اجواء المصالحة تركت آثارا ايجابية على الخطاب السياسي الفلسطيني عموما وخاصة خطاب حركة حماس، التي بدأ قادتها وعلى راسهم رئيس المكتب السياسي، خالد مشعل في تدوير زوايا الخطاب السياسي واستخدام لغة سياسية أكثر واقعية وقبولا من المواطنين الفلسطينيين. ففي المقابلات التي اجراها مباشرة بعد اللقاء، الذي تم يوم الخميس الماضي الموافق 22/12 لمناقشة وثيقة التفاهمات الخاصة بمنظمة التحرير الفلسطينية، وقبول حركة حماس الانضمام مع حركة الجهاد الاسلامي والمبادرة الوطنية للاطار القيادي لتفعيل المنظة، مع فضائيات مختلفة منها 'العربية' و'القدس' و'الاقصى' وغيرها من وسائل الاعلام الفلسطينية والعربية، اكد خلالها ابو الوليد على ان حركته، هي حركة بشرية وليست ربانية كما اشيع وعمم على مدار السنوات الماضية قبل وبعد الانقلاب الاسود على الشرعية. كما واكد مشعل، على ان حركته تخطىء وتصيب كما كل القوى. وذهب ابعد من ذلك حينما اكد: ان حركته وحركة فتح أخطأتا، وان الانقسام خطر على الشعب الفلسطيني، وهو، ليس بضاعة فلسطينية. واضاف مقولات سياسية إيجابية غير التي كان، وكانوا اقرانه في قيادة الحركة يرددونها صباح مساء.

بعيدا عن الاسباب التي دفعت حركة حماس للتراجع عن خطابها القديم، والتي لم تعد خافية على احد، فإن اللغة السياسية الجديدة مؤشر ايجابي جدا. ومن الواجب الترحيب بها، وتعميقها حتى تتكرس في الواقع لغة سياسية جامعة ومشتركة للكل الوطني، تعزز المصالحة، وتنقلها من دائرة التوافقات النظرية الى ارض الواقع، الى التطبيق، وطي حقيقي لصفحة الانقلاب الاسود على الشرعية الوطنية في حزيران/ يونيو 2007 . واعطاءي فرصة لاستعادة الشعب العربي الفلسطيني انفاسه، والمضي قدما نحو الاهداف الوطنية، التي تضمنتها وثيقة الوفاق الوطني او (وثيقة الاسرى).

ايضا لا يخفى على احد، ان خطاب مشعل والبردويل ورضوان وابو مرزوق وهنية وحتى الزهار، ان الامر لا يقتصر على ما احدثتة المصالحة من تحولات ايجابية في خطاب قيادات العمل الوطني، بل ان حركة حماس كما اشار تقرير صادر عن مركز الاعلام، اخذت تحث الخطى منذ اللحظة لمد الجسور مع الشارع الفلسطيني بهدف إعادة الثقة فيما بينها وبينه،  على الاقل في قطاع غزة، الذي شهد مواطنوه الويل نتاج الانقلاب، وحدث عمليا وعلى الارض إفتراق بين 'حماس' والغالبية الساحقة من المواطنين. وذلك تمهيدا لمعركة الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني القادمة في أيار القادم.

لا مجال للانكار ان خطوة قيادة حماس تنم عن إدراك لاهمية معركة الانتخابات القادمة، وتريد ان تحافظ على هيبتها إسوة بالانتخابات السابقة، التي حصلت فيها على الاغلبية. وستشهد الايام والاسابيع والاشهر القادمة لغة أكثر تسامحا وودية تجاه الجماهير الفلسطينية من قبل قادة حماس لاعادة الاعتبار لدور الحركة في الشارع الفلسطيني. لاسيما وان مكانتها كما اشير آنفا تآكلت وخاصة في القطاع. وحتى في الضفة، رغم ان المواطن الفلسطيني في محافظات الشمال لم برَ سوى اخطاء السلطة وحركة فتح. ولكن المواطن الفلسطيني عموما شعر ان حركة حماس تراجعت عما كانت وعدت به، وما نظرت له من  افكار وسلوكيات جديدة في محاربة الفساد. التجربة الملموسة الساطعة للحركة في قطاع غزة، اكدت انها لم تحدث اي تغيير حقيقي على الارض طيلة خمسة اعوام خلت، لا بل على العكس من ذلك شاهد الناس فسادا اكثر مما كان، وقمع للحريات، وفرض منطق وشيايات حماس على الاخرين قوى ومواطنين ومنظمات مجتمع مدني، وإستثار بالاملاك العامة والخاصة، وخوات ومافيات وامتيازات لم تكن وليست موجودة في اوساط السلطة الوطنية، ورفض المشاركة السياسية مع القوى الاخرى، ومحاولة نفي الآخر (حركة فتح)، والاعتقالات عن جنب وطرف للكل الوطني وخاصة ابناء حركة فتح ومناضلي الاجهزة الامنية، وانشاء قوى جديدة (تفريخ) باسماء وعناوين مختلفة كادوات لها..... الخ

مع ذلك الخطاب السياسي الجديد، خطاب يستحق الترحيب به،  لانه خطاب تصالحي ووحدوي، وتملي الضروة ملاقاته بخطاب مواز من قبل الكل الوطني دون نسيان ان حركة حماس معنية باستثمار اللحظة السياسية الايجابية الفلسطينية والعربية والدولية لصالحها، الامر اذي يفرض على القوى الوطنية والديمقراطية البحث الجدي بين مكونات فصائل منظمة التحرير والشخصيات الوطنية المستقلة للاعداد للمعركة القادمة، معركة الانتخابات من خلال تشكيل إئتلاف وطني ديمقراطي عريض بقيادة حركة فتح. والعمل منذ الامس، وليس منذ الان لاستعادة ثقة المواطن، وصياغة بنامج ووضع اليات عمل واقعية على تماس مع مصالح المواطن.

ومع الاحترام والتقدير لما قامت به حركة فتح من تكليف الاخ محمد المدني بالاشراف على ملف الانتخابات، فان الضرورة تفرض على فتح منذ الان من خلال كل اعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح حوار وطني مسؤول مع فصائل العمل والشخصيات المستقلة والبحث عن افضل السبل لاقامة تحالف وطني جامع يأخذ بالحسبان تمثيل كل القوى السياسية والمستقلين، والتخلي عن نزعة التفرد التاريخية. وايضا على قوى اليسار والتيار القومي بلورة رؤية وطنية ديمقراطية للدخول على اساسها مع حركة فتح، ولا تنتظر حتى الربع ساعة الاخيرة.

الجميع مطالب بالتحرك المباشر نحو إعداد الرؤى والبرامج والسياسات واليات العمل، والتقدم نحو الكل الوطني لمواجهة التحديات القادمة من خلال تعزيز الشراكة السياسية لحماية المشروع الوطني والديمقراطية الفلسطينية الوليدة، التي ضربها الانقلاب في الصميم. قادم الايام سيكشف مدى جاهزية القوى المختلفة حماس وفتح والفصائل الاخرى.