تعج الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية بالتقارير ومقالات الرأي التي تتناول علاقة المصالح السياسية بين نتنياهو وحماس، وهي علاقة قديمة بالمناسبة، وتقول الصحف الإسرائيلية، وبقلم محللين كبار، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني اختار مرة أخرى الاحتفاظ بحماس، لكي يستمر انفصال القطاع عن الضفة، ومنع أي احتمال لقيام دولة فلسطينية. وهو يعتقد، أي نتنياهو، أن حماس هي الأداة الأكثر فاعلية لتبرير التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، دون أن يضطر للرضوخ وقبول حل الدولتين مقابل التطبيع.

ومن يراقب سلوك حماس، فهي، وفي كل الأزمنة تكون مغتبطة، وفي غاية الفرح، عندما يعلن نتنياهو أنه لن يسلم قطاع غزة للسلطة الوطنية الفلسطينية، وهذا السلوك كان هكذا منذ انقلاب حماس العسكري وسيطرتها على القطاع عام 2007، وهو سلوك وموقف مستمر حتى بعد كل حرب الإبادة الجماعية في غزة. لقد كانت حماس تتصرف طوال الوقت وفق هذه المعادلة، وكانت باستمرار واثقة من أن نتنياهو لن يتخلى عن دورها الانقسامي في الحالة الوطنية الفلسطينية، لذلك مهما يحصل من قتل وتدمير، فهذا شيء والتقاء المصالح السياسية مع نتنياهو شيء آخر.

لنسأل أنفسنا: ما هي القاعدة الرئيسية في إستراتيجية نتنياهو واليمين المتطرف الإسرائيلي بما يتعلق بالصراع مع الفلسطينيين والقضية الفلسطينية؟.

يعتقد اليمين الإسرائيلي المتطرف بأن الدولة الفلسطينية تمثل التهديد الأخطر ونهاية لأطماعه التوسعية، ونهاية لفكرة إقامة إسرائيل التوراتية، على جغرافيا فلسطين من النهر للبحر، وإجزاء من الأردن ولبنان وجنوب سوريا، فهذا اليمين يعمل ويبذل كل الجهود لضم الضفة، أو ضم أجزاء واسعة منها على الأقل، وبالتالي أي حديث عن دولة فلسطينية يحبط كل مخططاته، وفي سبيل منع قيام الدولة المعترف بها دوليًا هو مستعد لاستخدام كافة الوسائل، ومن أهم هذه الوسائل هو منع وحدة إقليم الدولة الفلسطينية، وإبقاء انفصال القطاع عن الضفة.

بالمقابل فإن حماس التي تدرك هذا الخط الأحمر اليميني الإسرائيلي لوحدة إقليم الدولة الفلسطينية، فإنها تستخدمه حتى آخر رمق، والمشكلة أن هناك دولاً عربية تدرك كل ذلك وتقوم باستخدامه واستغلاله، وحتى تغذيته سياسيًا وإعلاميًا، ليس حبًا بحماس وإنما إرضاء لإسرائيل وبالتحديد اليمين المتطرف فيها.

وكان السؤال بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023، وما تلاه من حرب إبادة، هل ستواصل حماس التقاطع مع اليمين الإسرائيلي، وترفض كما يرفض هذا اليمين، تسليم السلطة الوطنية القطاع وتوحيده مع الضفة، ويكون له سلطة واحدة وقانون واحد وسلاح واحد؟.

خلال حرب الإبادة واصلت حماس النهج نفسه، وكان واضحًا أن همها الحفاظ على سيطرتها على القطاع، وأن آخر ما يهمها هو القتل والدمار المريع في قطاع غزة، وكانت تستخدم القوة ضد أي محاولة تشي أن السلطة الوطنية تقوم بأي عمل في غزة.

وعندما وقعت حماس اتفاق وقف إطلاق النار كانت حريصة مثل نتنياهو على ألا تتم الإشارة إلى السلطة الوطنية أو أي دور لها بما في ذلك في معبر رفح، وهو ما يثلج صدر نتنياهو، ومع الأسف يثلج صدر حماس.

وفي لحظة توقيعها للاتفاق تعمدت حماس عقد اجتماع في الدوحة، ضم عددًا من الفصائل، لتوصل رسالة أن سيطرتها على قطاع غزة تمتلك شرعية وطنية، وأنها تصر على هذه السيطرة، بشكل مباشر أو غير مباشر.

وإذا أردنا التدقيق في كل ما تقوم به حماس، فإن كل معاركها مع إسرائيل، وحتى بعد حرب الإبادة الأخيرة، التي لم تنتهِ فصولها بعد، فإن اتفاقات الهدنة لم تشمل هدفًا وطنيًا واحدًا، وأن أي حديث عن دولة فلسطينية، أو حتى شرط عدم ضم مناطق في الضفة، أو حتى بما يتعلق بالمسجد الأقصى ذاته الذي "طوفانها اسمه". لذلك كله، ستبقى مناسبة لنتنياهو واليمين الإسرائيلي إستراتيجيًا، وحماس تفاوض اليوم من خلف الستار أن تبقى في غزة منزوعة السلاح، وأن تبقى هي من يحكم هناك.

نعود للصحافة الإسرائيلية، ونراجع كل ما تقوله هذه الصحف، بعد كل جولة قتال في القطاع، في كل مرة، وحتى فيما بين الجولة والأخرى، كانت هذه الصحافة تتطرق باستمرار إلى علاقة المصالح السياسية، والتقاطع بين مصالح نتنياهو وحماس.

وعلى أي حال، لم نكن ننتظر لتقول الصحافة الإسرائيلية لنا ذلك لأن كل وطني فلسطيني كان يلمس هذا التقاطع منذ تأسيس حماس في مطلع العام 1988، فهذه الحركة الإخوانية لم ترفض الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وإنما طرحت نفسها بديلاً لها، وكان هذا العنصر هو إستراتيجية ثابتة لدى حماس، وهي الإستراتيجية التي يرى بها اليمين المتطرف الإسرائيلي، أنها تدعم أهدافه في منع إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.