بقلم: نديم علاوي

تكسو خصلات عشب أخضر سهول نبع العوجا شمال مدينة أريحا، إلا أن أغنام وماشية مملوكة لعائلات رشايدة، وعبيات، لم ترتع في مرعاها المعتاد اليوم، لأول مرة منذ أعوام.

صباح يوم السبت، استفاق سكان تجمع "عين رأس العوجا" على حصيلة أولية تقارب مئة رأس من الأغنام مسجاة بالدماء على التراب، و1500 مفقودة من حظائرها.

يقول داود زايد رشايدة (47 عامًا): "لا حركة بالحظائر، ولا صوت للأغنام كما كل صباح".

رشايدة الذي كان يملك 250 رأس من الأغنام تشكل مصدر بقاءه الوحيد في الأغوار يروي، كيف هاجم 150 مستعمرًا مسلحين مساكنهم بحماية الجيش، "أطلقوا النار على الشباب، لإجبارنا على الخروج من مساكننا، والهرب، وقتل وسلب أغنامنا مصدر رزقنا الوحيد".

يقول رشايدة: "عين العوجا هدفهم، عارفين إنها منطقة سياحية، ورسالتهم لنا بقتل أغنامنا ارحلوا".

ويجابه منذ بداية العام الجاري 1200 مواطنًا يعتمدون على الثروة الحيوانية في العوجا حربًا مع المستعمرين الذين حطوا أقدامهم ومواشيهم في 8 بؤر استعمارية رعوية.

ويتابع رشايدة: "منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، تحول الماء إلى سلاح، منعونا عن المياه وعن الرعي، كما أن التحرك أكثر من 500 متر عن البيت يعرضنا لهجوم المستعمرين".

ويعود رشايدة بذاكرته إلى ثمانيات القرن الماضي، حيث استقرت عائلته في العوجا نظرًا لوجود نبع مياه، وسهولها الخصبة الممتدة كموطن طبيعي للأغنام.

ويضيف: أن المستعمرين رأوا في العوجا كنزا لهم، ومصدر، ولهذا يحاربوننا في أغنامنا، لكن احنا عارفين أن الأرض أرضنا، حتى لو راحت الأغنام، صامدين، حتى بدونها.

ووفق شهادات متطابقة من شهود عيان، هاجم حوالي 300 مستعمر بحماية جيش الاحتلال يستقلون شاحنات، من ثماني بؤر استعمارية محيطة بالعوجا، تجمع "عين رأس العوجا"، واستولوا على قطعان من الأغنام عنوة.

وعرف من أصحاب الأغنام: نايف داود زايد رشايدة، وسليمان داود زايد رشايدة، وعطا داود زايد رشايدة، وهاني عطا داود رشايدة، ومحمد حسين داود زايد، وموسى حسين العبيات.

- استعمار زاحف

يقول المشرف العام لمنظمة "البيدر" للدفاع عن حقوق البدو في الأغوار حسن مليحات: "يدفع المستعمرون من خلال استهداف الأغنام بالسرقة أو القتل، إلى إخلاء المنطقة من البدو الذين يعتمدون عليها كمصدر رزق، ويشكلون الخط الدفاعي الذي يعرقل توسع الاستعمار في الأغوار".

ويوضح أن فرض سيطرة كاملة على الموارد الطبيعية والمراعي ضمن سياسة ليست عشوائية، بل تكتيك مدروس لخنق المراعي وإجبار العائلات على مغادرة أراضيها، وتجسيد إقامة المستعمرات، وأن تجمع رأس عين العوجا يقع قرب نبع العوجا الذي يشكل أهمية استراتيجية تمتاز بمواردها المائية الوفيرة، مثل الينابيع الطبيعية، التي تجعلها مركزًا للزراعة والرعي، ولهذا يهدف المستعمرين والاحتلال التضييق على سكانه لتهجيرهم.

ويؤكد أن استهداف ممتلكات المواطنين خرق للقوانين الدولية، ومنها اتفاقيات جنيف التي تحظر الاعتداء على الممتلكات والاستيلاء على الأراضي بالقوة، واتفاقية جنيف الرابعة التي تمنع نقل المستعمرين إلى الأراضي المحتلة، والقانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يضمن للفلسطينيين حقهم في مواردهم الطبيعية، كما أن الاحتلال ملزم قانونيا باحترام حقوق السكان الأصليين بموجب قانون الاحتلال العسكري.

- خطة مدروسة

يقول الناشط الحقوقي عارف دراغمة: أنه "منذ بداية العام الحالي شدد المستعمرون من عمليات التضييق على بدو العوجا والمعرجات وغيرها من المناطق في الأغوار، لتغيير مسار مصدر المياه في راس العوجا، ومنع السكان حتى من الاستجمام هناك".

ويرى دراغمة أن هذا يندرج ضمن سياسة الاستعمار الرعوي وهي سياسة ليست عشوائية، بل تأتي في سياق مخطط أوسع للسيطرة على الأراضي الرعوية، التي تعد أحد المفاتيح الأساسية لتوسيع الاستعمار في الضفة الغربية.

ويضيف: "أن المستعمرين يعملون اليوم على تغيير مسار مصدر المياه في رأس العوجا، بل وصل الأمر إلى منع السكان حتى من الاستجمام هناك، في محاولة لفرض واقع جديد يجبر الفلسطينيين على الرحيل".

وتكشف اعتداءات المستعمرين في حربهم، عن خطة ممنهجة لتجفيف سبل عيش الفلسطينيين لإجبارهم على الرحيل، وترك المجال مفتوحًا أمام التوسع الاستعماري، وخلق وقائع جديدة على الأرض والسكان.

ويُشار إلى أن المستعمرين والاحتلال صعدوا في الفترة الأخيرة من اعتداءاتهم بحق رعاة الأغنام في الأغوار، وتمثلت بالاعتداء عليهم بالضرب وطردهم من المراعي وسرقة أغنامهم وفرض غرامات مالية.