بقلم: فاطمة إبراهيم

جنازة استثنائية، مشهد مُفجع يحطم القلوب. أربعة مشيعين ليسوا بحاجة إلى حمل النعش، فالجثمان أصغر وأخف. ليلى الخطيب، الطفلة ذات العامين، غادرت الحياة برصاصة قناص إسرائيلي اخترقت رأسها يوم السبت.

وقد حملها جدها بسام عصعوص بين ذراعيه إلى مثواها الأخير. هكذا في واقع معكوس، بات الأجداد يدفنون أحفادهم.

كانت ليلى تتناول العشاء برفقة والدتها وجديها وبعض قريباتها حين اقتحمت قوات خاصة إسرائيلية قرية مثلث الشهداء استهدفت المنزل المجاور لهم، لكن الرصاص طال منزلهم أيضًا.

يصف الجد بسام اللحظات الأولى قائلاً: "سمعنا إطلاق نار كثيفًا، فاختبأنا في الغرف، وفجأة علت أصوات الصراخ. فتحت الباب لأجد ليلى ملقاة على الأرض والدماء تنزف من رأسها. حملتها وخرجت رغم استمرار إطلاق النار، فكان علي أن أحاول إنقاذها".

الجدة غادة عصعوص خرجت مذعورة وصرخت في وجه أحد الجنود: "لماذا قتلتها؟ هي طفلة صغيرة"، رد الجندي ببرود بالإنجليزية: "سوري" (آسف).

في المستشفى، حاول الأطباء إنقاذ ليلى، لكن إصابتها كانت قاتلة. لم يمضِ سوى ساعة حتى أُعلن استشهادها. أعاد الأطباء إلى جدتها جزءًا من جمجمتها، وضعته في كيس صغير واحتفظت به في ثلاجة المنزل حتى موعد الدفن.

تكرر هذا المشهد المُرعب، ليعيد إلى الأذهان جرائم مشابهة ارتُكبت بحق أطفال غزة، الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء بفعل القصف الإسرائيلي. تختلف الأماكن، لكن المجرم يبقى واحدًا.

ليلى التي عاشت يتيمة الأب منذ ولادتها، فقد فقدت والدها المهندس محمد الخطيب بحادث عمل في طولكرم. كانت وحيدة والدتها وأنيستها، وهي التي فقدت كل ما تبقّى لها برحيل ابنتها. أحلام الأم في تربية طفلتها ومشاهدتها تكبر أمام عينيها، تبددت برصاصة.

منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت قوات الاحتلال أكثر من 179 طفلاً في الضفة الغربية، بينما تجاوز عدد الأطفال الشهداء في غزة 14,562 ألفًا وفق تقارير أممية.

فقد أفادت وكالة تابعة للأمم المتحدة بأن أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني استُشهدوا في حرب غزة، وأصيب 25 ألفًا آخرون بجروح، مع نقل عدد مماثل إلى المستشفيات بسبب سوء التغذية.

وباستشهاد الطفلة الخطيب، يبقى السؤال حاضرًا: كم من ليلى أخرى ستُزهق روحها قبل أن تُكتب نهاية لهذا الاحتلال وهذه المأساة؟.