بقلم: الحارث الحصني
بعد عدوان استمر عشرة أيام متواصلة، انسحبت قوات الاحتلال الإسرائيلي من مخيم الفارعة للاجئين جنوب طوباس، في وقتٍ مبكّر من صباح الأربعاء، مخلفة ورائها دمارًا واسعًا طال المنازل والبنية التحتية في المخيم.
وفور انسحاب قوات الاحتلال، بدأت العشرات من العائلات النازحة بالعودة إلى المخيم لتفقد ما حل بمنازلها ومحاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه.
وعند مبنى اللجنة الشعبية لخدمات المخيم، جلس مجموعة من سكان المخيم يهنئون بعضهم البعض بالسلامة، ويستقبلون العائلات العائدة من منازل الأقارب ومراكز الإيواء التي نزحت إليها خلال أيام العدوان.
بالتزامن مع ذلك، شرعت الجرافات الثقيلة التابعة للبلديات والمجالس القروية في المحافظة، بإزالة الركام من الشوارع والأزقة المجرفة، ما خلق حالة من التفاؤل عند المواطنين.
ومع طيف السرور الواضح على وجوه الناس بانسحاب الاحتلال من المخيم، وبدء عودة العائلات التي نزحت منه، يتبدد كل هذا تزامنًا مع الولوج إلى عمق المخيم.
هناك في العمق تبدو الصورة أكثر قتامة مما هي عليه عند مداخل المخيم. فعلاوة على التجريف في البنية التحتية التي طالت معظم طرقاته، يظل الدمار الذي أحدثه الاحتلال في المنازل خلال مداهمتها كبيرًا.
وتدور الشهادات لعدد من العائلات التي عادت صباحًا إلى بيوتها في المخيم، عن دمار في داخل تلك المنازل.
وقال محمد شنابلة، أحد السكان في حارة المواجهة، إحدى الحارات التي نزح منها عدد كبير من العائلات: إنه "نزح وعائلته في اليوم الأول من العدوان بعد أن دمر الاحتلال محتويات منزله، وحولوه لثكنة عسكرية".
ووصف شنابلة: "عندما دخلت المنزل وجدته مدمرًا، حطموا الأثاث والبلاط وكل شيء".
واقتحم أكثر من مئة جندي من جيش الاحتلال منزل شنابلة في اليوم الأول من هذا العدوان، وأجبروا العائلة على النزوح والخروج من المنزل تحت تهديد السلاح.
وعانى المخيم على مدار الأيام العشرة الماضية وضعًا إنسانيًا صعبًا، بعد أن حاصره الاحتلال وأغلق مداخله الرئيسية والفرعية كافة، ما جعل مئات العائلات دون ماء ولا مواد تموينية، فضلاً عن نقص الأدوية خاصة أصحاب الأمراض المزمنة.
وأوضح رئيس لجنة الطوارئ في مخيم الفارعة مصطفى خضر، أن أكثر من 250 عائلة نزحت عن المخيم، معظمها تحت تهديد السلاح. وحتى أولئك الذين خرجوا من غير تهديد، نزحوا بسبب نقص المياه والمواد الغذائية، والأدوية، جراء الحصار الذي فرضه الاحتلال على المخيم.
عندما بدأ الاحتلال عدوانه العسكري على مخيم الفارعة، جاء مصحوبًا بعدد من الجرافات العسكرية الثقيلة التي عاثت بالبنية التحتية والطرقات دمارًا. وعندما انسحب الاحتلال من بلدة طمون بعد ستة أيام من العدوان العسكري الذي جاء متزامنًا في المنطقتين، تركزت كل الجرافات في الفارعة.
وفي أقاويل متفرقة لمواطنين من المخيم، أكدوا أن الاحتلال في اليوم السابع من عدوانه العسكري على المخيم، زاد من حدة الدمار في البنية التحتية.
في ذلك اليوم نزح أحمد صبح وعائلته ووالدته وشقيقته من منازلهم في المخيم باتجاه بلدة سيريس. وقال صبح: "دخلوا، ودمروا، ثم أجبرونا على الخروج تحت تهديد السلاح".
وأردف: "جئت قبل الجميع لتصليح الطريق الواصل إلى منازلهم"، هذا ما يؤكد أن صبح كان متوقعًا حجم الدمار في المنطقة.
وكان الدمار في الطريق الرئيسي الذي يتوسط السوق في المخيم كبيرًا. وتظهر الملاحظة العينية عن حجم الدمار في ذلك الطريق الحيوي، إذ أنه في بعض المقاطع كان عمق التجريف يقترب من ثلاثة أمتار. لكن الحديث عن رقم نهائي لحجم الدمار في البنية التحتية والطرقات لا يزال مبكراً.
وقال محافظ طوباس والأغوار الشمالية أحمد الأسعد: "كل البنية التحتية مدمرة، نحتاج وقتًا طويلاً للتصليح". "الخسائر بملايين الشواقل، لكن لا أرقام نهائية حتى الآن بسبب حجم الدمار". أضاف المحافظ.
ومنذ الصباح، بدأت الطواقم في الجهات المختصة بتصليح الدمار الذي أحدثه الاحتلال. وشوهدت الطواقم التابعة لشركات الكهرباء، والمياه، وغيرها، وهي تعمل بشكل جماعي ومثابر.
وأكد المحافظ أن الاحتلال يحاول خلق بيئة طاردة من خلال العدوان والحصار والتدمير والهدم، مشيرًا إلى أن الاحتلال فجر ثلاثة منازل ومنشأة تجارية، وقطع المياه والكهرباء عن منازل المواطنين.
ومع عودة العائلات التي نزحت من المخيم، ومع كل هذا الدمار في الطريق الرئيسي الذي بعد اجتيازه يستطيع المواطنون استخدام المركبات، يعتمد المواطنون كليًا على السير على الأقدام للتنقل في الطريق الرئيسي للمخيم، بانتظار تصليحه وإزالة الكرام منه.
وفي 21 كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ الاحتلال الإسرائيلي عدوانًا عسكريًا على محافظات شمال الضفة استهله بمدينة جنين ومخيمها وبلدات في محيطهما. ثم وسّع الاحتلال عدوانه إلى مدينة طولكرم ومخيمها في 27 كانون الثاني/يناير، قبل أن يقتحم بلدة طمون ومخيم الفارعة في محافظة طوباس في الثاني من شباط/فبراير الجاري، حيث انسحب من طمون بعد حصار دام 7 أيام وانسحب من الفارعة اليوم، بينما يتواصل عدوانه على جنين وطولكرم.
وبالتوازي مع حرب الإبادة الجماعية التي شنها على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، صعد الاحتلال الإسرائيلي والمستعمرون من اعتداءاتهم في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ما أسفر عن استشهاد 911 مواطنًا بينهم 183 طفلاً، وإصابة نحو 7 آلاف آخرين.
ومنذ مطلع العام الجاري 2025، استشهد 76 مواطنًا، بينهم 11 طفلاً، بحسب معطيات صادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها