حرب الاستيطان الاستعماري الإسرائيلية شكل رئيس من أشكال الإبادة الجماعية للأرض والإنسان والمصالح الوطنية الفلسطينية، لا بل هي واحدة من بين أهم حروب الاستباحة لحقوق ومصالح الشعب الفلسطيني، والتي تلازمت مباشرة مع الأيام الأولى لاحتلال أراضي دولة فلسطين بعد الرابع من حزيران/يونيو 1967، حيث شرعت مباشرة دولة التطهير العرقي الإسرائيلية تنفيذ مخططاتها الاستعمارية عبر قضم الأرض الفلسطينية تدريجيًا، ومن خلال أشكال استعمارية عدة، منها الاستعمار العسكري الأمني، والديني الإيديولوجي، والاقتصادي وأخيرًا الرعوي، وصولاً لخيار الضم الكامل لأرض الدولة الفلسطينية دون فصل بين التقسيمات المعتمدة في اتفاقية أوسلو (AوB وC) بالتلازم مع صعود الرئيس دونالد ترامب لسدة الحكم في البيت الأبيض الأميركي في 20 كانون الثاني/يناير القادم للمرة الثانية، حيث يعتقدون وفق المعطيات المتوفرة لديهم، أن الرئيس الـ47 أعطى وعدًا بضم الضفة الفلسطينية.
طبعًا حكومة نتنياهو وزعران الصهيونية الدينية فوق النازيين سموتريش وبن غفير، لم ينتظروا وعد ترامب، ولا مجيئه. لأنهم شرعوا في ترجمة توجهاتهم العقائدية الدينية التوراتية المزيفة مع صعودهم لسدة السلطة التنفيذية في حكومة زعيم الليكود السادسة نهاية عام 2022، وما زالوا يعيثون في الأرض الفلسطينية فسادًا وتخريبًا بالاتفاق والتناغم مع رئيس الائتلاف الحكم، بنيامين نتنياهو.
وكشف وزير المالية، الوزير في وزارة الحرب أول أمس الجمعة 6 كانون الأول/ديسمبر الحالي عن مصادرة 24 ألف دونم بعد تصنيفها كأراضي دولة في الضفة الفلسطينية، بالإضافة لإلغاء الإدارة المدنية. وهو الإعلان الأكثر خطورة، والأكبر منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو عام 1993، والذي يهدد بشكل فعلي خيار استقلال دولة فلسطين المحتلة، وينسف عمليًا عملية السلام برمتها، ويغلق كليًا أي بارقة أمل أمام عملية السلام الممكنة، تنفيذًا لقوانين وقرارات الكنيست والسلطة التنفيذية الإسرائيلية بالتلازم مع ما يجري من إبادة جماعية في قطاع غزة منذ 14 شهرًا خلت، حيث تتكامل بخطوط متوازية عمليات الإبادة للأرض والشعب الفلسطيني والكيانية الفلسطينية، لتحقيق هدف إقامة دولة إسرائيل الكاملة على أرض فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر، والدفع بخيار الوطن البديل في المملكة الأردنية.
وتتم شرعنة الاستيطان الاستعماري من الضم القسري تحت مسميات وعناوين مختلفة، وأخطرها إسباغ صفة الأراضي المصادرة على أنها "أراضي الدولة"، ليمرر قادة الدولة الإسرائيلية اللقيطة، أن هذه الأراضي، هي "أراضٍ عامة، ليست ملكية خاصة لأحد"، وبحكم أن الدولة الإسرائيلية قائمة بالاحتلال، فإنها تعتبر نفسها صاحبة "الولاية" بالتقرير في مصير هذه الأراضي، وهو ما يتناقض مع أبسط معايير معاهدات جنيف الأربع، والمعاهدات الأممية كافة وقرارات الشرعية الدولية وفتوى محكمة العدل الدولية الصادرة في تموز/يوليو الماضي.
وكانت دولة إسرائيل وحكوماتها المتعاقبة حددت حتى العام الماضي 2023 نحو 50 ألف دونم كأراضي دولة، كمقدمة لاستباحتها ووضع اليد عليها، ولعل إعلان وزير المالية سموتريش عن مصادرة نصف المساحة المذكورة هذا العام، الخطوة العملية الأكثر دراماتيكية في عملية النهب المعلنة للأرض الفلسطينية، يصب في الأهداف الإسرائيلية الاستراتيجية، وعبر زعيم الصهيونية الدينية عن خطوته الخطيرة، التي نفذها بالتكامل والتوافق مع رئيس حكومة الائتلاف الحاكم بالقول: "في الوقت المناسب، أكملنا اليوم عملية معقدة للإعلان عن ضم 24 ألف دونم من أراضي الدولة جديدة في الضفة الغربية". وأضاف: "هذه العملية تخلق تسلسلاً استيطانيًا، وتبني احتياطات من الأراضي لإسرائيل لتطوير المستعمرات والبنية التحتية والطرق، وضمانات بأننا سنواصل تعزيز المستوطنات، ونحن هنا لنبقى".
ما تقدم يقرع جرس الإنذار مجددًا تلو الأجراس السابقة على الكل الفلسطيني والعربي والعالمي لينبه الجميع للأخطار المحدقة المستهدفة للأرض والإنسانية والكيانية الفلسطينية، وتدفع الأمور الكارثية قدمًا للأمام وبخطى متسارعة لتوسيع دائرة الإنفجار في الضفة الفلسطينية، التي هي عنوان المشروع الاستعماري الصهيوني الاجلائي الاحلالي على الأرض الفلسطينية كلها، وهو ما يستدعي من القيادة الفلسطينية اتخاذ الإجراءات الكفيلة لدرأ الأخطار، ووضع السيناريوهات المختلفة لمواجهة التحدي الإسرائيلي الأميركي لحماية الأرض والشعب والكيانية الفلسطينية، وفي مقدمتها ترتيب شؤون البيت الفلسطيني وتعزيز الوحدة الوطنية على أساس برنامج منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب، وتعزيز مكانة الدولة الفلسطينية على المستويات الأممية والداخلية، وتصعيد المقاومة الشعبية وفق خطة وطنية شاملة، ووقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة المنفلتة من كل عقال وقانون أممي المتواصلة منذ 429 يومًا، وإدخال المساعدات الإنسانية لأبناء شعبنا في غزة، وإرغام إسرائيل على سحب قواتها كليًا من القطاع، وتأمين الحماية الدولية للشعب في الضفة والقطاع، والذهاب لمؤتمر السلام لتحقيق استقلال الدولة الفلسطينية على أراضيها المحتلة عام 1967.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها