شهدت دول الإقليم الشرق أوسطي العربي والإسلامي نقلة جديدة في توسيع دائرة الصراع، مع تجاوز سقف قواعد الاشتباك خلال الشهور العشرة الماضية، وتحديدًا بعد سقوط صاروخ القبة الحديدية الإسرائيلي على ملعب كرة القدم في بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل عصر يوم السبت 28 تموز/ يوليو الماضي، نجم عنه ارتكاب مجزرة وحشية أدت إلى سقوط إثنا عشر شهيدًا غالبيتهم العظمى من الأطفال، الحدث الذي استغلته حكومة الإبادة الجماعية الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو عبر قلب الحقائق، واتهام حزب الله اللبناني بإطلاق الصاروخ، مع أن الحزب نفى ذلك.
لكن نتنياهو الذي كان أثناء ذلك يواصل زيارته لواشنطن العاصمة الأميركية، بعد إلقائه خطابًا ملفقًا وكاذبًا أمام أعضاء المجلسين من الشيوخ والنواب جلهم من الحزب الجمهوري يوم الأربعاء 24 تموز/ يوليو الماضي، والذين مثلوا حالة انحطاط وتراجع مكانة الولايات المتحدة الأميركية سياسيًا وقيميًا وأخلاقيًا واقتصاديًا وحتى عسكريًا وعالميًا بتصفقيهم الهزلي والتهريجي وقوفًا لأكثر خطابات نتنياهو تزويرًا وقلبًا للحقائق وصفاقة وتغولاً على الشعب العربي الفلسطيني. استغل نتنياهو سقوط الصاروخ الإسرائيلي على الأطفال السوريين العرب، وأعلن مع اركان قيادته، بعدما قفزوا عن لحظة الارباك الأولى، التي شابت مواقفهم من الصاروخ الجريمة، وأعلنوا النفير العام، وخلقوا أجواءً مشحونة من التوتر في الإقليم لتحقيق أكثر من هدف، أولاً تبرئة الذات الاسرائيلية من المجزرة الوحشية؛ ثانيًا تحميل المسؤولية لحزب الله اللبناني؛ ثالثًا تهيئة المناخ لتوسيع دوامة الإبادة الجماعية، ونطاق الحرب الوحشية لتشمل جبهة الشمال أيضًا، وحتى أوسع من ذلك.
ولتحقيق النقطة الأخيرة، قطع رئيس الوزراء الإسرائيلي زيارته لواشنطن، وعاد أدراجه لتل أبيب، وعقد اجتماعًا للكابينيت الإسرائيلي في وزارة الحرب استمر لأربع ساعات تدارس اركانه بنك الأهداف، ووسائل وآليات تنفيذها، وتحديد الزمان والمكان والرموز المستهدفة، وحددوا الرسائل وغايات عملياتهم العسكرية. لا سيما وأن الشروط السياسية والأمنية العسكرية ملائمة لتوسيع دائرة الحرب، وتتمثل أولاً في أخذ الضوء الأخضر من مسرحية التهريج في مبنى الكابيتول، ومن أركان الإدارة الأميركية؛ ثانيًا لقطع الطريق على تقدم فصائل العمل الوطني الفلسطيني العائدة من العاصمة الصينية بكين، وهي تحمل بيان التوافق النسبي لدفع عربة المصالحة الوطنية الصادر 23 تموز/ يوليو الماضي؛ ثالثًا المناخ العربي الرسمي الملائم، والمستكين لواقع الحال، والذي تأقلم مع واقع الإبادة الجماعية؛ رابعًا الحالة العالمية غير القادة على تجاوز سقف الرؤيا السياسية والأمنية للولايات المتحدة الأميركية.
هذه الشروط هيأت الفرصة لتحقيق غايات وحسابات نتنياهو وحكومته، فقامت بتنفيذ سلسلة عمليات اغتيال وقصف في أربع عواصم عربية وإسلامية ما بين يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين 30 و31 تموز/ يوليو الفارط: الأولى اغتيال القائد العسكرية الأول في حزب الله فؤاد شكر "الحاج محسن" في منزله في حارة حريك/ الضاحية الجنوبية من العاصمة اللبنانية بيروت، ما أدى لاغتيال شكر ومعه مستشار أمني إيراني وسبعة شهداء وعشرات الجرحى من سكان العمارة التي يقيم فيها القائد العسكري، وتدمير أربعة طوابق من أصل ثمانية في العمارة؛ الثانية قصف معسكر لقوات الحشد الشعبي في محافظة بابل جنوب بغداد العاصمة العراقية وتزامنت عملية القصف مع قصف الضاحية الجنوبية في بيروت؛ الثالثة اغتيال القائد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في العاصمة الإيرانية طهران فجر الأربعاء؛ الرابعة قصف أحد مواقع المستشارين الإيرانيين في حي السيدة زينب في دمشق العاصمة السورية؛ وطبعًا مع مواصلة الإبادة الجماعية على أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، واستهداف الإعلاميين الفلسطينيين إسماعيل الغول والمصور رامي الريفي.
وكانت غايات نتنياهو وأركان ائتلافه تحقيق أكثر من هدف، منها: أولاً ولوج خيار تصعيد نطاق الحرب. لأن عمليات الاغتيال تحديدًا تحمل في طياتها شرارات إشعال سهل الشرق الأوسطي، إلا إذا خرجنا عن صندوق التقديرات المعلن، وكانت عمليات الاغتيال محسوبة النتائج؛ ثانيًا إغلاق باب المفاوضات وإبرام صفقة تبادل الأسرى ووقف الحرب؛ ثالثًا أو قد يكون اغتيال إسماعيل هنية، كما أعلن خالد مشعل، رئيس حماس بالنيابة في عملية تشييع القائد هنية أمس الجمعة 2 آب/أغسطس الحالي ضريبة وقف الإبادة الجماعية، بحيث يعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية "النصر الكامل" على أذرع المقاومة وحركة حماس خصوصًا؛ رابعًا تعديل المزاج الشعبي الإسرائيلي لصالح نتنياهو، وَلَّي ذراع المعارضة الإسرائيلية. مع أن آخر استطلاع لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية أمس الجمعة، لا يشير بتغير كبير في نسب التفاوت بينه وبين بيني غانتس لتولي رئاسة الحكومة، حيث يحصل الأخير على نسبة 41% والأول على نسبة 39%؛ خامسًا تعديل منسوب الردع بين إسرائيل وأذرع المقاومة في الساحات المختلفة، الذي اهتز نسبيًا بعد السابع من تشرين اول /أكتوبر 2023، وأثر على مكانة وسمعة إسرائيل وفشلها الأمني والعسكري، وعدم قدرة جيشها المجوقل وعنوان غطرسة وفخر الدولة العبرية على حسم الحرب وفق مخططه، وكشف عن عدم أهلية دبابة الميركافا وصواريخ القبة الحديدية؛ سادسًا لكف يد ضغط الادارة الأميركية عن إسرائيل لمواصلة حربها على الشعب الفلسطيني والساحات الأخرى في حال ردت على جرائم الاغتيال المحرجة للجميع.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها