كثيرون في عالمنا الصغير لا يتفهمون معنى الأسر، ولا يتفهمون أو حتى لا تصل إلى أذهانهم ما معنى كلمة أسير، وكم من السنوات يمضيها الأسير في أسره في معتقلات الأعداء. ولا يعلم كثيرون في هذا العالم لماذا الأسرى يقضون في السجون، والقصة قد تمر على أسماعهم مرور الكرام. وقليلون في عالمنا قد مروا بهذه التجربة. القصة لربما أن العقل الباطني للكثيرين يترجم أن السجون وجدت لمن يخالف النظام والقانون، ولا يعلمون أن السجون في الجهة المقابلة من هذه الحياة تحتوي على علية الشعوب، ورموزهم وأصحاب فكر ونضال ضد الاحتلال في سبيل حرية الوطن والشعب. عبر سنوات الاحتلال بلغ عدد الذين تم أسرهم من الشعب الفلسطيني إلى ما يربوا عن المليون أسير، والبعض أمضى أكثر من مرة في تلك السجون. قبل السابع من أكتوبر 2023، بلغ عدد الأسرى ما يقارب الستة آلاف وخمسمئة أسير، وبعد السابع من أكتوبر قفز العدد إلى عشرة آلاف أسير، ولا يعرف بعد عدد الأسرى من قطاع غزة في الحرب العدوانية التي شنها الاحتلال على القطاع. هناك صفقات تاريخية تمت بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي للإفراج عن الأسرى، وبسبب سياسة الباب الدوار ما إن يفرج عن أسرى حتى يقوم الاحتلال بحملات الاعتقال التي تعيد ملئ تلك سجونه.
كل الذين كانوا وما زال البعض منهم في السجون الإسرائيلية، هم يحملون قصة وطن وشعب ناضل ويناضل من أجل الحرية. وهم من كل ألوان الطيف الفلسطيني، بعضهم أمضى عقودًا عدة بمحكوميات عالية تصل إلى مؤبدات، وأقلهم من هذه الأحكام قد تصل مئة عام ويزيد. وهناك منهم من أصحاب الأحكام المتوسطة وبعضهم الأقل من ذلك، والبعض الآخر هم ممن يقضي في السجن دون محاكمات بما يسمى بالعرف أحكامًا إدارية، وهم الذين ناضلوا وخاضوا بما عرف بمعركة الأمعاء الخاوية، وانتصر فيها الكف على المخرز لكل الذين خاضوا هذه المعركة.
تعتبر قضية الأسرى وهي واقع سياسي بامتياز لأنها تعني بكل ما تعنيه الكلمة أنها قضية شعب، لكنها أخذت منحى إنساني واسع بسب الفترة الزمنية الطويلة التي أمضى الأسرى فيها داخل غياهب السجون. كل أسير فلسطيني له قصته التي تستحق أن تكتب، وأن تروى عاشت في وجدان كل أسير وتركت اثارا وندوبا في ذاته، وبعض تلك الروايات عاش معها أصحابها وعاشوا الأمل في أن يفرج عنهم ليعانقوا تلك الذكريات مع أنفاس الحرية التي حلموا بتنفسها عبر الزمن. ولعل أحد القصص المؤثرة التي انتشرت قصة الأسير الذي اتصل على أسرته ليسأل إذا ما كانت والدته على قيد الحياة أم لا؟. روايات في منتهى العمق الإنساني والنضال يحملها كل أسير، تحمل بين طياتها معاني الوطنية الإنسانية تستحق أن تروى في إطار الإرث الثقافي الفلسطيني، عبر مسيرة الشعب الفلسطيني لنيل حريته واستقلاله. قصص تروى وتسمع اليسير منها لكنها تدمي القلوب، نتيجة الإجراءات التعسفية التي تمت بعد الحرب على غزة، بقيادة وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي بن غفير وزير، فقد مورس أبشع أنواع العذاب بحقهم، بالإضافة إلى خفض الحصص من الطعام، وتوجيه الإهانات التي لا تطاق في السجون الإسرائيلية. جل الأسرى فقدوا الكثير من أوزانهم بسبب تلك الإجراءات القاسية.
ومع الاتفاق الذي تم في الإفراج عن الأسرى، حيث كانت اليوم هي الدفعة الثانية من الصفقة للإفراج عن الأسرى، فإن مشهد البهجة التي تراها على وجه الأسرى وذوييهم يتحدث عن نفسه. إذ إن قضية الأسرى تحمل في طياتها غصة في خاصرة القضية الفلسطينية، وكان حال الأسرى والناس يقول ما قاله الشاعر الكبير محمود درويش: "نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها