نسأل الذين ابتدعوا مصطلح "الصهيونية المسيحية" أو "المسيحية الصهيونية" كيف أوهموا الناس بقدرتهم على تجاوز المستحيل، ويحاولون مزج الماء مع النار، السلام مع الحرب، وكيف تمكنوا من تقديم الخير والشر في كيان واحد، وكيف جمعوا قيم الحق وقوانينه، مع الباطل وجرائمه الخارجة عن منطق الإنسانية، نسألهم: ألا يعلمون أنهم يضللون أمة الإنسان، بمحاولاتهم البائسة مزج الكراهية والعدائية المطلقة للآخر، وبين المحبة والتآخي والتسامح، فالصهيونية شر، والمسيحية خير.

لا يحق لأحد استخدام رسالات السماء وكتبها المقدسة، لتحقيق أهداف سياسية دنيوية، لا علامة على حق أو خير أو سلام فيها، فحتى معظم اليهود في العالم يرون الصهيونية كارثة عليهم. أولاًـ وعلى الإنسانية، فالصهيونية عملت وما زالت تعمل منذ إنشائها لأهداف استعمارية دولية على تكريس الهمجية وملخصها "الإبادة والكفر بحق الحياة الكريمة للآخر" بعد نجاح أمة الإنسانية بتجاوزها في معظم بقاع الأرض، وأقلها لدى الشعوب الحائزة على العلامات الحضارية والحضرية المتمدنة، فأي عقل سليم سيقتنع بمزيج الخراب والبناء.

يستطيع المستعمرون نشر وترويج ما شاؤوا من المفاهيم والمصطلحات، وكتابة مجلدات مفعمة بتاريخ مزيف، وأحداث ما كانت إلا نتاج خيالهم المتصارع مع عقول العلماء والباحثين عن الحقيقة في الدنيا، فالعاملون على تفريغ الإنسان من مقومات ثقافته، يعملون على تفكيك الإيمان، ونشرالفتنة بين المؤمنين بذات العقيدة، أو بين المؤمنين بالرسالات السماوية كافة  "لذلك أنشئت هذه الجماعات التي حملت مصطلحات، "الصهيونية المسيحية"، أو"المسيحية الصهيونية" و"الصهيونية الدينية" و"الصهيونية السياسية" و"الإخوان المسلمين" ومشتقاتهم من الجماعات والتنظيمات، التي موهت بمصطلحات دينية، لكنها خلال مسيرتها العملية، ثبت لكل عاقل ومؤمن أن ما بينها وبين العقائد السماوية ملايين السنوات الضوئية.

يستطيع المستعمرون فعل كل هذا، لكنهم لن يقدروا على تطبيق خططهم، إلا إذا اخترقوا المجتمعات الإنسانية على غير طريقة أحصنة طروادة التي سرعان ما تنكشف، ويقضى عليها بشكل أو بآخر، ونقصد هنا بالتحديد الاختراق تحت يافطة البحوث والدراسات، التي يسعى أصحابها إلى تكريس مفاهيم  وإسقاطات "فئوية"، خادمة لتعميم أحزاب وتيارات وجماعات تستخدم الدين كسلاح لاحتكار الحقيقة ومن ثم السلطة، وهنا نستطيع بث تخوفنا الأعظم على مصيرنا كشعب واحد، في وطن واحد، ذلك أن بيننا من اتخذ مسماه ومرتبته الأكاديمية، لنشر هذه المصطلحات عن سابق تصميم وترصد، لخدمة أجندة خاصة، وهو يعلم ما يفعل، ومنهم الذي يقدم نفسه كباحث وأكاديمي  مستقل، لكنه ليس أكثر من تابع للسائد، ناقل لمنشورات في بحوث ودراسات مرجعها الأصلي "استشراقي استعماري" ثم يرددها في منتديات ومحاضرات ومؤتمرات، معتقدًا أنه ينتصر -بهذا النقل اللاعقلاني- لقضية عادلة، وهذا ما يدفعنا للاعتقاد أنه الأخطر على الحق الفلسطيني، خاصة إذا ما توفرت له فضاءات إعلامية، تقدم له الأوقات اللازمة، فيمضي باللعبة دون تبصر أهدافها، وهنا لا أكشف سرًا أني قد واجهت أكاديميا في منتدى على مستوى عربي، ردد مصطلح "المسيحية الصهيونية" بمنطق أقرب إلى محتوى مقالنا هذا، ومما قلت: "كان عليك كباحث أن تقول إن المستعمرين لبلادنا قد أنشأوا تيارات سياسية أو جماعات سياسية مؤيدة للصهيونية، لكنهم ألبسوها مصطلحات دينية، وألصقوها بالكتاب المقدس "الإنجيل" واستخدموا الكنيسة مقرات لهم، ما يعني أن هذه الجماعات توأم للإخوان المسلمين ومشتقاتهم في بلادنا الذين استخدموا الدين، وعندما عقب على مداخلتي مذكرًا بتاريخ إنشاء هذه الجماعات ومقراتها التي سميت ظلمًا "كنائس" قلت أمام الحضور الذي استحسن مداخلتي: "لماذا لا تقول عن هؤلاء إنهم دواعش أميركا والدول الاستعمارية؟ خلاصة القول: إما أن يكون المرء مسيحيًا أو يكون صهيونيًا، وإما أن يكون مسلمًا، أو يكون يكون إخوانيًا، فالسماء تبقى هي السماء، والأرض تبقى هي الأرض، والخير والشر في صراع لا يلتقيان أبدًا.