جرائم الإبادة الجماعية والتدمير والحرائق وتخريب المحاصيل الزراعية وخاصة في موسم قطف الزيتون وإطلاق الرصاص الحي على المواطنين تتعاظم في أرجاء الوطن الفلسطيني من الشمال إلى الوسط إلى الجنوب والشرق، ولم تبقَ مدينة أو قرية أو مخيم إلا وتعرض ويتعرض لانتهاكات خطيرة من قطعان المستعمرين بحماية ورعاية ودعم جيش الموت والأجهزة الأمنية الإسرائيلية دون ضوابط، حتى بلغ الأمر لاستباحة العاصمة المؤقتة لدولة فلسطين، أي محافظة رام الله والبيرة، وغابت كليًا الفواصل بين المناطق المصنفة A وB وC، وانقلبت المعادلة بعد أن كانت القيادة الفلسطينية وحكوماتها المتعاقبة تعمل على تعزيز السيادة في المنطقة C  وB، باتت حكومة نتنياهو وأدواتها الاستعمارية تعزز سيطرتها وهيمنتها على المنطقتين A وB، بهدف طمس وتصفية نفوذ دولة فلسطين وحكومتها تدريجيًا، لإلغاء دورها ومكانتها وكيانيتها السياسية والأمنية والإدارية والاقتصادية والمالية، وفقًا لقرارات وقوانين الكنيست الإسرائيلي وأهداف حكومة الائتلاف فوق النازي المعلنة بالرفض المبدئي لوجود أي كيانية وطنية فلسطينية بين البحر والنهر.

وتعميقًا لما ورد أعلاه، قامت فجر أمس الاثنين 4 تشرين ثاني/نوفمبر الحالي مجموعة من قطعان المستعمرين بالتسلل سيرًا على الأقدام من مستعمرة بيت إيل إلى مدينة البيرة، وأضرموا النيران في 18 سيارة وحرق شقتين وتضرر واجهات 5 عمارات سكنية، وعندما وصلت سيارات الدفاع المدني والإسعاف أطلقوا الرصاص عليها، ثم هربوا، ثم قامت قوات الجيش والشرطة الإسرائيلية باقتحام المدينة بذريعة التحقيق فيما حصل، والحقيقة أنهم لم يأتوا لا للتحقيق ولا ما يحزنون، إنما جاؤوا لمعاينة الأضرار والخسائر التي وقعت، ولمشاهدة ردود فعل الشارع الفلسطيني في البيرة توأم رام الله وشريكتها في العاصمة الإدارية.
ولوضع المواطن الفلسطيني على حجم الانتهاكات وجرائم الحرب الإسرائيلية في محافظات الشمال خلال شهر تشرين أول/أكتوبر الماضي فقط وفق تقرير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فإن جيش الإبادة الجماعية وأداة الحكومة المتوحشة من المستعمرين ارتكبوا 1490 اعتداءً في مناطق متفرقة من الضفة الفلسطينية، وهو ما يكشف عن تحول خطير في مسار الاعتداءات والخط البياني المتصاعد بشكل جنوني لها على أبناء الشعب الفلسطيني في محافظات الشمال، بالتزامن والتكامل مع الإبادة الجماعية المتواصلة بشكل جهنمي وغير مسبوق لليوم 396 على قطاع غزة، الذي سقط فيه بين شهيد وجريح ما يتجاوز 150 ألف من المواطنين الفلسطينيين غير المفقودين والمعتقلين، بالإضافة لتدمير نحو 80% من الوحدات السكنية والمعابد والمؤسسات التعليمية والثقافية بمختلف مستوياتها، وإخراج الغالبية العظمى من المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة، وتدمير المصانع والمعامل الصناعية والحقول الزراعية بغالبيتها، إن لم يكن كلها.

أمام هذا الفجور والتغول غير المسبوق في ظل وضع عربي وإقليمي ودولي يعاني من الشلل، وعدم القدرة على تنفيذ أي قرار أممي، بما في ذلك الفتوى القضائية لمحكمة العدل الدولية، التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 أيلول/سبتمبر الماضي، ما العمل؟ وهل يجب على القيادة الفلسطينية التعامل بذات الآليات المتبعة قبل إطلاق نيران وأهوال حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني بعد 7 تشرين أول/أكتوبر 2023، أم تفرض الضرورة الوطنية إعادة النظر في السياسات والآليات الواجب انتهاجها للدفاع عن أبناء شعبنا، والدولة الفلسطينية المحتلة؟ وهل هناك إمكانية للرهان على ارتقاء المجتمع الدولي للجم جرائم حرب إبادة الدولة الإسرائيلية اللقيطة وسادتها في واشنطن على الشعب؟ وهل انتخابات الرئاسة الأميركية اليوم الثلاثاء 5 تشرين ثاني/نوفمبر الحالي تحمل أية آفاق لوقف الإبادة الجماعية وحماية الكيانية الفلسطينية الضعيفة والهشة؟ وأين لجان الحماية للقرى والمدن والمخيمات؟ وأين هي المقاومة الشعبية السلمية المنظمة والمؤهلة لتعزيز روح الكفاح التحرري؟ وألم يكن بإمكان الأجهزة الأمنية الفلسطينية على الأقل وفقًا لما ذكر أحد القيادات الفتحاوية بإطلاق الرصاص في الجو لدفع أولئك المستعمرين للهرب قبل حرق السيارات والشقق والعبث في احدى مدن العاصمة الإدارية؟ ألا نتوقع أن يتم الهجوم في المستقبل المنظور على مقر الرئاسة والحكومة والأجهزة الأمنية؟.

أجزم أن الضرورة الوطنية تحتم على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والدولة والحكومة انتهاج سياسة وآليات عمل مختلفة لصد تلك الهجمات، وردع الائتلاف فوق النازي الحاكم من الانفلات أكثر فأكثر على مراكز القرار الفلسطيني، وتهديد مستقبل الكيانية الفلسطينية بالتصفية التامة. وكما يعلم الجميع أن إسرائيل الخارجة على القانون، والعالم أجمع وخاصة الإدارات الأميركية الحالية والقادمة لا يسمعون من صامت، وعليه لنبحث عن وسائل كفاحية أكثر جدوى وفعالية ليسمع العالم صوتنا، لأن حكومة نتنياهو ستعمل بشكل منهجي ووفق مخطط معد سلفًا على دفع الأمور نحو الهاوية، وليس حافة الهاوية في الضفة الفلسطينية والقدس العاصمة في المقدمة. وقادم الأيام سيحمل في ثناياه الانفجار هنا، وأرجو أن أكون مخطئًا في استشرافي للمشهد. الوقت من ذهب، إن لم نقطعه، فانه سيقطعنا إربًا إربًا.