كنت أميل للكتابة عن زيارة بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني لواشنطن وإلقائه كلمة أمام الكونغرس أمس الأربعاء 24 يوليو الحالي، بعد دعوته من قبل رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون، بعد مشاهدة وقائع الجلسة، التي أعتقد، أنها ستكون غير عادية، ومختلفة تمامًا عن المرات الثلاث السابقة، حيث يأتي لمبنى الكابيتول، وهو مثقل بأعباء حرب الإبادة، والتناقضات الإسرائيلية الداخلية، ليس في أوساط مجلس الوزراء فقط، إنما مع المعارضة وذوي الأسرى الإسرائيليين وقطاع لا بأس به من الشارع الإسرائيلي، ومع نسبة 72% من المستطلعة آراءهم يطالبون برحيله وإجراء انتخابات مبكرة للكنيست. لكن الكلمة والزيارة قد تحتاج إلى أكثر من قراءة ومعالجة، لأكثر من اعتبار، منها محاولته إقناع المشرعين الأميركيين بوجهة نظره في إدامة حرب الإبادة؛ وتعطيله لإبرام صفقة التبادل للأسرى، ووقف الحرب على الشعب الفلسطيني؛ تعاظم واتساع المعارضة الأميركية لوجوده، ولدعمه بالسلاح والمال، سياسيًا وديبلوماسيًا واعلاميًا وقانونيًا، وبالمقابل زيادة التأييد للشعب الفلسطيني وحقوقه السياسية في أوساط الشارع والنخب السياسية الأميركية؛ والتأثيرات السلبية للحرب الوحشية على مكانة الولايات المتحدة السياسية والقانونية والأخلاقية. لا سيما وأنها قادت وشاركت ودعمت حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، مما أفقدها مصداقيتها، وعرى وجهها القبيح أمام الأميركيين والرأي العام العالمي والمؤسسات والمنظمات الأممية والمحاكم الدولية.

حل يوم الاثنين 22 يوليو الحالي نتنياهو ضيفًا ثقيلاً على الشعب الأميركي وإدارته الحالية بقيادة بايدن، وفي ظل انقسام واضح وجلي في الأوساط الأميركية المختلفة، وتمظهر ذلك بإعلان نحو 100 مشرع أميركي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، جلهم من الديمقراطيين، أبرزهم كاملا هاريس المرشحة الديمقراطية للرئاسة من عدم المشاركة للاستماع لخطابه في الكونغرس، وإصرار بعض المشرعين الحضور لجلسة مجلس النواب للتشويش على كلمته، التي ستحمل الكثير من الادعاءات والأكاذيب، وتجمع الآلاف من الأميركيين المعارضين أمام الكونغرس رفضًا لوجوده، ولإلقائه خطابه أمام الهيئة التشريعية، وإعلان 7 نقابات أميركية يقدر عدد أعضاءها نحو 6 ملايين أميركي عن مطالبتها بوقف إرسال السلاح لحكومة الحرب الإسرائيلية، ومطالبتها بوقف الحرب فورًا على الفلسطينيين في قطاع غزة، وفي ظل حراسة غير مسبوقة لزياراته للولايات المتحدة.
ويأتي نتنياهو للعاصمة الأميركية بعد اعلان بايدن عن انسحابه من السباق الرئاسي، وهو أكثر تحررًا من قيود الحاكم الإسرائيلي المراوغ وأنصاره في الولايات المتحدة، مما يمنح الرئيس الأميركي الذي سيلتقيه اليوم الخميس الأهلية والقدرة على الضغط عليه للاستجابة لطلب الإدارة بوقف الحرب، وإبرام الصفقة، التي أجل الموافقة عليها لما بعد القاء خطابه المشؤوم. كما أنه يأتي بعد مصادقة الكنيست على قرار عدم القبول بوجود الدولة الفلسطينية، الموجودة فعلاً على الأرض، بين البحر والنهر، وبعد تمرير مشروع قرار بالقراءة التمهيدية يصنف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، بأنها منظمة "إرهابية"، وهذا فجور وفساد وإفلاس سياسي وقانوني وأخلاقي، وتطاول على الهيئات الأممية الحامية للقانون الدولي، والتي تعمل استنادًا لميثاق ومعاهدات ومواثيق هيئة الأمم المتحدة، وفي ظل تصاعد خرافي وهمجي غير مسبوق لحرب الإبادة الجماعية على أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة للشهر العاشر على التوالي، وذهب ضحيتها حتى اللحظة ما يزيد عن 39 ألف شهيد، وما يفوق التسعين ألف جريح وما يتجاوز العشرة آلاف مفقود جلهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير هائل لمئات الآلاف من الوحدات السكنية والجامعات والمدارس والمؤسسات الحكومية والأهلية والمراكز الثقافية والمعابد، وإخراج الغالبية العظمى من المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة، وفي ظل حرب التجويع والأمراض والأوبئة والتلوث البيئي.

وشاء من لقائه أعضاء الكونغرس والقيادات الأميركية من الحزبين تحقيق أكثر من هدف، أولاً إقناع السلطتين التشريعية والتنفيذية بوجهة نظره في مواصلة الحرب حتى تحقيق أهدافه، التي لم يحقق منها سوى هدف الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني؛ ثانيًا مخاطبة الشارع الإسرائيلي عمومًا ومعارضيه خصوصًا، وثنيهم عن معارضة سياساته المفضوحة والمعروفة لديهم جميعًا، ويعلمون أن هدفه الأساس البقاء على كرسي الحكم، بالإضافة لتحقيق الأهداف الايديولوجية والاستراتيجية للمشروع الصهيوني في نفي وإبادة الفلسطينيين، التي لا يختلفون عليها، ولكنهم يعارضون الياته وحساباته الخاصة في إدارة الحرب؛ ثالثًا الحصول على المزيد من الدعم المالي والعسكري والسياسي والديبلوماسي والقانوني للدولة الإسرائيلي؛ رابعًا الحصول على المباركة على قرار الكنيست الأخير برفض وجود واستقلال الدولة الفلسطينية؛ خامسًا حماية دولته اللقيطة النازية وأركان حكمه من السياسيين والعسكريين من الملاحقات القانونية في المحكمتين الجنائية والعدل الدوليتين.
لكن أعتقد أن نتنياهو لن يحصل على كل ما يريد، وسيعود بعكس المرات السابقة أضعف مما كان عليه قبل مجيئه لواشنطن. رغم أنه ما زال الرجل القوي حتى اللحظة في إسرائيل، إلا أن المعطيات الماثلة تشير إلى أكاذيبه التي لن تنطلي على قطاع واسع من الأميركيين والإسرائيليين، لأنه بات عاريًا ومفضوحًا أكثر من أي وقت مضى.