بقلم: محمود أبو عبية
أدرجت الأمم المتحدة قوات الاحتلال الإسرائيلي على "القائمة السوداء" للأطراف التي ارتكبت انتهاكات جسيمة ضد الأطفال في مناطق النزاعات المسلحة خلال عالم 2023، وذلك ضمن ملحق تقرير الأمين العام السنوي حول الأطفال والنزاعات المسلحة.
وسيُقدَم التقرير إلى أعضاء مجلس الأمن يوم الجمعة المقبل 14 حزيران/يونيو الجاري، وهو التاريخ الذي حدده وطلبه المجلس، وذلك وفق الممارسة المتبعة، قبل أن يُنشر رسميًا في 18 حزيران/يونيو خلال مؤتمر صحفي تعقده الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بتلك القضية فيرجينيا غامبا، وسيُناقش في جلسة مداولات مفتوحة بالمجلس في 26 حزيران/يونيو.
ويشمل التقرير الفترة من كانون الثاني/يناير إلى كانون الأول/ ديسمبر 2023، ويُقدّم عملاً بقرار مجلس الأمن 2427 (2018)، ويعرض الاتجاهات السائدة فيما يتعلق بأثر النزاعات المسلحة في الأطفال ومعلومات عن الانتهاكات المرتكبة، وفق ما طلبه المجلس في قراره (1612 (2005) والقرارات اللاحقة. ويشير التقرير إلى أن الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال في الأراضي الفلسطينية المحتلة ارتفعت بنسبة 155% خلال عام 2023. كما تم تسجيل 7837 انتهاكا ضد 4247 طفلا فلسطينيا في غزة والضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، وفق التقرير.
وأشار التقرير إلى أن تلك الانتهاكات "ارتكبها الجيش الإسرائيلي والمستعمرون الإسرائيليون غير الشرعيين"، موضحًا أن قوات الاحتلال الإسرائيلي مسؤولة عن 5 آلاف و698 من تلك الانتهاكات.
وذكر التقرير أن إسرائيل اعتقلت 906 أطفال فلسطينيين، كما يعرقل الجيش الإسرائيلي وصول الأطفال إلى المساعدات الإنسانية في غزة والضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة.
وذكر التقرير أن هناك 23 ألف "انتهاك جسيم" لا تزال في حاجة إلى تأكيدات بسبب الأوضاع في غزة في الربع الأخير من عام 2023.
وشمل التقرير انتهاكات ضد الأطفال حول العالم خلال عام 2023، إذ كان أغلبها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وميانمار، والصومال، ونيجيريا، والسودان.
* ما هي "القائمة السوداء"؟
"القائمة السوداء": هي قائمة يُرفقها الأمين العام للأمم المتحدة، ملحقةً مع تقريره حول الأطفال في مناطق النزاع، وتتضمن الأطراف الضالعة في ارتكاب انتهاكات ضد الأطفال، وهذه الانتهاكات هي تجنيد الأطفال واستخدامهم، وقتل الأطفال وتشويههم، واغتصاب الأطفال وممارسة غير ذلك من أشكال العنف الجنسي ضدهم، واختطاف الأطفال، وشن الهجمات على المدارس والمستشفيات والاعتداء على الأفراد المشمولين في الحماية ممن لهم صلة بالمدارس والمستشفيات.
وتصدر القائمة بشكل سنوي، بناءً على طلب من مجلس الأمن الدولي، ويسري القرار لمدة 4 سنوات. وقد أنشئت من طرف الأمين العام للأمم المتحدة عام 2002، بوصفها أداة قيّمة في الجهود الرامية إلى كبح الانتهاكات ضد الأطفال جراء النزاعات المسلحة، إذ يشكّل وصمها للجناة، سواء الحكومات أو الجماعات المسلحة غير الحكومية، ضغطاً كبيراً على أطراف النزاع المسلح، ليجبرها على الامتثال للقانون الدولي.
* جهود فلسطينية قانونية ودولية لمحاسبة إسرائيل على جرائمها
قال المندوب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور في بيان صدر عنه: أن وضع الأمم المتحدة، إسرائيل على قائمة منتهكي حقوق الأطفال أو ما تسمى "قائمة العار"، لن يعيد إلينا الآلاف من أطفالنا الذين قُتلوا على يد إسرائيل على مدار عقود طويلة، ولن ترجع الحياة العادية إلى من تسببت لهم بالإعاقة، لكنها خطوة في الاتجاه الصحيح نحو إنهاء ثقافة ازدواجية المعايير والإفلات من العقاب المزمنة التي تمتعت بها إسرائيل، والتي تركت أطفالنا يعانون عواقبها، مضيفًا: "لقد أفلتت إسرائيل من العقاب والمحاسبة على جرائمها ضد الأطفال الفلسطينيين لعقود طويلة، ما جعلها تتمادى في استهداف أطفالنا وإلحاق الضرر بهم، في انتهاك صارخ لكل المعايير الإنسانية والأخلاقية والقانونية"، مؤكدًا أن حياة أطفالنا لا تقل قيمة عن حياة أطفال العالم، ولم يعد يمكن للمجتمع الدولي تقديم الاستثناءات إلى إسرائيل، فجرائمها ضد شعبنا ازدادت وحشية بشكل يندى له جبين الإنسانية جمعاء، و"سنستمر في جهودنا القانونية والسياسية حتى يتم تحقيق العدالة وتتوقف جرائم الاحتلال ضد جيل فلسطيني تلو الآخر".
