حذرنا في البداية بأن إسرائيل تقوم بفتح جبهة عسكرية في الضفة الغربية قبل السابع من أكتوبر، وبأنها استغلت ما حدث في ذلك اليوم من أجل الضم الصامت التدريجي والتهويد والاستيطان والتنكيل بهدف تقويض المشروع الوطني الفلسطيني الذي تتمثل شرعيته الوطنية والدولية بمنظمة التحرير والسلطة الوطنية المتمركزة في الضفة الغربية.

وبالفعل فمنذ السابع من أكتوبر، استشهد أكثر من 680 مواطنًا فلسطينيًا، وأسر أكثر من عشرة آلاف مواطن. كما تضاعف الاستيطان ثلاث مرات، واستمرت أعمال تهويد المسجد الأقصى الذي يتم اقتحامه أسبوعيًا من قبل قطعان المستوطنين بقيادة ما يسمى وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير، الذي قام بتسليح وتدريب أكثر من نصف مليون مستوطن يقومون أسبوعيًا بالهجوم على القرى الفلسطينية وحرق محاصيلها وقتل أبنائها تمامًا كما حدث مؤخرًا في واد رحال، وترمسعيا وجيت وغيرها.

ويبدو أن حكومة إسرائيل الفاشية بدأت تغير من إستراتيجيتها المفضية إلى الضم الصامت والتدريجي للضفة الغربية، ففي تقريرها الصادر الشهر الجاري، أشارت الحملة الأكاديمية الدولية لمناهضة الاحتلال والأبرتهايد إلى تصاعد عمليات الضم والأبرتهايد الإسرائيلية منذ اعتراف بعض الدول الأوروبية بدولة فلسطين في أيار الماضي.

وخلص التقرير إلى أن هذا الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، إضافة إلى نجاح الدبلوماسية الفلسطينية بتحريك ملفات التقاضي ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية أدت جميعها إلى الضغط على حكومة الحرب الاسرائيلية لإتخاذ خطوات تهدف إلى تقويض مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية وإضعافها، والتي تعتبر العائق الأساسي في طريق الضم والتهويد للضفة الغربية.

ومن أجل الإسراع في خطوات الضم والتهويد، نسخت إسرائيل نموذج غزة في الضفة الغربية، وذلك بهدف الرد على الخطوات الدولية المناصرة للقضية الفلسطينية أولاً، وبهدف منع إقامة الدولة الفلسطينية ثانيًا.

وهذا الأمر لم يعد سرًا، فقد أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في أكثر من تصريح علني، وكذلك الأمر بالنسبة لبن غفير وسموتريتش الذي ظهر له تسريب صوتي في 12 آب الجاري يفيد بهذا المعنى. كما أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس وجوب تعامل بلاده مع الضفة الغربية بنفس طريقة التعامل مع غزة. وبالفعل، فإن قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي في هذه الأثناء باجتياح كامل لمنطقة شمال الضفة الغربية "جنين، وطولكرم وطوباس"، لم يكن إلا خطوة عسكرية لتطبيق نموذج غزة. بدأت بحشد فرقة عسكرية تجاوز عددها 15 ألف جندي إسرائيلي، وما زالت تستمر بأعمال القتل والأسر وإخلاء المواطنين وتدمير شبه كامل للبنى التحتية في هذه المناطق بحيث تجعلها أماكن غير قابلة للحياة.

باختصار، بدأت إسرائيل في "غزينة" الضفة الغربية بهدف منع إقامة الدولة الفلسطينية. ويتوافق مع هذا الاتجاه، رفض حكومة الاحتلال التوصل إلى أي اتفاق في غزة يفضي إلى وقف العدوان الإسرائيلي وعودة حكم السلطة الوطنية فيها، إضافة إلى رفضها مؤخرًا الانسحاب من محور فيلاديلفي.

بالنتيجة، حان الوقت للمجتمع الدولي للتدخل لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الضفة وغزة والاعتراف بالدولة الفلسطينية. وعلى هذا، فإن تصريحات جوزيف بوريل مسؤول ملف العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي يجب أن تترجم على أرض الواقع، فلقد دعا إلى وضع سموتريتش وبن غفير على قائمة الإرهاب وفرض عقوبات على إسرائيل لكونها تتخد خطوات عملية لاستعمار واستيطان المناطق الفلسطينية. ولقد أيدت إيرلندا هذه الخطوة، وتبقى أصوات بقية دول الاتحاد الأوروبي تحديًا حقيقيًا أمام الدبلوماسية الفلسطينية من أجل الضغط عليها للموافقة على مقترح بوريل.