تتوالى ردود الفعل العربية والدولية المنددة بتصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حول تهجير سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن، وهي تصريحات تعكس نهجًا استعماريًا عنصريًا احلاليًا في معالجة القضية الفلسطينية، متجاهلةً أبسط الحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني في وطنه، وإعادة تصدير عبء القضية الفلسطينية على دول الجوار العربي، ويتزامن ذلك مع توافق واضح في المصالح بين رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وبعض القوى الإقليمية، مما يعيد إنتاج سيناريوهات الاستغلال السياسي للقضية الفلسطينية.
في الواقع الفلسطيني وتعقيداته بعد العدوان على غزة، تتضح معالم الصراع المستمر بين الفصائل الفلسطينية والانقسام الداخلي، الذي لم يوضع له حد لغاية الآن بل كل المؤشرات السياسية تشير إلى استمراره، الذي طالما استغلته أطراف إقليمية ودولية لتعزيز أجنداتها الخاصة، وفي مقدمتها إسرائيل، لما فيه من تجسيد لتدمير حلم الدولة الفلسطينية.
لقد أدى انقلاب حركة "حماس" في صيف عام 2007 على السلطة الوطنية الفلسطينية والنظام السياسي الفلسطيني في غزة إلى تكريس الانقسام السياسي والجغرافي، وهو الوضع الذي استمر طوال أكثر من 17 عامًا، مدعومًا بتدخلات خارجية ساهمت في إدامته.
لا يمكن إغفال الدور الذي لعبته بعض القوى الإقليمية، مثل قطر وإيران وتركيا بالإضافة إلى الاحتلال الإسرائيلي، في دعم حكم "حماس" في غزة، حيث استفادت كل منها من الانقسام الفلسطيني لتعزيز نفوذها الإقليمي على حساب الوحدة الوطنية الفلسطينية ووحدة النظام السياسي الفلسطيني. كما أن إسرائيل نفسها استغلت هذا الوضع لتعزيز مشروعها التوسعي، حيث عملت على تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ما أضعف قدرة الفلسطينيين على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي بموقف موحد.
في ظل هذه التحديات، تبرز أهمية انعقاد القمة العربية في القاهرة يوم 27 فبراير الجاري، والتي تأتي في توقيت حرج يتطلب مواقف حازمة من الدول العربية تجاه القضية الفلسطينية، وكذلك تجاه التهديدات التي تواجه الأمن القومي المصري والأردني خاصة والعربي بشكل عام.
- هذه القمة يجب أن تتجاوز البيانات التقليدية وتتحول إلى منصة لاتخاذ قرارات عملية، أبرزها:
- أولاً: تأكيد رفض التهجير القسري لسكان غزة: ينبغي أن تعلن الدول العربية موقفًا واضحًا وقويًا يرفض أي مخططات إسرائيلية- أميركية لتصفية القضية الفلسطينية من خلال تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم، وهو ما يشكل جريمة حرب وفق القانون الدولي.
- ثانيًا: إعادة تفعيل الدور العربي في حل القضية الفلسطينية، لا يمكن ترك القضية الفلسطينية رهينة للتجاذبات الدولية والإقليمية، بل يجب إعادة تفعيل المبادرة العربية للسلام لعام 2002، والضغط باتجاه استئناف عملية سياسية تفضي إلى إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
- ثالثًا: معالجة الانقسام الفلسطيني، بات واضحًا أن استمرار الانقسام يخدم سياسات الاحتلال الإسرائيلي وأجندات خارجية، لذا يجب أن يكون هناك موقف عربي موحد وحاسم لدعم إنهاء هذا الانقسام، من خلال مبادرة عربية تتجاوز الرعاية الأحادية من بعض الدول، وأن تعمل على توحيد الجهود الفلسطينية تحت إطار السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
- رابعًا: حماية الأمن القومي المصري والأردني والعربي، لا شك أن أي مخطط لتهجير الفلسطينيين إلى مصر أو الأردن يهدد الأمن القومي لهاتين الدولتين وللأمن القومي العربي بصفة عامة، مما يستوجب موقفًا عربيًا جماعيًا لمواجهته والتصدي له دبلوماسيًا وسياسيًا وقانونيًا وإن اقتضى الأمر اقتصاديًا وعسكريًا.
- خامسًا: وقف استغلال القضية الفلسطينية من قبل بعض الأطراف الإقليمية، على الدول العربية التصدي لأي محاولات لاستغلال القضية الفلسطينية لخدمة مشاريع توسعية أو أجندات إقليمية، سواء من قبل إيران أو تركيا أو غيرها من القوى التي تعمل على تعزيز الانقسام لتحقيق مكاسبها الخاصة، دون النظر للمصالح الوطنية الفلسطينية والعربية.
لذا مع انتهاء العدوان على قطاع غزة، يبرز السؤال هل ستكون هناك محاولات لإعادة تدوير الوضع القائم، حيث ستسعى بعض الأطراف للحفاظ على الانقسام الفلسطيني بهدف استدامة نفوذها. ولكن يبقى السؤال: هل ستسمح الدول العربية بحدوث ذلك واستمراره؟.
المطلوب هو وضع حد لهذه الحالة من التفكك، وإجبار القوى الفلسطينية على الدخول في مصالحة حقيقية تقوم على أساس وحدة القرار السياسي والمؤسساتي، بعيدًا عن الأجندات الخارجية.
إن القمة العربية القادمة قد تشكل نقطة تحول، إذا ما تبنت قرارات جريئة تضمن وحدة الصف الفلسطيني والعربي، وتواجه المخططات الرامية لتصفية القضية الفلسطينية.
فهل نشهد موقفًا عربيًا يرتقي إلى مستوى التحديات؟ أم أن القمة ستنتهي ببيانات ختامية دون أثر على أرض الواقع؟.
الأيام المقبلة ستكشف مدى قدرة العرب على مواجهة التحديات المعقدة والمركبة التي تعصف بالمنطقة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها