متسلحًا بالعلم وفي تحد للقصف الإسرائيلي المستمر لأكثر من تسعة أشهر على قطاع غزة، تمكن الطالب أنس القانوع من مناقشة رسالة الدكتوراه من داخل منزله المدمر.
أمام جهاز الحاسوب الخاص به، جلس القانوع، الذي يقطن في منطقة بئر النعجة غرب مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، في إحدى الغرف التي استصلحها من منزله لمناقشة رسالته التي كانت بعنوان "تصنيع أسلاك الفضة النانوية واستخدامها في تصنيع مجسات الأشعة فوق البنفسجي".
وفي ماليزيا، كان أساتذته من جامعة العلوم الماليزية (USM) يناقشونه، حيث أتاحت الجامعة له فرصة المناقشة عن بُعد بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
القانوع ليس وحده من ناقش رسالة الدكتوراه، فقد ناقش العديد من الطلاب بحوثهم ورسائلهم من قطاع غزة في زمن الحرب.
حيث أعلنت جامعة الأزهر- غزة عبر منشورات على صفحتها في "فيسبوك" عن مناقشة العديد من رسائل الماجستير لطلاب عبر تقنية "زووم".
وحصل القانوع على درجة الماجستير من الجامعة الإسلامية في قطاع غزة خلال السنوات الماضية، والتحق بها ليعمل مدرسًا ويعيل أسرته قبل أن يسافر خارج القطاع إلى ماليزيا لدراسة الدكتوراه.
لكن ظروف المعيشة ونقص الأموال لدى عائلته، كونه المعيل الوحيد، أعادته إلى قطاع غزة ليعود مدرسًا من جديد في الجامعة الإسلامية ليتمكن من تحصيل الأموال ومن ثم العودة لاستكمال مشوار الدكتوراه.
لكن في زيارته الأخيرة إلى قطاع غزة في حزيران/يونيو 2023، حصل ما لم يكن يتوقعه حيث اندلعت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ولم يتمكن من الخروج من القطاع.
وبعد مرور عدة أشهر على الحرب، لم ينكسر القانوع ولم يأبه لظروف المعيشة الصعبة حيث ظل يكتب رسالته حتى انتهى منها وناقشها وحصل على درجة الدكتوراه، رغم ندرة الإنترنت والكهرباء.
وجراء العدوان والحصار الإسرائيلي، بات سكان غزة ولا سيما محافظتي غزة والشمال، على شفا مجاعة، في ظل شح شديد في إمدادات الغذاء والماء والدواء والوقود، مع نزوح نحو مليوني مواطن من سكان القطاع.
وكان القانوع قد نزح من بيته أكثر من مرة خلال اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي لمخيم جباليا، مثل باقي المواطنين الذين عانوا ويلات الحرب.
وفي 3 تموز/يوليو قالت كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة سيغريد كاغ، إن هناك 1.9 مليون نازح بأنحاء القطاع الذي يشهد حربا إسرائيلية مدمرة منذ نحو 9 أشهر.
وقالت كاغ في إحاطة قدمتها أمام اجتماع مجلس الأمن الدولي: أن "الحرب لم تخلق أزمة إنسانية فحسب، بل أطلقت العنان أيضًا لدوامة من البؤس الإنساني، حيث انهار نظام الصحة العامة ودُمِرت المدارس، ما يهدد بتعطل نظام التعليم أجيالا قادمة"، مؤكدةً أن هناك 1.9 مليون نازح بأنحاء القطاع.
وقال القانوع: "في عام 2021، سافرت إلى ماليزيا والتحقت بجامعة العلوم الماليزية (USM) للحصول على درجة الدكتوراه في تصنيع أسلاك الفضة النانوية واستخدامها في تصنيع مجسات الأشعة فوق البنفسجية وكذلك المسخنات الكهربائية التي تعمل على الجهد المستمر المنخفض، وقد عدت إلى قطاع غزة قبل الحرب الإسرائيلية لأعمل وأوفر بعض الأموال لعائلتي، في ظل ما يعانيه أهالي القطاع من ظروف صعبة حيث لا يوجد معيل لهم".
وتابع: "خلال مكوثي في غزة، اندلعت الحرب وبقيت في شمال القطاع، حيث عانيت مثل أي فلسطيني من ظروف الحرب ومآسيها، وتم قصف منزلي وتدميره"، لافتًا إلى أنه "خلال الحرب، توقف عن كتابة رسالة الدكتوراه لفترة، ثم عاد لإكمالها نظرًا لطول أمد الحرب"، موضحًا أنه في البداية واجه ظروف قاهرة مثل انقطاع الإنترنت والتيار الكهربائي، لكنه تغلب عليها وتمكن من كتابة رسالته.
ويقول: "في آذار/مارس الماضي، تمكنت من إجراء مناقشة أولية غير محسوبة تأهلت بها للمناقشة النهائية، وفي العاشر من الشهر الجاري، تمت مناقشتي النهائية عبر الإنترنت"، مشيرًا إلى أنه في ذلك الوقت، كان خائفًا من انقطاع الإنترنت أو نفاد شحن البطارية التي يعمل عليها وقد شحنها عبر الطاقة الشمسية، حيث استمرت المناقشة حوالي خمس ساعات متتالية.
ورغم معاناة الحرب وويلاتها، تمت مناقشة الدكتوراه وقررت اللجنة في الجامعة الماليزية منحه الدرجة بعد جهد كبير، بحسب القانوع.
ومنذ بدء الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، دمرت إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، 6 جامعات في قطاع غزة كليا، وقتل جيشها ثلاثة رؤساء جامعات وأكثر من 95 عميد جامعة وأستاذ، بينما اضطر 88 ألف طالب إلى الانقطاع عن تعليمهم الجامعي، ولم يتمكن 555 طالبًا حصلوا على منح دولية من السفر إلى الخارج.
وخلفت الحرب أكثر من 126 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال.
وتواصل إسرائيل حربها متجاهلة قراري مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني المزري بغزة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها