الجهل في تاريخ وثقافة شعب من الشعوب يوقع مطلق إنسان من الدول الأخرى في ارتكاب حماقات ومواقف ترتد عليه بغض النظر عن موقعه السياسي والدولة التي يقف على رأسها، أو المكانة التي يحتلها في أي مؤسسة، ومن الواضح أن الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأميركية يجهل تاريخ وثقافة الشعب العربي الفلسطيني، ولا يعرف عمق تمسكه بأرض وطنه الأم فلسطين، وبحقه التاريخي والسياسي والقانوني في العودة لمدنه وقراه التي تهجر عنها في النكبة الأولى عام 1948، مما أوقعه في تكرار مواقف خطيرة ومتناقضة مع أبسط معايير السلام، الذي ادعى حرصه على تحقيقه بين قادة إسرائيل والقيادة الفلسطينية. وكما فشل في إدارته الأولى 2017–2021 بمصادقته على صفقة القرن مطلع 2020، سيفشل في دعواته المتكررة لتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين في قطاع غزة مرة إلى إندونيسيا، وأول أمس السبت 25 كانون الثاني/يناير الحالي طالب كل من الشقيقتين مصر والأردن للقبول بتوطينهم في بلديهما.
ولا أعرف إن كان الرئيس دونالد ترمب يعلم عدد مشاريع التوطين والمؤامرات التي حيكت ضد الشعب الفلسطيني منذ النكبة الكبرى حتى إعلانه صفقة القرن المشؤومة، وجميعها تحطمت وسقطت على صخرة صمود ورفض الشعب العربي الفلسطيني لها، وواصل التشبث والتمسك بحقه في طرد الغزاة الصهاينة، والعودة لدياره واستقلال دولته المحتلة من الإسرائيليين وفق قرارات الشرعية الدولية، وقدمت قياداته تنازلات كبيرة من أجل بناء جسور السلام مع دولة إسرائيل اللقيطة والنازية، التي أقمتموها على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني لنهب خيرات وثروات شعوب الأمة العربية، وإبقاء أنظمتها السياسية في ذيل المحوطة والتبعية للغرب عمومًا ودولتكم خصوصًا.
ومع ذلك كونك مسكونًا بأفكارك الافنجليكانية اللاهوتية والأساطير الخزعبلاتية، واصلت السباحة في متاهاتها التي تصطدم مع الواقع الفلسطيني، وسعيت مغمض العينيين بين صفقاتك الخاسرة وميثولوجيتك الوهمية، ومصرًا على توسيع دولة إسرائيل الخارجة على القانون على حساب حقوق ومصالح ومستقبل الشعب الفلسطيني وشعوب الأمة العربية. معتقدًا كونك تقف على رأس أكبر وأقوى دولة حتى الآن في العالم، بأنك تستطيع فرض إملاءاتك على الشعب الصغير والضعيف والمنكوب بالإبادة الجماعية والتطهير العرقي الصهيو أميركي، ولم تدرك أن هذا الشعب الصغير يملك إرادة جبارة وعظيمة في الدفاع عن حقوقه، مهما قدم من تضحيات لبناء مستقبل أفضل لأبنائه وأجياله القادمة. ولو أنك دققت النظر على الأقل بتجربة الإبادة الجماعية الحالية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، التي لم تنتهِ فصولها بعد، وقادتها إدارة سلفك بايدن ومعه الغرب الرأسمالي كله وأداتكم الوظيفية إسرائيل، وحجم التضحيات الجسام التي قدمها، وما زال يقدمها الشعب الفلسطيني لتوقفت كليًا عن طرح اقتراحاتك البائسة والخطيرة، التي تهدد السلام، الذي تدعي حرصك على إقامته، وكنت راجعت نفسك، وأعدت النظر فيها.
لكن القوة والغطرسة المجنونة التي تتلبسك أعمتك عن رؤية الحقائق، وتساوقت مع صفقاتك التي أبرمتها مع مريم أديلسون وحكومة النازية الإسرائيلية بقيادة نتنياهو، التي تلقف أركانها اقتراحك، وبدأت في إعداد الخطط لإرسالها للبيت الأبيض لتنفيذها، وهم يعلمون أن مآلها الهزيمة والسقوط. كما عقب زميلك السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام على رؤيتك الخطيرة، وقال: "إنها فاشلة وغير عملية".
ولا أضيف جديدًا، لما ذكره أمس الأحد وزير خارجية الأردن، أيمن الصفدي في مؤتمر صحفي مع القائم بأعمال المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، سيغريد كاخ، بأن الأردن للأردنيين، وفلسطين للفلسطينيين، ورفض فكرة التهجير والتطهير العرقي لأشقائه الفلسطينيين، وكانت مصر وبلسان الرئيس عبد الفتاح السيسي رفضت مبدأ التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة، وأيضًا الرئاسة الفلسطينية أصدرت بيانًا رسميًا أمس رفضت فيه رفضًا مطلقًا اقتراح أو أفكار تدعو إلى تهجير الفلسطينيين. وبالتالي أتوجه لك بالنصيحة، إطوي صفحة رؤيتك المرفوضة جملة وتفصيلا، وإن كنت جادًا ومعنيًا بخيار السلام، اضغط على حلفائك في دولة التطهير العرقي الإسرائيلية بالانسحاب من أراضي دولة فلسطين المحتلة وعاصمتها القدس الشرقية، ومنحها استقلالها وسيادتها على أراضيها، وأعد لقطاع غزة الـ200 كيلو متر التي احتلتها إسرائيل عام 1949 بعد اتفاق رودس، وقدم مساعدات لتوسيع رقعة القطاع في البحر.
دون ذلك لن يكون هناك سلام، وكل فكرة ذات صلة بالتطهير العرقي للفلسطينيين من أرض وطنهم سترتد على إسرائيل والمصالح الحيوية الأميركية بأخطار غير محمودة. وكما قال قادة الشعب الفلسطيني المتعاقبين وآخرهم الرئيس محمود عباس، من فلسطين يبدأ السلام والحرب، فمن يريد السلام يعمل بقوة لحل الصراع من خلال تنفيذ قرارات الشرعية الدولية والدفع باستقلال دولة فلسطين القائمة والنابضة بالحياة، رغم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وتجربة ثمانية عقود تكفي لاستخلاص دروس معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأبرزها الحل السياسي، إن كنت تريد لحليفتكم المارقة البقاء في الإقليم.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها