لا أعتقد أن هناك عرضًا مسرحيًا مونودراميًا تافهًا ومبتذلاً وساقطًا بامتياز، كما عرض بنيامين نتنياهو أول أمس الأربعاء 24 يوليو الحالي، عندما قدم عرضه المسرحي على مدار ساعة كاملة أمام جمهور مدفوع الاجر ورخيص القيمة والثمن والمكانة. جمهور جله من أعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ الجمهوريين. لا سيما وأن نحو 90 عضوًا من الحزب الديمقراطي رفضوا حضور المسرحية، وجزء آخر أصر على الحضور ليرى ملك الكذب المتوج، وهو يقدم بمسرحيته المشحونة بالأكاذيب والافتراءات على حقائق التاريخ والجغرافيا وتشويه الوقائع والتحريض على الكراهية والعنصرية والإبادة الجماعية، ويقبض الثمن مقابل الخروج للشارع ضد الإبادة في قطاع غزة، ليس هذا فحسب، بل صفق أولئك النواب المأجورين لتطاول الأجير المتغطرس الإسرائيلي على الشعب الأميركي، واتهامه باتهامات باطلة، كونه استيقظ على حقيقة دولة إسرائيل اللقيطة والمعادية للسلام والتعايش، وتعرف على حقيقة الصراع، وتبنى السردية الفلسطينية، وطالب بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر دفاعًا عن حق الشعب في الحرية والاستقلال على أرض وطنه الأم فلسطين، وطالب بوقف الإبادة الجماعية، مما دعا الرجل الأكذب في التاريخ لاتهام العلماء والرأي العام الأميركي والأوروبي، بأنهم يجهلون التاريخ والجغرافيا، وادعى مستندًا بالأساطير والخزعبلات والميثالوجيا، بأن فلسطين العربية، هي أرض اليهود الصهاينة من 4000 آلاف سنة، وبأن القدس هي العاصمة الفلسطينية الأبدية، وهي عاصمة دولة إسرائيل، ولن تقسم. 
لكن أكاذيبه وتزويره للتاريخ والجغرافيا وحقائقها لم تنطلِ على أحد، إلا على نواب المجلسين مدفوعي الأجر، الذين صفقوا له بشكل تهريجي ومبتذل نحو 53 مرة، وتجاوزوا المنطق والعقل واحترام الذات، وكشف عن خواء وإفلاس تلك الثلة المأفونة، وأسيرة مال أباطرة رأس المال المالي الصهاينة وكارتلات السلاح و"الايباك" الصهيونية والحسابات الاستعمارية للدولة العميقة في الولايات المتحدة. 

تفوق رئيس حكومة الإبادة الجماعية الإسرائيلية على غوبلز الألماني النازي في أكاذيبه، وافترائه على حقوق الشعب العربي الفلسطيني، وادعى بشكل فاجر بأن عدد الضحايا الفلسطينيين في قطاع غزة، الذي فاق التسعة وثلاثين ألف شهيد وتسعين ألف جريح وما يزيد عن 10 آلاف مفقود، عدد محدود، ولا صلة له بما جرى في الحرب العالمية الثانية، وحاول عن سابق تصميم وإصرار لي عنق الحقيقة، والالتفاف على قراءة نسبة الضحايا بالتناسب بين عدد سكان القطاع الذي لا يزيد عن 2 مليون و300 ألف إنسان وأعداد سكان الدول الأخرى، فمثلاً لو قورن هذا العدد مع عدد سكان إسرائيل النازية، لكان عدد الضحايا بلغ نحو نصف مليون إنسان. ولو أجريت مقاربة مع سكان الولايات المتحدة الأميركية لكان عدد الضحايا يتجاوز 26 مليون انسان
كما أن نتنياهو قلب الحقائق بالقول، أن الحرب الدائرة، هي بين الحضارة والشر، وهذا حقيقي جدًا، ولكن ليس وفق رؤية القاتل ومجرم الحرب نتنياهو، لأنه يمثل، ومن خلفه الولايات المتحدة ومن يدور في فلكهم، هم ممثلو الشر، والشعب الفلسطيني بمثل الحضارة والسلام والقانون الدولي. وأضاف دون أن يرف له جفن كذبة، إن حكومته سمحت بدخول المساعدات الإنسانية بكميات كبيرة، بحيث بلغت كمية ما يحصل عليه الإنسان الفلسطيني في قطاع غزة 3000 غالوري، وهذا عار من الصحة، ويتنافى مع المعطيات والحقائق. 
رجل إسرائيل الحاكم بأمره المثخن بجراح الإبادة الجماعية والتناقضات الداخلية مع معارضيه والشارع الإسرائيلي عمومًا والرأي العام الأميركي والأوروبي والعالمي، لم يكتف بالتحريض على الرأي العام العالمي، وإنما قام بعملية تحريض استعلائي على قضاة محكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، التي أصدرت يوم الجمعة 19 يوليو الحالي رأيًا استشاريًا، أكد فيه قضاتها بأن الاستعمار الإسرائيلي والاستيطان الصهيوني للأرض الفلسطينية غير شرعي، ويجب أن يتم تفكيكه، والانسحاب من الأرض الفلسطينية، والتعويض للمواطنين الفلسطينيين لتأمين استقلال دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية. لأن الدولة الفلسطينية قائمة على الأرض. 

ومن الحقائق التي نطق بها مجرم الحرب الإسرائيلي أمام أعضاء المجلسين، هي: أولاً رفضه وقف الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني في عموم الوطن الفلسطيني، وليس في قطاع غزة فقط؛ ثانيًا رفض صفقة التبادل، ووقف إطلاق النار، التي لم يأت على ذكرها نهائيًا في خطابه التهريجي؛ ثالثًا أكد على أن هدفه هو وعي الشعب الفلسطيني، وإرغامه على الإقرار بالرواية الإسرائيلية، والاستسلام الكامل، وعدم عودته لخيار الدفاع عن مصالحه الوطنية وحقه في الحرية والاستقلال والعودة وتقرير المصير، وإصراره في اليوم التالي على إقامة إدارة محلية، أي روابط قرى جديدة في غزة، وبالتالي سعيه مع أقرانه في الائتلاف النازي الحاكم على طمس وتبديد الكيانية الفلسطينية؛ رابعًا التأكيد على أن حربه، هي حرب أميركية إسرائيلية على الشعب الفلسطيني، وأن جيشه يدافع عن المصالح الأميركية في المنطقة، ولا يمكن لأميركا الاستغناء عن الأداة الوظيفية لإسرائيل، وهو إقرار بأن دولته لا تعدو أكثر من أداة وظيفية مأجورة؛ خامسًا طالب لمواصلة الإبادة الجماعية، وفتح جبهة الشمال وعلى اليمن بالمال والسلاح، مع أن الإدارة الأميركية منحت إسرائيل فورًا 8 مليارات دولار أميركي في فبراير الماضي، ورصدت مساعدات مالية للدولة اللقيطة 60 مليار دولار في موازنتها الجديدة. فضلاً عن الجسر الجوي والبحري منذ 8 أكتوبر المفتوح حتى اليوم لنقل أسلحة الدمار الشامل الحديثة والفتاكة للدولة الإسرائيلية بما فيها القنابل التي يصل وزنها إلى نحو 900 كليو من المتفجرات واليورانيوم والإشاعات المدمرة والقاتلة للإنسان الفلسطيني وخاصة للأطفال والنساء؛ سادسًا بأن إسرائيل ستعمل مع الدول العربية الموقعة على اتفاقات الاستسلام على إقامة حلف بغداد جديد، باسم حلف "إبراهيم" أو "ابرهام"؛ سابعًا تطاول على القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي والمحاكم الأممية وهيئة الأمم المتحدة ومنظماتها كافة بما فيها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، التي صادق الكنيست يوم الأحد 21 يوليو الحالي على اعتبارها "منظمة إرهابية". 
هناك الكثير من الأكاذيب والتلفيقات التي ألقاها في خطابه الفاجر واللا أخلاقي، حتى أن نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب السابقة، التي رفضت حضور خطابه، كتبت مهاجمة على صفحتها في موقع "إكس" خطاب نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل بأنه "أسوأ عرض قدمته شخصية أجنبية حظيت بشرف مخاطبة الكونغرس"، وغيرها الكثير من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين والأكاديميين وغيرهم من النخب السياسية والثقافية والفنية الأميركيين اعتبروه مسرحية سمجة مليئة بالأكاذيب والتزوير للحقائق.