بقلم: محمد دهمان

لا تزال غزة تعيش في كابوس مستمر، حيث تلاحق العائلات، المفقودين الذين اختفوا خلال العدوان الإسرائيلي وحرب الإبادة التي شهدها القطاع على مدار 15 شهرًا، ووسط مشاعر مختلطة بين الألم والقلق، حيث لا يملك المواطنون إلا الأمل في العثور على أحبائهم.

- أحمد رزقة.. خرج ولم يعد

أحمد رزقة (39 عامًا)، متزوج ولديه خمسة أبناء، يقطن في حي الشيخ زايد شمال القطاع، بينما تعيش والدته فريدة رزقة في دير البلح، ويعمل في وزارة الأوقاف. كان مثل مئات آلاف المواطنين الذين اضطرتهم الحرب إلى ترك بيوتهم واللجوء إلى مدارس الإيواء.

وكان أحمد ضمن مجموعة من النازحين في مدرسة خليل الرحمن. وفي أحد الأيام، قرر الخروج بصحبة صديقه، لكن سرعان ما استشهد ذلك الصديق وبقي أحمد مجهول المصير. لم يعد إلى أسرته، ولا توجد أي معلومات عنه حتى الآن.

وقالت والدته: "بحثنا في كل مكان، لكننا لم نسمع عنه أي خبر، ولم نجد له أثرًا منذ اختفائه".

آخر مكالمة هاتفية أجراها كانت قبل يوم واحد على اختفائه، إذ أخبر زوجته أنه سيتوجه إلى السوق، لكن العائلة لم تتلقَّ أي خبر عنه منذ ذلك الحين، رغم محاولات البحث المستمرة.

- عيسى المملوك وأبناء عمومته.. اختفاء بعد سهرة على البحر

في 21 أيار/مايو الماضي، خرج عيسى المملوك (20 عامًا) مع أبناء عمومته أحمد المملوك ( اثنان يحملان نفس الاسم) وهادي المملوك لقضاء وقت على البحر، في محاولة للابتعاد عن ضغوط الحرب. كانوا يخططون للانتقال إلى غزة بعدما علقوا في الجنوب، لكن تلك الليلة كانت النهاية المأساوية التي غابت بعدها أي أخبار عنهم.

وقالت شقيقة عيسى، نعمة المملوك: "منذ تلك الليلة، لم نتمكن من الوصول إليهم أو الحصول على أي معلومات حول مكانهم، ولا نعلم مصيرهم إلى الآن".

تواصلت العائلة مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومؤسسة الضمير، لكن لا أثر لأبنائها، ما يزيد من معاناتهم في ظل غياب أي إجابة حول مصيرهم.

- حجم الكارثة.. بين المعتقلين والمفقودين

وأكد مدير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان علاء سكافي أن "الحرب قد خلفت وراءها كارثة إنسانية فاق حجمها التوقعات. والمعتقلات تزدحم بآلاف المعتقلين، وهناك آلاف المفقودين الذين لم يتم التوصل إلى مصيرهم حتى الآن. والمؤسسات الدولية لا تقوم بأي خطوة حقيقية للمساعدة".

وقال السكافي: إنه تم تسجيل نحو 1100 حالة اعتقال وفقدان، وتم الكشف عن مصير 550 معتقلاً. لكن الصدمة الكبرى كانت في الإعلان عن استشهاد 8 معتقلين تحت التعذيب أو بسبب الإهمال الطبي في سجون الاحتلال، في حين تشير تقديرات الحقوقيين إلى وجود ما بين 10 آلاف و12 ألف مفقود.

- جريمة تسليم الجثث المجهولة

وفي مشهد صادم، سلم الاحتلال عددًا من الجثث في حاويات عبر معبر كرم أبو سالم، وضعتها في مناطق جنوب القطاع، دون أن يتمكن أحد من التعرف عليها. ما يثير العديد من التساؤلات حول هذه الجثث التي قد تكون قد سُرقت أو تم انتشالها من القبور، أو حتى كونها ضحايا عمليات تصفية ميدانية خلال الاعتقالات.

- غياب الدور الدولي

ويقول السكافي: إن "المؤسسات الدولية مثل الصليب الأحمر، ورغم الدعوات المتكررة، لم تقدم أي دعم حقيقي أو مساعدات مباشرة للبحث عن المفقودين أو تقديم الحماية للمعتقلين. واكتفت بجمع الإفادات من المواطنين وتوجيههم إلى المنظمات الحقوقية التي تتعامل مع قضايا الأسرى والمفقودين".

- الضحايا تحت الركام

في الوقت نفسه، لا يزال هناك العديد من الضحايا تحت الأنقاض، في أماكن يصعب الوصول إليها بسبب الدمار الهائل الذي طال البنية التحتية.

وفيما تستمر معاناة العائلات، تؤكد المصادر الطبية ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 48,239 شهيدًا و111,676 إصابة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وسط استمرار الصعوبات التي تواجهها طواقم الإسعاف والدفاع المدني في الوصول إلى الضحايا.

ووسط هذا الظلام، تواصل العائلات في غزة البحث عن أبنائها، في وقت تزداد فيه المعاناة وتتضاءل الآمال في الوصول إلى أي إجابات واضحة حول مصيرهم.