منذ السابع من أكتوبر العام الماضي، وحتى اللحظة، اعتلت منبر التحليل السياسي، والعسكري، في فضائية "الجزيرة" جماعة محددة، كزبائن دائمين، راحوا وما زالوا يقرؤون من الكتاب ذاته، لا بل من الصفحات ذاتها تقريبًا، عامٌ كامل وآلة الحرب الإسرائيلية تطحن قطاع غزة طحنًا، وما زالت كذلك، وخطباء التحليل السياسي والعسكري ما زالوا يقرؤون من الكتاب ذاته، الذي لا تقرب نصوصه، حال القطاع الواقعية، وهم ينفخون بكلماته في صورة "محور المقاومة" الذي بات اليوم في حال تصعب حتى على الكافر.
وإلى حدٍّ كبير يقرأ ما تبقى من قادة هذا المحور، من الكتاب ذاته، الذي لا نص فيه غير نص التحليل الرغبوي، الذي يتبغدد في تعابيره، الذي يبين أن "حماس" انتصرت على المستحيل في غزة. طبقًا لخالد مشعل، في كلمة له من هذا الكتاب في الذكرى الأولى "لطوفان الأقصى" وأكثر من أربعين ألف شهيد وشهيدة، وأكثر من تسعين ألف جريح، جراء هذا الانتصار، هم كما يقول مشعل مجرد خسائر تكتيكية، بينما خسائر إسرائيل هي خسائر استراتيجية كما أضاف في كلمته هذه، دون أن يوضح طبيعة هذه الخسائر، وآثارها، وما خلفت من نتائج، التي لا بد أن تكون استراتيجية أيضًا بالضرورة، على نحو ما يعبر عن الهزيمة الشاملة.
والأغرب كذلك في هذا السياق أن مشعل يعلن أن نتنياهو هو من يفشل مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، وهذا صحيح، لكن دون أن يفسر ويبين، لماذا إذا يفشل صاحب الخسائر الاستراتيجية، هذه المفاوضات؟.
وإذا كانت "حماس" قد انتصرت على المستحيل في غزة، فلماذا إذًا يطالب مشعل بفتح جبهة الضفة، وبجبهات إسناد جديدة لها، وليس بعد المستحيل طبعًا غير الممكن الذي يسهل الانتصار عليه.
الأكثر غرابة في ما قاله مشعل في كلمته هذه، أن صاحب الخسائر الاستراتيجية، هو ذاته صاحب الإنجازات التي حققها ضد إيران وحزب الله.
اغتيال أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، بغارة إسرائيلية، نووية تقريبًا، على ضاحية بيروت الجنوبية، هو إنجاز لصاحب الخسائر الاستراتيجية، حسب تعبير مشعل، الذي أضاف للتغطية على هذا التعبير الذي يبدو مصفقًا لهذه الإنجاز بأن إسرائيل هي المنهزمة.
هذا هو حال "الحيص بيص" حال الشدة والاختلاط، الذي يجعل من الكلام يرمى على عواهنه، وبمعنى الكلام الذي يلقى بلا تفكير ولا رواية، وبتعميمات مطلقة، حتى يغدو التدليس ممكنًا، ومن ذلك وحسب مشعل أعاد السابع من أكتوبر إسرائيل إلى نقطة الصفر، ولم يقل إن السابع من أكتوبر أعاد إسرائيل إلى احتلال قطاع غزة مجددًا.
لا أحد يرى حتى الآن شيئًا من ماهية نقطة الصفر هذه، التي قالها مشعل، ونقطة الصفر الوحيدة التي باتت واضحة للجميع هي الحال الذي بات عليه قطاع غزة.
كتاب معيب كتاب الخديعة هذا الذي ما زال خطباء التحليل السياسي والعسكري، في فضائية "الجزيرة" يقرؤون منه، وأغلبهم بطبيعة الحال من نشطاء اللغو الإخونجي، وآخرون من تجار الكلمة، ولكل واحدة منها، ثمنها المدفوع بالدولار الأميركي، فيما ثمن المتحدثون باسم "حماس" إنما هو البقاء في صورة المشهد السياسي والإعلامي على هذا النحو أو ذاك.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها