ما يحدث في الضفة الغربية من هجوم للجيش الإسرائيلي في شمال الضفة الغربية هو عمليًا بدء تنفيذ لخطة الحسم التي تقدم بها وزير المالية سيموريتش في الائتلاف الحاكم للحكومة الإسرائيلية، وهي جزء من تنفيذ برنامج بن غفير وزير الأمن الإسرائيلي في دعم الاستيطان في الضفة الغربية في إطار ما يسمى يهودا والسامرة أرض إسرائيل وأكثر من ذلك إنها الخطة الاستراتيجية والرؤيا لإسرائيل منذ نشأتها. الخطط الاستراتيجية لدولة الاحتلال بدأت تتكشف رويدًا رويدا  بخصوص الحلول التي تراها دولة الاحتلال لحل القضية الفلسطينية. لقد كشفت الحرب على قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر 2023 عن ثلاثة جوانب فيما يتعلق بالفلسطينين، أولها محاولة تهجير وتوطين الفلسطينين في شبه جزيرة سيناء، وثانيًا الأمر الذي يتعلق بالوضع لمؤسسة الأونروا واستصدار قانون من الكنيست باعتبار هذه المؤسسة الدولية مؤسسة إرهابية وهي التي تشرف على شؤون اللاجئين منذ 1948. وثالثًا قتل المدنين دون حدود أو حواجز أو رادع دونما أي سبب كان.

في الضفة الغربية الأمر يدخل ضمن تلك الحسابات وهو تهجير أعداد كبيرة من السكان إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن حيث ما زالت تضع إسرائيل في حساباتها أن الأردن هو الوطن البديل للفلسطينين، يقول غانتس وزير الدفاع الإسرائيلي في إحدى لقاءاته "إن أولئك الذين يرون دولتين لشعبين كحل للصراع يعيشون في وهم، ومن يظن أنه لن يكون هناك عرب في يوم من الأيام في الضفة الغربية يعيش في وهم أكبر هذا ما توافق عليه كل حكومات إسرائيل". لذا فإن ما يدور في مخيمات شمال الضفة الغربية وخاصة فيما يتعلق بهدم البنية التحتية في تلك المخيمات لتصبح بيئة غير صالحة للعيش الآدمي، والطلب من السكان الراغبين بالخروج من ساحة العمليات العسكرية، ما هو إلا عملية جس نبض للخطة الإسرائيلية في التهجير ومقياس لما يمكن أن تقوم به عندما تبدء إجراءات النزوح.

مشروع الوطن البديل ما زالت إسرائيل تضعه نصب عينيها، ويعتبر الأردن هدفًا لدولة الاحتلال من أجل ذلك. الوطن البديل للشعب الفلسطيني، وفي غير مرة وفي أكثر من مناسبة تحدث المسؤولين الإسرائيليين في هذا الموضوع وبشكل علني دون أدنى خجل أو حتى تحفظ، بأن الدولة الفلسطينية تقع شرق النهر وليس غربية.
لذا لقد أعلن الشعب الفلسطيني وعلى لسان قيادته أن الأردن وفلسطين جسدان في روح واحدة، وأن فلسطين هي فلسطين تقام عليها دولة فلسطين وأن الأردن هو الأردن وهي المملكة الأردنية الهاشمية دولة الأردنيين.

الحرب الدائرة على الفلسطينين منذ أكتوبر 2023، في  غزة، وقبل ذلك في الضفة الغربية لكن بشكل أقل حدية فإن نتنياهو يعمل جل ما في وسعه كي تبقى مستعرة وعدم الوصول إلى اتفاق. حتى مجيء الرئيس ترامب الذي وعد نتنياهو بتوسيع حدود دولة إسرائيل عندما اشتكى إليه نتنياهو في زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة والتقى الرئيس ترامب مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركية بأن إسرائيل دولة صغيرة، وبما أن ترامب صاحب الهدايا والعطايا لدولة إسرائيل بعد بلفور وزير خارجية بريطانيا قبل نشاة إسرائيل الذي منح اليهود وعدًا بإقامة دولة لهم على أرض فلسطين،  فقد قطع وعدًا في حملته الانتخابية منح إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة لتوسيع حدودها ولربما تتسع المنح والهدايا ليقضم أجزاء من دول الجوار لدولة الكيان.

- أكلت يوم أكل الثور الأبيض

لقد عملت إسرائيل على مدى عقود على تهجين سكان المدن الفلسطينية، وكانت أهم المشاريع التي عملت عليها هو تعزيز ما يسمى بالسلام الاقتصادي. ومن خلال هذا البرنامج استطاعت إسرائيل خلق شريحة مجتمعية همها هو الحصول على تسهيلات من الجانب الإسرائيلي،  والحفاظ على هذه المكتسبات، لأنه في اللحظة التي تسقط تلك التفاهمات والشروط لمنح التسهيلات فإن أصحاب الأعمال تنقطع معهم العلاقات الإسرائيلية، وعليه فإن أصحاب الأعمال أبقوا على هذه العلاقات التي لا يمكن أن يضحوا بها ونسجت علاقات ثنائية من أجل تحقيق هذا الهدف.

وفي ذات المحور  فإن إسرائيل قامت بنسج علاقات مع كثير من الشخصيات والعشائر وتبادلوا معهم العلاقات الاجتماعية وأبقوا على هذا التواصل، وأيضًا في هذا المقام لم تفرط تلك العشائر في تلك العلاقات وعمل الطرفان على استقرارها، وما زالت حتى يومنا هذا يستقبلون الادارات المتعاقبة للحكام الاداريين الإسرائيليين في المناسبات المختلف. وكانت إسرائيل فيما مضى قد أنشات في أوائل السبعينات من القرن الماضي روابط القرى ضمن أحد أهدافها للانقضاض على منظمة التحرير الفلسطينية، إلا أن هذا المشروع فشل وأنتهت الروابط بشكلها العلني.

وفي ذات المعنى عمل الاحتلال على ضرب القيم المجتمعية للشعب الفلسطيني، وقد أحدث ذلك شرخًا تغيرت فيه الكثير من المفاهيم التي طالما كان الشعب الفلسطيني يعتز بها. وأحدثت في ذلك برامج جعلت من الأراضي الفلسطينية مكبًا للنفايات الإسرائيلية، وسبب ذلك في معاناة مجتمعية في المجتمع الفلسطيني. على سبيل المثال النفايات الصلبة، تسهيل سرقة السيارات، السيارات المشطوب، وغير ذلك التي تركت أثرها طويلاُ في المجتمع الفلسطيني لمحاربة تلك الظواهر.

أما الشريحة الصامتة وهي عموم الناس في المجتمع الفلسطيني، فهي تتأثر بالمحتوى الجيوسياسي في كل حقبة. وأكثر ما يمكن أن تعبر عنه قناعتها في صندوق الانتخابات وهذا ما كان يقلب الأوضاع رأسًا على عقب.

أما الشريحة الرابعة وهي ناضلت وقدمت تضحيات في هذا الوطن، عاشت ظروف الاعتقال، وعذابات السجون ولحق الأذى في أسرهم ولكنهم بقيت أنفاسهم طاهرة، وبعيدة عن التمرغ السياسي، ولكن تجدهم في الطليعة دائمًا في كل القضايا التي يحتاجها الوطن.

إن ما يحدث في غزة من أهوال يعجز اللسان عن وصفها والمخيمات شمال الضفة الغربية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يمر دون أن يتأثر سائر الوطن، لأن الأهداف الإسرائيلية في تغير الوضع الديموغرافي سيصيب قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني،  هذا إذا علمنا أنه ليس فقط تريد أن تضم إسرائيل مناطق ما يسمى "ج" التي تعادل %62 من مساحة الضفة الغربية، بل أيضًا تريد إسرائيل أن تحصل على مناطق عازلة حول المستوطنات بعمق واحد كيلو متر حول كل مستوطنة في الضفة الغربية وهذا سيقلص مساحة الضفة الغربية إلى أقل من %15 من مساحتها والباقي لأغراض الاستيطان وهذا ما يخلق بيئة طاردة للسكان الفلسطينين من هذه البلاد.

هذا يعني أننا جميعًا سنواجه مصيرًا قاتمًا، إذا لم يتدارك الشعب الفلسطيني تلك النوايا وتلك المخططات. 
إن تعزيز صمود المواطنين برنامج عميق ومهم من أجل أن نحافظ على وجودنا على أرضنا الفلسطينية، وحماية إرثنا الحضاري الإنساني الذي يحاول الخصم أن ينال منه، وينال من الوعي الفلسطيني وثقافته.

ليس صدفة أن يقوم نتنياهو بدعم وصول الأموال القطرية إلى حركة "حماس" في غزة التي كان أهم أهدافها المعلنة هو الإبقاء على الانقسام، أما الهدف غير المعلن وهو أهداف إسرائيل الاستراتيجية الوصول لحالة ما يسمى الحرب على غزة في اللحظات المناسبة، وكذلك الوضع في الضفة الغربية لقد غضت إسرائيل عن وصول السلاح إليها، لتحقيق نفس الهدف الاستراتيجي لإسرائيل في مرحلة ما من الزمن تحددها هي في الوقت المناسب لها.

وصول السلاح إلى الفلسطينين في الضفة الغربية مصدره إسرائيل في أغلبيته ويتم عبر وسطاء محليين وإسرائيليين في غالبيته، جزء من هذا السلاح اشترته العشائر الفلسطينية بشكل واسع ضمن ترحيب إسرائيلي في سلطة العشائر من جانب وذلك في هدف تعزيز  الاقتتال الداخلي، ومن جانب آخر فإن المقاومة حصلت على صفقات السلاح من ذات المصدر بتمويل من حركة "حماس" وإيران. إدخال السلاح إلى المجتمع الفلسطيني هو صناعة إسرائيلية. إسرائيل هي التي أدارت هذا الملف لأهدافها التي إن تحققها، هي أن تدير معركة تعرف كيف ومتى تقوم بذلك.

إذا كانت حكومة نتنياهو تتشبث باوهام تلمودية وهذا موضع يتنافى مع نشأة دولة الاحتلال التي أنشأها الاستعمار البريطاني من أجل أهداف وضعها في منع الوحدة العربية وتبقى الذراع الطويلة في خدمة الاستعمار في منطقة الشرق الأوسط لتقوم اليوم على الاحتلال والاستيطان، فإن أربعة عشر مليون فلسطيني ومعهم مليار مسلم مغلوبون على أمرهم يضعون نصب أعينهم حلم الصلاة في المسجد الأقصى المبارك ولسان حالهم يقول:  "فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا" صدق الله العظيم.