الغالبية الساحقة من الدول والمؤسسات الأممية والرأي العام العالمي تدعو إلى وقف حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من قبل دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، ورغم مرور 286 يومًا من الحرب، وصدور قرار من مجلس الأمن الدولي في 10 يونيو الماضي تحت الرقم 2735 ينص بشكل واضح على وقف الحرب، الذي قدمه كمشروع قرار الرئيس جو بايدن الأميركي، إلا أن حكومة الحرب بقيادة نتنياهو ترفض الاستجابة، وحتى ترفض إبرام صفقة تبادل الأسرى ووقف الحرب عبر مراحله الثلاث. 
وهنا تبرز أسئلة عديدة، هل هناك لغز وراء ذلك؟ وأين مفتاح وقف الحرب، وبأي يد هو؟ وهل دولة إسرائيل اللقيطة النازية قادرة على لَيّ ذِرَاع الدول والمؤسسات الدولية وفي مقدمتها هيئة الأمم المتحدة والرأي العام العالمي؟ ولماذا أيدي الأقطاب الدولية مشلولة حتى الآن، رغم الموافقة على قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة الداعية لذلك؟ 

في الحقيقة لا يوجد لغزاً، ومفتاح وقف الحرب موجود ومعروف مكانه والدولة القابضة عليه، وهي الولايات المتحدة الأميركية، التي تأبى حتى الآن الزام إسرائيل المارقة والخارجة على القانون بتنفيذ القرارات الأممية، ليس هذا فحسب، بل إنها تماطل وتسوف في الضغط على أداتها وحليفتها الاستراتيجية، وتعمل على إعادة تدوير زوايا بنود قرار مجلس الامن وخاصة النقطتين 8 و14 منه، كي تؤمن لربيبتها الدولة العبرية مضاعفة إدماء وقتل المزيد من أبناء الشعب الفلسطيني عمومًا والأطفال والنساء خصوصًا، وتدمير ما تبقى من وحدات سكنية ومؤسسات حكومية وتربوية وأممية وأماكن إيواء النازحين ودور العبادة المسيحية والإسلامية ومن البنى التحتية في القطاع، وتقنين دخول المساعدات الإنسانية بمشتقاتها المختلفة. 
ولا أضيف جديدًا للقارئ، بالتأكيد على أن المرشحين للرئاسة الأميركية وحزبيهما بغالبية أعضاءهما في المجلسين يتنافسان على استرضاء نتنياهو وأقرانه في حكومة الإبادة والتطهير العرقي الإسرائيلية، والالتفاف على كل ما تقدم من ضغوط دولية بذرائع مفضوحة عنوانها الأساس الآن الحملات الانتخابية حتى نوفمبر القادم موعد الانتخابات، وبالتالي الأفق معدوم في إبرام صفقة التبادل ووقف الحرب. لأن نتنياهو وائتلافه الحاكم عمومًا ليسوا في عجلة من أمرهم لوقف الحرب، رغم وجود تناقض واضح في مكونات الحكومة بين رئيسها وقادة الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، حيث يطالب العسكر بضرورة وفق الحرب واتمام عملية التبادل لأسرى الحرب. كما يطالب ذووا الرهائن والرأي العام وزعماء المعارضة الإسرائيليين الرجل القوي في إسرائيل بالأمر ذاته. لكنه ما زال يناور، وكلما اقتربت الصفقة من رؤية النور، يخرج الحاوي نتنياهو ورقة معطلة جديدة، فيعيد المفاوضات لنقطة الصفر، ويصر على تحقيق أهداف الحرب، التي تحقق منها هدف أساس، هو مواصلة الإبادة الجماعية للفلسطينيين عمومًا وفي قطاع غزة خصوصًا، الذين سقط منهم حتى اليوم ما يقارب 39 ألف شهيد وما يزيد عن 89 ألف جريح و10 آلاف مفقود ونحو 22 ألف معتقل في سجون وباستيلات الدولة الإسرائيلية. 

إذاً ما العمل لبلوغ وقف الحرب الجهنمية والأفظع في تاريخ الحروب البشرية؟ أجزم أن الأقطاب الدولية من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وغيرها تستطيع الضغط على الإدارة الأميركية لإلزام إسرائيل بوقف الحرب، وكذلك من خلال فرض العقوبات السياسية والديلوماسية والقانونية والاقتصادية والتجارية والعسكرية والأمنية على حكومة الحرب الإسرائيلية، والعمل على عزلها ومحاصرتها واعتبارها دولة منبوذة. كما أن الدول العربية الشقيقة تملك العديد من أرواق القوة بيدها وتستطيع من خلال التلويح بها لفرض وقف إطلاق النار على الشعب الفلسطيني، وبعدما تصدر محكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية قراراتها بإصدار مذكرات اعتقال ضد نتنياهو وغالانت وغيرهم من المتورطين في الحرب، وإصدار العدل الدولية قراراتها بوصف دولة إسرائيل كدولة حرب إبادة جماعية، مع ما يتبع ذلك من قرارات أممية يمكن تطويق عنق الدولة النازية الإسرائيلية، وارغامها على إعادة نظر في نهجها الدموي النازي.
بيدَ أن الجميع ما زال حتى اللحظة، رغم مرور نحو 10 شهور من الحرب، وحيث تتضاعف دورة الدم والموت وأهوال حرب الإبادة يدور في حلقة مفرغة. لأن العصا الغليظة الأميركية مرفوعة في وجوههم، لذا ما زالت أيديهم مشلولة عن الإمساك بمفتاح وقف الحرب الإجرامية والأبشع في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ومع ذلك الكرة في مرمى الأقطاب الدولية والدول العربية الشقيقة ومحكمتي العدل والجنائية الدوليتين، فهل يرتقون لمستوى المسؤولية القانونية والسياسية والأخلاقية ويفرضون وقف حرب الإبادة الجماعية على الشعب العربي الفلسطيني؟.