مما لا شك فيه أن وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر بشكل كبير على ثقافة الشباب الذين هم عماد المجتمع ورأسمال الوطن. فعند النظر إلى تفاصيل حياتهم اليومية، نجد أن هناك العديد من التأثيرات الإيجابية والسلبية لتلك الوسائل على حد سواء، والتي تتفاوت باختلاف نسبة استخدامها للوسائل المتاحة وبأشكالها المختلفة، وماهية المحتوى المتوفر، إضافة للسياقات الثقافية والاجتماعية المختلفة التي تتضمنها تلك الوسائل، ونعرض فيما يأتي بعضاً من أهم تلك التأثيرات:

وسائل التواصل الاجتماعي تمكّن الشباب من التواصل مع أصدقائهم ومعارفهم وزملائهم أينما كانوا، ما يسمح لهم بتبادل الأفكار ووجهات النظر والمعلومات، وهذا بدوره يُسهم في تعزيز دور الثقافات المختلفة في جميع أنحاء قريتنا الكونية الكبيرة، ويتيح المجال لفهم التنوع الثقافي والفكري وتقبل الطرف الآخر واحترام ثقافته.

كما توفر وسائل التواصل الاجتماعي العديد من المنصات التربوية والتعليمية المفيدة والبناءة، التي تتيح للشباب فرصًا كبيرة وواسعة لتعلم مهارات وتقنيات مبتكرة وحديثة، سواء كانت أكاديمية أو فنية أو تقنية، كما تمكنهم من الاشتراك في الكثير من النشاطات والفعاليات والمحاضرات والورشات التدريبية والدورات القيمة في شتى المجالات العلمية والفكرية.

وتعتبر وسائل التواصل الاجتماعي بيئة خصبة أمام الشباب لتعريف انفسهم للآخرين والتعبير عن مشاعرهم وهواياتهم وطموحاتهم وآمالهم وأحلامهم، والتنفيس عن همومهم من خلال تبادل اهتماماتهم وهوياتهم الثقافية والفنية عبر إرجاء العالم الواسع، ما يمكنهم من تعزيز ثقتهم بأنفسهم، وإيجاد الفرص المناسبة لدعم هواياتهم بشكل خاص، وتحقيق طموحاتهم وتبني مشاريعهم الواعدة والخلاقة.

ويستخدم الشباب وسائل التواصل الاجتماعي كمنصات لتوعية أفراد المجتمع والآخرين بالقضايا الاجتماعية السائدة والأوضاع السياسية الراهنة، ما يمكنهم من المشاركة في قضايا مجتمعية ملحة، والدعوة للتغيير الإيجابي والبناء، بما يرفع من المستوى الفكري والثقافي والاجتماعي للمواطنين، سواء على مستوى حقوق الإنسان أو أية قضايا بيئية أو اقتصادية أو اجتماعية.

إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين من حيث آثارها السلبية على أبناء المجتمع وبناته، وعلى الشباب بشكل محدد، فقد تخلق لدى الشباب شعورًا بالإحباط وخيبة الأمل، ما يسبب لهم الضغط النفسي جراء مقارنتهم المتواصلة لأنفسهم مع غيرهم في بلاد ومجتمعات أخرى، وخاصة تلك التي يتمتع فيها الشباب بمستوى عال من الرفاهية والاستقرار وبحبوحة العيش، فيجدون أنفسهم فريسة سهلة للاضطرابات النفسية والسلوكية كالتوتر والقلق والاكتئاب وغيرها من المشاكل النفسية.

وقد يشعر الشباب بالعزلة أو التباعد عن العائلة والأهل والأصدقاء بسبب قضاء وقت مفرط في العالم الافتراضي، بالرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي تهدف إلى تعزيز التواصل الدافئ مع الآخرين، إلا أنها في بعض الأحيان قد تؤدي إلى إضعاف وتقويض العلاقات الاجتماعية الحقيقية بين البشر، والتسبب في حالة مما يعرف باضطراب التوحد النفسي.

وقد تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على القيم الثقافية التقليدية في بعض المجتمعات، من خلال نشر وترويج قيم وثقافات أو نمط حياة قد لا ينسجم ويتوافق مع القيم الدينية والأخلاقية والفكرية والاجتماعية السائدة في ذلك المجمتع، ما يؤدي إلى انحطاط واندثار لبعض الموروثات الثقافية القيمة والأصيلة التي نعتز بها، أو تغيّر في أولويات الشباب وتطلعاتهم.

كما أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي قد يؤدي إلى الإدمان وضياع الوقت، ما يؤثر سلبًا على مستوى الإنتاجية والحياة اليومية للشباب. وقد أصبح الكثير من الشباب مهووسين بمواضيع ومحتويات رقمية، الأمر الذي ترك أثرًا سلبيًا كبيرًا على تفاعلهم مع العالم الواقعي، وسبب تراجعًا واضحًا في أدائهم الدراسي، وحتى في أدائهم الوظيفي والمهني.

ومن الجدير بالذكر أن وسائل التواصل الاجتماعي تتيح للناس نشر محتويات سيئة وضارة ولا تنسجم مع قيم المجتمع الراقية، فتصبح بمثابة مصيدة خطرة تعرض الشباب ذكورًا وإناثًا للتحرش أو التلاعب العاطفي والاستغلال المادي والنفسي، وهذا بدوره يؤدي إلى زعزعة الأمن الشخصي والسلم الأهلي، ويتسبب في تقويض وخلخلة الثقة بين الناس، فيعكس صورًا مشبوهة ومشوهة في عالم العلاقات بكافة أشكالها وألوانها.

وخلاصة القول: يمكننا أن ننظر إلى وسائل التواصل الاجتماعي كسيف ذو حدين، فإن لم يتم إطلاق (حسب ما اقترح في هذا المقال) حملة توعية وطنية شاملة ومقننة حكومية وخاصة وشعبوية، بحيث يشترك فيها كافة الأطراف والمؤسسات المؤهلة والقادرة على نشر ثقافة معرفية مسؤولة متأصلة وواعية ومتزنة، للحد من الآثار السلبية المدمرة التي اجتاحت مجتمعنا، والذي كنا نعتز بقيمه وتراثه الضاربة جذوره في أعماق الحضارة الإنسانية الأصيلة، فاقتحمت بيوتنا من كل فج عميق وبلا قيود.

حملة تهدف إلى التقليل من التأثيرات السلبية التي تهدد بيوتنا وشبابنا على نحو خاص، بحيث يتم تثقيف الناس والشباب حول كيفية استخدام هذه الوسائل بحذر وحكمة، وتحقيق التوازن بين العالم الرقمي والعالم الواقعي.

وأخيراً يجب ألا ننسى أن نقول إن المسؤولية الأولى تقع على عاتق الوالدين والمدرسة والجامعة وأماكن العبادة في توجيه الشباب نحو الاستخدام الآمن والمفيد لهذه الوسائل.