الشهيد المناضل فخري العمري ( أبو محمد ) وقد نتفهّم ذلك نظرا' لأن الرجل كان رجلا' أمنيا' وعسكريا' ولم يكن رجلا' سياسيا' معروفا' فطبيعة عمله حتمت عليه أن يعيش بعيدا' عن أي أضواء والأمر الذي لا شك فيه إنه أيضا' لم يكن مدير مكتب الشهيد أبو إياد أو رجل ظله بل كان أحد أكبر معاونيه الأمنيين وكان له صولاته وجولاته، وأعداء الثورة الفلسطينية يعرفونه جيدا' ويعرفون طبيعة العمليات التي قادها وخطط لها في جميع أنحاء العالم فقد كان رحمه الله صاحب فكرة عملية ميونخ الشهيرة وأحد أبرز مخططيها كما قاد عملية الدار البيضاء في المغرب والتي أدت إلى الاعتراف العربي بمنظمة التحرير الفلسطينية، ومن ثم فتح الباب للتمثيل الفلسطيني وذهب أبو عمار رحمه الله إلى نيويورك حاملا' غصن الزيتون في يد وفي اليد الأخرى بندقية الشعب الفلسطيني وغير ذلك كثير من عمليات بطولية لا يتسع المجال لذكرها هنا ولكننا نقول لهم في ذكراهم أل 21 أن فتح والثورة الفلسطينية تفتقدكم كثيرا' وتعاهدكم أن تكريمكم يكون بالسير على خطاكم من أجل فلسطين التي ضحيتم بدمائكم من أجلها.