خلال الدفعة الثانية من تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، قامت الأخيرة بعرض إعلامي، (Show) لتبعث برسالة مفادها أنها لم تنهزم في الحرب الأخيرة.

ومن المهم لدى غالبية شعوب العالم وبالأخص الشعب العربي، إظهار الكرامة والعزّة والجسارة والتعالي على الجراح رغم الألم والخسائر التي لا تعد ولا تحصى، ولكن هذا العرض الإعلامي الذي مرر فكرة مفادها أن حماس ما زالت تمتلك القوة والشعبية من خلال إظهار الآليات وانتشار العناصر الحمساوية وتجمّع أنصارها بعد الهولوكوست الإسرائيلي في غزّة، له نتائج سلبية أيضًا فوجود حماس في واجهة الحكم سيعطّل أو بالأحرى سيمنع عملية إعادة الإعمار، فهي عنوان الحرب لما تشكّله من ذريعة محببة لليمين الإسرائيلي لشن المعارك واستدامتها، مما يؤدي لابتعاد كافة المستثمرين حتى عن فكرة المشاركة في إعادة الإعمار.

أمّا عسكريًا، فقد صرّح القيادي موسى أبو مرزوق حرفيًا في لقاء على قناة العربية، "أن ما حدث لم يكن حربًا بين طرفين وقوتين عسكريتين بل كان حرب إبادة"، إذن يعود للواجهة السؤال القديم الجديد، كيف لك أن تدّعي النصر وأنت تُّباد، أي أنها مجزرة على مستوى الوطن وليس على مستوى القرية كما حدث في دير ياسين أو كفر قاسم أو الطنطورة، حين كان عدد الشهداء بالعشرات وليس بعشرات الآلاف كما حدث في قطاع غزّة، وهل انتصرنا في هذه المجازر؟.

وإن كان البعض لليوم، ما يزال يكيل الاتهامات للقيادة الفلسطينية بخصوص اتفاق أوسلو ويصنع منه شماعة يعلّق عليها كافة المصائب الفلسطينية، فاتفاق غزة هو أدنى بكثير من اتفاق أوسلو الذي شمل كل الوطن ( القدس والضفة الغربية وقطاع غزّة) وحرر عشرة آلاف أسير فلسطيني كما حرر أراضٍ فلسطينية وأعاد ما يربو على خمسمئة ألف من اللاجئين الفلسطينيين من خارج الوطن إليه، دون أن تراق قطرة دم واحدة، فالمنتصر من يحرر في معركة التحرير ويكسب ولا يخسر ويعيد اللاجئين لوطنهم، كيف تسميه حماس انتصارًا وقد خسرنا قطاع غزة وأعيد احتلاله بعدما كان محررًا بالمطلق؟.

وفي سياق متصل، يشير بعض المحللين السياسيين أن ما نص عليه اتفاق غزّة من خروج 1500 جريح برفقة ثلاثة من أفراد أسرته هو يعني بالضرورة مغادرة عناصر القسام من القطاع.

تدرك حركة حماس في أعماقها أن صلاحية حكمها في غزّة انتهت وهي غير قابلة للتمديد من المجتمع الدولي، وخير آية على ذلك آلية تشغيل معبر رفح التي خلت تمامًا من أي وجود لها، مع الأخذ بعين الاعتبار الكوارث الإنسانية التي سببها هجوم السابع من أكتوبر، ودعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتهجير الغزيين إلى مصر والأردن، وما سيشكله الرفض المصري الأردني المعلن لهذه الدعوة من توتر للعلاقات بين مصر والأردن والولايات المتحدة الأميركية، فالمنطقة العربية لا تحتمل أساسًا فكرة استمرار حماس في حكم غزّة لما يحمله هذا الأمر من إرهاصات ليس فقط على الجانب الفلسطيني بل على دول الجوار أمنهم الإقليمي. لا يتوقف ادعاء حماس بالنصر عند هذا فقط، بل له غايات أبعد، كونه يسعى لتشكيل قلاع متقدمة وحزام أمان لها لتفادي المحاسبة وطنيًا فيما بعد لما سببته من أزمات ليس فقط لشعبها وحتى لأقرب حلفائها مثل قطر ودفعت الأخيرة للنأي بنفسها عنها، وهذا ما ظهر جليًا في التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري في لقائه مع القناة 12 الإسرائيلية في باريس.

أمّا على مستوى سوريا الناهضة حديثًا من تحت مكبس الإعدام والركام والدمار، فلم يظهر أي لقاء للرئيس السوري أحمد الشرع أو حتى وزير خارجيته أسعد الشيباني مع أي من ممثلين لحركة حماس، فموقف الإدارة السورية الجديدة المعلن هو أن يكون التعامل مع الفلسطينيين من جانب السفارة الفلسطينية في دمشق فقط وعدم التعامل مع ممثلي الفصائل وذلك بالضرورة يشمل حماس أيضًا.

وفي سياقٍ متصل، من الظاهر أن الحليف الإيراني  اليوم مشغول بتعداد خسائره ويفكر فقط كيف يثير الفتن والقلاقل في سوريا وكيف يحافظ على نظام حكمه الثوري التخريبي ومفاعلاته النووية، وهو يعيش اليوم أسوأ مراحله الزمنية، فهو في مرحلة الانكسار والانحسار.

ارتبطت حماس بعلاقات مميزة مع دول عدة وميليشيات منبوذة وطنيًا تعدّ على أصابع اليد الواحدة وقد استمدت منهم الدعم العسكري والمالي، فضعف أو تخلي تلك الدول أو الميليشيات عنها سيعني بالضرورة ضعف حماس وترهلها، على عكس منظمة التحرير الفلسطينية التي استمدت شرعيتها من شبكة علاقات دبلوماسية واسعة على مستوى العالم، ولم ترهن نفسها وقضيتها مع محور ما أو فكر ما أو اتحاد ما، فضعف أو سقوط أي دولة لها علاقات مميزة مع منظمة التحرير، لن يعني ضعفها أو سقوطها ولن يؤثر عليها، فقد تفكك الاتحاد السوفيتي وسقط نظام صدام حسين واستمرت منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعيًا وحيدًا لشعبها، وهنا تكمن المفارقة.