فتح ميديا / لبنان، يشهد تاريخ إسرائيل منذ عام 1948 على تعالي قادتها وعنادهم وعجرفتهم وتنكرهم وعدم امتثالهم لقرارات الشرعية الدولية، ونقض الاتفاقات والمعاهدات المبرمة والتخلص من تنفيذ قراراتها وتحوير بنودها وتغيير آلياتها.

وقد أعطوا لأنفسهم الحق في التعاطي من طرف واحد في التدخل في شؤون الدول الحليفة كالولايات المتحدة الأميركية، وايطاليا، والأرجنتين وبلدان أخرى. وإن قضية بولارويد الجاسوس الصهيوني أحدثت ضرراً كبيراً للأمن الأمريكي بنقل وتهريب معلومات بالغة الدقة والحساسية إلى دولة الصهاينة. وان محاولات رؤساء وزراء إسرائيل السابقين والحاليين (رابين، بيريز، براك، ونتنياهو) إطلاق سراحه باءت بالفشل حتى اللحظة.

وقد سمحت دولة الصهاينة لأجهزتها الأمنية استخدام جوازات سفر بريطانية، وكندية، وايرلندية، واسترالية في تنفيذ عمليات اغتيالات في لبنان وتونس والخليج العربي. وقامت مخابراتها بخطف مردخاي فنونو من وسط روما ونقله إلى إسرائيل حيث مازالت قضية الخطف تتفاعل، وقبلها خطفت أجهزتها أيخمن من الأرجنتين وحكمت عليه بالموت.

هذا الاعتداء الصارخ والفاضح والمشين يرتكز على تأييد أو غض طرف من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية، وتمتع الصهاينة بالقوة العسكرية الضاربة، وخوف البعض من عقدة اللاسامية التي ترفعها إسرائيل في وجه كل من يقف ضدها، وكذلك نتيجة الضعف العربي والتمزق والتشتت الفلسطيني والارتهان لولاءات إقليمية.

لذا، تبقى إسرائيل تتصرف فوق القانون ولا تمتثل له وهي الدولة الوحيدة في العالم التي أنشئت بقرار مجلس الأمن رقم 181 الذي نص على تقسم فلسطين عام 1947، وتضمن إقامة دولة يهودية ودولة عربية (أسقطت فلسطين) ومنطقة دولة حول القدس. التزمت أمريكا وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفياتي والصهيونية العالمية فيما يخص الصهاينة وطرحوا جانباً النقاط ذات العلاقة بالفلسطينيين، وتمادت الصهيونية في صلفها وغيّها وطغيانها ووحشيتها. وان دولة الصهاينة لم تنفذ ولم تتقيد بأي بند من قرار194 لعام 1948 المتضمن اعترافا دوليا بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا منها وتعويضهم لما لحق بأملاكهم ومعاناتهم.

كيف لدولة الاغتصاب أن تلتزم وهي اليوم تعمل على تهجير قبائل البدو الفلسطينية من داخل المنطقة الخضراء في فلسطين 1948؟ وتنكرت دولة الاحتلال والاغتصاب لقرار 242 لعام 1967 الذي تضمنت حيثياته القانونية (الانسحاب من أرض عربية)، أي من الضفة الغربية وغزة والجولان، وإيجاد حلٍ عادل للاجئين الفلسطينيين. وتجاوزت قرار 338 لعام 1973 القاضي في "بدء محادثات سلام بين أطراف الصراع من أجل إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط". كما أن قضية مدينة الخليل لم تجد حلاً بعد. منعُ التجوال ما زال سارياً في وسط الخليل، والجيش الصهيوني يعمل على حماية /400/ يهودي مقابل 140,000 ألف فلسطيني في الخليل حرموا من مزاولة أعمالهم التجارية والتنقل والعيش في المدينة. وهذه مدينة بيت لحم الواقعة ضمن منطقة السلطة الوطنية الفلسطينية أيضاً شق الصهاينة طريقاً خاصاً بهم للوصول إلى قبر راشيل في وسط المدينة!!! إلى متى تبقى إسرائيل دولة فوق القانون؟ والى متى يبقى الفعل العربي صامتاً ومانعاً؟ وإلى متى يبقى التوحد والتصالح الفلسطيني مرتهناً لأجندات إقليمية ودولية؟!!

مؤتمرات عُقدت وشارك فيها دول أوروبية، وروسيا، وأمريكا والعرب من أجل تحقيق السلام/ ومنها مؤتمر مدريد عام 1991 تحت شعار "الأرض مقابل السلام". تلاه اتفاق أوسلو عام 1993، الذي نصّ على "إقامة السلطة الوطنية كخطوة أولى في طريق السلام". تلاه اتفاقات أخرى، وبقيت إسرائيل تتحكم بطرق المواصلات وتقيم الحواجز بين المدن الفلسطينية، وكذلك بين المناطق الفلسطينية أ،ب،ج، وبين الضفة وغزة، وتشرف على المنافذ البرية والبحرية والجوية والمياه الجوفية. ولم نلحظ أية تغييرات في خطط الصهاينة خطة رابين اعتمدت على إبدال حكم مباشر، إي إبدال وجود الجيش الصهيوني في وسط الضفة الغربية إلى الحكم غير المباشر، أي وجود الجيش خارج المدن الفلسطينية. وخطة شمعون بيريز تحدد بوضوح المستوطنات الصهيونية والحجم الصهيوني في الضفة.

ويرفض، كما يرفض نتنياهو وافغدور ليبرمان وغيرهما اعتبار المستوطنات كونها عقبة في طريق السلام. وتلا اتفاق أوسلو واي ريفر عام 1998، وشرم الشيخ عام 1999، وكامب ديفيد عام 2002 الذي غاب عنه حق تقرير المصير ومساحة الأرض الفلسطينية، ثم كان اتفاق طابا الذي أجل تواريخ إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي، ثم محطة جنيف 2003 تحت شعار "دولة فلسطينية منزوعة السلاح"، والذي يقضي بإزالة غالبية المستوطنات والاعتراف بالقدس عاصمة الدولة الفلسطينية.

ثم طرح جورج بوش خارطة الطريق عام 2003، أيدها الفلسطينيون وتمسكوا بها كما أيدتها روسيا وأمريكا وأوروبا والأمم المتحدة، وتحفظ عليها الصهاينة وتمادوا في توسيع المستوطنات القائمة وبناء مستوطنات جديدة وادخلوا جدار العزل العنصري، وطردوا المقدسيين عن مدينة القدس.

القاسم المشترك بين هذه المبادرات والخطط والمؤتمرات فقدانها آليات وميكانيزم عمل محدد وخلوها من جدولة زمنية دقيقة، وغموض متعمد في نصوصها وتناقض تلك النصوص أحياناً. وأهم من ذلك فقدان إرادة دولية في إيجاد حل للصراع، وتأييد أميركي مطلق وشامل للصهاينة طالما أن مصالحها الإستراتيجية والبترولية مؤمنة، ولتشتت رؤى عربية ووهن أنظمة وصراع فلسطيني داخلي.

هذا، وتبقى الصهيونية عنصراً ضرورياً ولازماً لليهود حتى الفريق الأكاديمي والمتنور منهم، ذكر بني موريس في كتابه خرافة أسطورة تأسيس إسرائيل زيف أسطورة المجتمع الإسرائيلي والدولة الاشتراكية وأن تهجير الفلسطينيين بالقوة سياسة ممنهجة قديمة- حديثة بدأت مع بن غوريون وما زالت مستمرة حتى اليوم ولكنها ضرورة لا بدَّ منها. وقال زيف ستيرنهل أن إقامة دولة يهودية تتطلب طرد الفلسطينيين (أدوارد سعيد، نهاية عملية السلام، ص 275) وأضاف ستيرنهل متحدثاً عن زيف مجتمع إسرائيل الليبرالي، الاشتراكي والدولة الديمقراطية ممثلاً بحزب العمال بشكل عام والهستدروت بشكل خاص. وذكر بني مورس أن سياسة ترحيل transfer الفلسطينيين ضرورة وأرجع ذلك إلى ما قام به الجيش الصهيوني وإلى هرب الفلسطينيين من الحرب.

واليهود، سواء كانوا متحررين، مثقفين مؤرخين أو متنورين (بني مورس، إتمار إبينوفتش، زيف ستيرنهل، إلخ)، فإن رؤى الصهيونية فيما يخص الصراع مع الفلسطينيين (بما فيهم حزب ميرتز اليساري) فإنهم يعيشون عقدة الانفصام  (الانشطار schizophrenic)، وتبقى الصهيونية محركا لهم (راد وارسعين، ص 273-277). الصهاينة يودون السلام بطريقتهم الخاصة شرط بقاء الفلسطينيين مهمشين ودرجة ثانية لليهود عمال بناء، مزارع، تنظيفات، وأجراء.

يلاحظ التناقض بين الديمقراطية واليهودية. كيف يمكن قبول دولة يهودية ديمقراطية ويبقى مليون ونصف مليون غير يهودي (الفلسطينيون) لا يتمتعون بحقوق متساوية، وحق تملك الأرض وإقامة مساكن عليها وحق العمل والتنقل وإبداء الرأي...

مقارنة مع اليهود الطارئين من أفريقيا، وروسيا، وأمريكا وأوروبا والبلاد الأخرى.

المنفذ الوحيد للسلام، كما قال إسرائيل شاحاك وعزمي بشارة (إدوراد سعيد، خطة السلام،  ص282)، يكون بإيجاد مناخ عدل ومساواة بين الفلسطينيين واليهود. وهل يمكن تحقيق ذلك؟ واليهود يصُرون على دولة يهودية الهوية؟!!

السلام يتحقق بين أطراف متساوية بعد انتهاء الاحتلال. لا أحد يقبل بأقل من ذلك.