وقال مساعد وزير الخارجية لشؤون الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة عمر عوض الله: أن إضافة إسرائيل إلى "القائمة السوداء" ضمن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، كانت نتيجة حراك دائم مع الأمين العام وممثلته لقضايا الأطفال والنزاعات المسلحة، إلى جانب عمل دؤوب مع اليونيسف ومؤسسات الأمم المتحدة في الأرض الفلسطينية المحتلة وغيرها الموجودة في نيويورك وجنيف، بما فيها اللجنة المنبثقة عن مجلس الأمن، بناءً على قرار المجلس 1612 لعام 2005، الذي تنتهكه إسرائيل باستهداف الأطفال بشكل مباشر والمستشفيات والمدارس، وهو ما ينتهك حقوق الأطفال في النزاعات المسلحة، مشيرًا إلى أن وزارة الخارجية والمغتربين وجهت العديد من المخاطبات إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وقامت بتزويده بتقارير تفيد بأن إسرائيل لم تقتل الأطفال فقط، وإنما أبادتهم في قطاع غزة، وأن هناك استهدافًا متعمدا للأطفال، بمعنى استهداف مستقبل الشعب الفلسطيني بشكل عام كجزء من مشروع دولة الاحتلال لإبادة الشعب الفلسطيني، مؤكدًا أن إضافة إسرائيل إلى "القائمة السوداء" لطالما كانت جزءاً من الحراك الدبلوماسي لوزارة الخارجية والقيادة الفلسطينية، وأن هذا الأمر مثّل أولوية في أجندة دولة فلسطين.
وبين عوض الله أن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة جاء بناءً على قرار لمجلس الأمن، وهو ما يعني أن الجهات المضافة في ملحقه تنتهك قرار مجلس الأمن وليس فقط حقوق الأطفال، منوها إلى أنه سيكون هناك عقوبات على إسرائيل بما فيها العقوبات التي طلبتها فلسطين حتى قبل هذا الإدراج، كمنع تصدير السلاح إلى إليها، وعقوبات اقتصادية وتجارية وسياسية ودبلوماسية عليها، لأنها ليست فقط منظومة مجرمة، وإنما منظومة مجرمة تهدد الأطفال، موضحًا أن إضافة إسرائيل إلى "القائمة السوداء" جاءت ضمن تراكم للجهود القانونية والدبلوماسية للقيادة الفلسطينية، والشركاء في محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، والجمعية العامة، ومجلس حقوق الإنسان، من أجل إحكام قبضة القانون الدولي ومنظومة المحاسبة والمساءلة على إسرائيل بشكل قوي من كل الزوايا.
* تخوّف إسرائيلي بعد فشل محاولاتها لمنع إضافتها إلى القائمة
وبعد فشل مساعيها في إقناع الأمين العام للأمم المتحدة بتجنب إضافتها إلى "القائمة السوداء"، يسود تخوّف في الأوساط الرسمية الإسرائيلية من هذه الخطوة.
قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية: أن "عواقب الدخول إلى القائمة السوداء تشمل الإضرار بالصورة، إذ يكتسب التقرير سمعة دولية كبيرة، وسيتم الاستشهاد به في جميع هيئات الأمم المتحدة، بما في ذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ومحكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي"، مشيرة إلى أن الناحية العملية، بمجرد وضع أي دولة أو كيان على القائمة، تُنتج تقارير مخصصة فيما يتعلق بهم، ما يعني أن مكتب المبعوث الخاص سيُعِدّ تقارير مخصصة فيما يتعلق بإسرائيل، وسيتم تقديم التقارير في وقت لاحق إلى مجلس الأمن.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حرب إبادة على قطاع غزة خلّفت قرابة 122 ألف مواطن بين شهيد وجريح، بينهم أكثر من 15500 شهيد من الأطفال، ونحو 10 آلاف مفقود، وسط مجاعة ودمار هائل.
واستُشهد عدد من الأطفال في القطاع، جراء الجوع وسوء التغذية والجفاف، في ظل منع الاحتلال وصول المساعدات الإغاثية وتدميره للمستشفيات والمراكز الطبية.
وخلال الفترة ذاتها، استُشهد 543 مواطنا بينهم 133 طفلاً، وأصيب 5200 آخرون في الضفة الغربية بما فيها القدس.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها