بقلم: عُلا موقدي
على التراب الرطب، وفي ساعات الفجر الأولى يوم الثلاثاء، ظهرت آثار عربة الجرّ التي كان يمتلكها المزارع رائد عبد الحميد من قرية ياسوف، مسحوبة باتجاه مستعمرة "تفوح الغرب"، لتقوده إلى حقيقة مفادها: أن أبسط أدوات رزق المزارع الفلسطيني لم تسلم من أطماع المستعمرين.
تتوالى اعتداءات المستعمرين على قرية ياسوف الواقعة شرق سلفيت، حيث شرعوا في الأيام الماضية بشق طريق استعماري جديد شمال القرية، يمتد باتجاه بلدتي بيتا وحوارة في محافظة نابلس. هذا الطريق سيؤدي إلى الاستيلاء على عشرات الدونمات من الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون.
وبهذه السياسات، تحولت ياسوف إلى منطقة محفوفة بالمخاطر، يواجه سكانها البالغ عددهم 2400 نسمة تصعيدًا غير مسبوق من اعتداءات المستعمرين التي باتت الأقسى خلال السنوات الأخيرة، فأصبحت محاصرة من أربع مستعمرات (تفوح، ونوفيه، ونحمياه، ورحاليم) من جميع الاتجاهات، وتحولت القرية إلى سجن كبير بفعل قيود الاحتلال والتضييق المستمر.
يقول رئيس المجلس القروي في ياسوف وائل أبو ماضي: إن "الموقع الجغرافي للقرية يكتسب أهمية إستراتيجية، حيث يربط محافظة سلفيت بالمحافظات المجاورة، إلا أن إغلاق الاحتلال الإسرائيلي المدخل الرئيسي للقرية لعدة أيام متواصلة، وإقامة حواجز عسكرية مفاجئة تمنع المواطنين من الدخول أو الخروج بحرية، وهجمات المستعمرين من رشق المركبات بالحجارة والاعتداء على سائقيها، باتت تشكل تهديدًا على حياة المواطنين، وتُلحق أضرارًا مادية فادحة.
ويضيف: "إجراءات الاحتلال تهدف إلى عزل القرية عن محيطها، وفرض واقع استعماري جديد يخنق الحياة اليومية للمواطنين".
وطالت الاعتداءات الأراضي الزراعية في القرية، حيث يقدم المستعمرون على قطع عشرات الأشجار المعمرة، وإشعال النيران في أشجار الزيتون، وسرقة الثمار والمعدات الزراعية أمام أعين أصحابها. وقد أسفر ذلك عن تراجع المحصول بنسبة تتجاوز النصف خلال موسم قطف الزيتون الماضي، نتيجة منع المستعمرين المسلحين للمزارعين من الوصول إلى أراضيهم.
ويشير أبو ماضي إلى أن هذه الاعتداءات المتكررة خلّفت خسائر فادحة للمواطنين، وتركت آثارًا مدمرة في اقتصاد القرية، حيث تعتمد أغلبية الأسر على الزراعة، خاصة زراعة أشجار الزيتون كمصدر للدخل. وفي موسم قطف ثمار الزيتون الماضي، مُنع المزارعون من قطف الثمار على مساحة تقارب 2500 دونم.
يروي المزارع راجح عطياني، واحد من عشرات المزارعين الذين تعرضوا لاعتداءات المستعمرين، ما حلّ بأرضه جراء تلك الاعتداءات، ويقول: "لم يتبقَ لي شيء، كانوا يقتلعون الأشجار بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلي، ولم نستطع منعهم. تلك الأشجار كانت إرثًا من أجدادي، والآن لم يبقَ منها سوى الرماد".
ولم تقتصر الاعتداءات على الأراضي الزراعية فقط، بل شملت أيضًا منازل المواطنين، حيث أخطر الاحتلال أكثر من 75 منزلاً بالهدم ووقف البناء، بما في ذلك 7 منازل باتت مهددة بالهدم الفوري، خاصة في المنطقة الشرقية من القرية، المعروفة باسم "النصبة"، والتي تضم منازل تكاد تكون الأجمل والأكثر حداثة في القرية.
وفي هذا السياق، يؤكد أبو ماضي: "حاولنا رفع قضايا في المحاكم الإسرائيلية من خلال مؤسسات حقوقية، ولكنها قوبلت بالرفض، وفي أي لحظة سيهدم الاحتلال تلك المنازل، حيث يقتحمها بصورة أسبوعية ويُجري عمليات تصوير، ما يلقي مزيدًا من الضغوطات على أصحابها".
ويضيف: "الاحتلال يحاول فرض أمر واقع، ولا يكتفي بالاستيلاء على أراضي المواطنين، بل يحاول إجبار المزارعين على هجر أراضيهم لفتح المجال أمام التوسع الاستعماري من خلال البؤر الاستعمارية الرعوية".
ووثقت محافظة سلفيت، نحو 657 انتهاكًا للاحتلال ومستعمريه في بلدات المحافظة وقراها خلال شهر كانون الثاني/يناير الماضي، ضمن سياسة تصعيدية تستهدف المواطنين وأراضيهم.
ويوضح محافظ سلفيت مصطفى طقاطقة أن المحافظة شهدت تصاعدًا ملحوظًا في سياسة الاعتقالات والاحتجاز والاقتحامات، إضافة إلى إغلاق الطرق ونصب الحواجز العسكرية، حيث تم رصد 254 عملية اعتقال واحتجاز، و113 عملية اقتحام، إضافة إلى 130 عملية مداهمة طالت منازل ومنشآت.
كما شهدت المحافظة 57 عملية إغلاق للطرقات والمداخل الرئيسية، فضلًا عن 42 حاجزًا عسكريًا مؤقتًا، ما أعاق حركة المواطنين.
وفيما يتعلق بالاعتداءات على أشجار الزيتون، أشار المحافظ طقاطقة إلى قطع المستعمرين 158 شجرة زيتون وتكسيرها واقتلاعها، بينها أشجار معمّرة، في بلدات: ياسوف، وقراوة بني حسان، وكفر الديك. كما تم تجريف 8 دونمات من أراضي المواطنين في حارس، وسرطة، وكفر الديك خلال 3 عمليات تجريف نفذها الاحتلال، و5 عمليات هدم لمنازل ومنشآت في كفر الديك وكفل حارس ودير بلوط.
كما تم رصد 22 اعتداءً نفذها المستعمرون ضد المواطنين وممتلكاتهم، إلى جانب 5 عمليات اعتداء نفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي، و5 عمليات استيلاء على ممتلكات بحجة العمل في المناطق المصنفة "ج"، إضافة إلى 16 عملية تخريب للممتلكات، فيما رصد التقرير عمليتي إيذاء جسدي إثر التعرض للضرب المبرح من جنود الاحتلال.
ويؤكد طقاطقة أن "حكومة الاحتلال والمجتمع الدولي يتحملان مسؤولية التدهور الخطير الذي تشهده محافظة سلفيت"، موضحًا أن هذه الانتهاكات تجاوزت الأعراف الدولية كافة، ما يزيد تعقيد الأوضاع ويعيق تحقيق الأمن والاستقرار، داعيَا المؤسسات الحقوقية والدولية إلى تحمل مسؤولياتها واتخاذ إجراءات لحماية المواطنين وتعزيز صمودهم على أراضيهم.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها